امام انسداد سبل التوافق حول أزمة تركيز المجلس الاعلى للقضاء: الهياكل القضائية تلتجئ إلى رئيس مجلس النواب

في ظلّ تواصل صمت الحكومة، وامام صراع الأطراف المعنية، التجأت مختلف الهياكل القضائية، أول أمس الاربعاء، من جديد الى السلطة التشريعية، للبحث عن حلول توافقية من شأنها ان تساعد على تجاوز أزمة تركيز المجلس الأعلى للقضاء.

أمام تمسكّ شقّ جمعية القضاة التونسين بضرورة امضاء رئيس الحكومة يوسف الشاهد على قائمة الترشيحات المتعلقة بالوظائف القضائية الساميّة والمعينة بصفتها تلك في المجلس الاعلى للقضاء، ومحاولة الشقّ الثاني والمتكون من بقية الهياكل القضائية، نقابة واتحاد قضاة إداريين واتحاد قضاة المحاسبات وجمعية القضاة الشبان، بعدم شرعية الترشيحات المذكورة وعدم أهليّة الشاهد للإمضاء، تبقى مسألة تركيز المجلس الأعلى للقضاء متعثرة.
وفي هذا الاطار اجتمع اول أمس الأربعاء رئيس مجلس النواب محمد الناصر بممثلين عن كافة الهياكل القضائية من جمعية القضاة والنقابة واتحاد القضاة الإداريين وجمعية القضاة الشبان واتحاد قضاة المحاسبات.

«الجمعية تتحمّل مسؤوليتها»
أفاد نائب رئيس جمعية القضاة التونسيين انس الحمايدي انه وبناء على طلب من الجمعية، استقبل رئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر، أول أمس الأربعاء ممثلين عن الجمعية للتداول حول مسألة أزمة المجلس الأعلى للقضاء.
وأعتبر محدّثنا في تصريح لـ«المغرب» بان الجمعية، ونأيا بنفسها عن الخروقات القانونية، قد اتبعت كلّ السبل القانونية والمشروعة من أجل التصدي للانحراف الخطير لمسار تركيز المجلس الأعلى للقضاء، وقد عملت على الاتصال بكلّ الأطراف المعنية، حيث تمّ الالتجاء الى المحكمة الإدارية باعتبارها الحامية للقانون وكان موقفها واضحا وصريحا في هذا الخصوص، كما تمّ الالتجاء كذلك الى رئاسة الحكومة باعتبارها المسؤولة الأولى على هذه الأزمة، ثمّ بمجلس نواب الشعب، باعتبار انه المكلّف بسنّ المشاريع في مرحلة أولى ومتابعة حسن تنفيذها ذلك على غرار مراقبته أعمال الحكومة على حدّ تعبيره. وقد طالبت الجمعية رئيس مجلس نواب الشعب حثّ رئيس الحكومة يوسف الشاهد من أجل اضفاء الصبغة القانونية على تسمية القضاة السامين المعينين بصفتهم في تركيبة المجلس الأعلى للقضاء.

كما أكّد انس الحمايدي أنّ الجمعية ليست مع التصعيد ولكنها في المقابل تتحمّل كافة مسؤولياتها في هذا الأمر، مضيفا في السياق نفسه «نحن مع الحلول التي فيها تطبيق للقانون، اي الحلول التي تحترم نصّ الدستور والقانون والضامنة عدم هتك مؤسسات الدولة وتحافظ عليها وفي مقدمتها الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي. وبالتالي فانّ كل الحلول التي تأتي تحت هذا الغطاء سنمضي فيها دون اي تردّد خلافا لذلك فانّ الجمعية ترفضها».
وأشار الى أنّ القضاة يريدون حلولا شرعية متطابقة لأحكام القانون والدستور، لا حلولا قريبة من الشرعية على حدّ تعبيره، والحل الوحيد لهذه الأزمة هو بيد رئيس الحكومة، فبمجرّد إمضائه على قائمة الترشيحات المقدمة من قبل الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي منذ نوفمبر الفارط، ستضمحّل هذه الازمة.

وبخصوص مواصلة تحركاتها الاحتجاجية ومدى تضرّر المتقاضي من ذلك، اكّد الحمايدي أنّ الجمعية خاضت كلّ هذه التحركات الاحتجاجية من اجل المصلحة الوطنية وعلى راسها مصلحة المتقاضي ، من أجل تكريس مجلس اعلى للقضاء بعيدا عن كلّ محاولات التطويع السياسي ويمارس مهامه الاساسية التي وردت بالدستور والمتمثلة في ضمان حسن سير القضاء واحترام استقلاله وحماية المواطنين والمتقاضين في حقوقهم وحرياتهم وحتى لا يتمكن اي طرف من استعمال القضاء لخدمة أجنداته السياسية أو الحزبية على حساب المواطنين العاديين. امّا في ما يتعلق بالقضايا التي تمّ تاخيرها فانّ كافة القضاة متجندون لتلافي هذا التأخير وهذا ما ثبت فعلا منذ بداية الأسبوع الجاري.

«دعوة رئيس مجلس النواب الى التدخل»
دعا رؤساء كلّ من نقابة القضاة التونسيين واتحاد القضاة الإداريين والجمعية التونسية للقضاة الشبان واتحاد قضاة محكمة المحاسبات السيد محمد الناصر بوصفه رئيس السلطة التشريعية وهو بتلك الصفة يمثل سلطة اعتبارية في الدولة ان يقوم بجمع كافة أعضاء المجلس الأعلى للقضاء للتحاور والخروج بحلّ توافقي.

وفي تصريح لـ«المغرب» أكّد رئيس اتحاد القضاة الإداريين وليد الهلالي أنّ الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي، قد انتهت مهامها منذ 14 نوفمبر الفارط تاريخ الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات، لتتحوّل بذلك الى هيئة تصريف أعمال فحسب وهو ما استقرّ عليه فقه قضاء مجلس الدولة الفرنسي منذ خمسينات القرن الماضي وأجمع عليه أيضا أساتذة القانون العام في البلاد مؤكدا انّ قرارات الترشيح الصادرة عن الهيئة الوقتية مخالفة للدستور والقانون ولمبدإ الشفافية وتتضمن العديد من الخروقات.

واكّد محدّثنا بانه قد تمّ توجيه قرارات الترشيح المذكورة الى سلطة غير مختّصة وهي رئاسة الحكومة مبينا في السياق نفسه بانّ الأساس القانوني الذي كان على أساسه يمضي رئيس الحكومة على قرارات الترشيح وهو الفصل 17 من التنظيم المؤقت للسلط العمومية قد الغي منذ ان نالت حكومة الحبيب الصيد ثقة البرلمان بعد الإنتخابات التشريعية والرئاسية طبقا لأحكام الفصل 148 فقرة أولى من الدستور والذي ينصّ على أنّه «يتواصل العمل بأحكام الفصول 17 إلى 20 من التنظيم المؤقت للسلط العمومية إلى حين نيل أول حكومة ثقة مجلس نواب الشعب». وأكّد وليد الهلالي أنّه كان من المفروض وطبقا لما يقتضيه الفصل 106 من الدستور، انّ يقوم رئيس الجمهورية بتعيين الخطط القضائية السامية والشاغرة حاليا بعد القيام بالترشيح من طرف المجلس الأعلى للقضاء الذي أدى

أعضاؤه اليمين الدستورية يوم 14 ديسمبر الفارط. لكن الفصل المذكور لم يدخل بعد حيّز التنفيذ طالما انّ تركيبة المجلس الاعلى للقضاء لم تكتمل بعد مما يؤدي حسب قراءة الجمعية إلى أنّ كلّا من الهيئة الوقتية للقضاء العدلي والمجلس الأعلى للمحكمة الإدارية والمجلس الأعلى لدائرة المحاسبات لا تزال قائمة الذات، على حدّ تعبيره، مشيرا الى انّ ذلك يدعو إلى الإستغراب باعتبار أنّ رئيس المجلس الأعلى للمحكمة الإدارية ولدائرة المحاسبات هو رئيس الحكومة حاليا الذي يمكنه حسب قراءة الجمعية أيضا إقالة الرئيس الأول للمحكمة الإدارية متى أراد ذلك وتعيين من يراه مناسبا في خطة الرئيس الأول لدائرة المحاسبات دون استشارة أيّ كان وهو ما يتنافى بداهة واستقلال السلطة القضائية التي نطمح إليها في ظل الجمهورية الثانية، وبالتالي فإن قراءة جمعية القضاة تؤدي إلى رهن القضاء بين أيدي السلطة التنفيذية وفق تصريحه.

واكد رئيس اتحاد القضاة الاداريين انّه «علاوة على تأبيد الوضع المؤقت إلى ما لا نهاية له ضرورة أنّ هناك شغورات حاليا في المجلس وأخرى سوف تأتي في القريب العاجل بموجب الإحالة على التقاعد دون الأخذ بعين الإعتبار حالات الوفاة التي قد تطرأ والتي لا يعلمها إلى الله وحده سبحانه وهذه الشغورات لا تملك الهيئة الوقتية سدها كلها لنبقى بذلك مرتهنين في المنظومة القديمة التي أصبحت غير قابلة للتطبيق».
وشدّد رئيس اتحاد القضاة الإداريين أنّ الحلّ للخروج من الأزمة التي يمرّ بها اليوم المجلس الاعلى للقضاء يكمن في الجلوس إلى طاولة الحوار بين كل أعضاء المجلس الأعلى للقضاء لإيجاد صيغة توافقية يتمّ بمقتضاها سدّ الشغورات الحاصلة ثم انتخاب رئيس للمجلس وفي حالة تعذر التوافق لا مفرّ من اللجوء إلى السلطة التشريعية الحالية لتنقيح الأحكام الإنتقالية الواردة بقانون المجلس الأعلى للقضاء.

«ضرورة تغليب المصلحة العامّة»
دعا رئيس اتحاد القضاة الإداريين وليد الهلالي كافة أعضاء المجلس الأعلى للقضاء الى تحكيم المصلحة العامّة والتحلّي بروح المسؤولية والبحث عن حلول جديّة وفعلية في غضون الأيام القليلة المقبلة، نظرا لما ينتظر المجلس من ملفات هامّة. وأكّد انّ «جمعية القضاة انقلبت على نتائج الانتخابات خاصة الرتبة الثالثة، لذلك التجأت الى للهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي وبالتنسيق بينهما تمّ إحداث العديد من الشغورات».

«الفتاوى القانونية»
اكّد انس الحمايدي نائب رئيسة جمعية القضاة التونسيين انّ «الوقت الحالي لا يتسع الى تسجيل المزيد من الفتاوى القانونية بخصوص مسالة تركيز المجلس الاعلى للقضاء التي لن تزيد مسالة تركيز المجلس الأعلى للقضاء إلّا تعكّرا، خاصّة وانّنا لسنا في حاجة الى اي تشريع حاليا بقدر ما نحن في حاجة الى تطبيق القانون الموضوع بصفة مسبقة واحترامه. والمخرج الوحيد والسليم للخروج من هذه الأزمة بأسهل الطرق وأسرعها».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115