أزمة المجلس الأعلى للقضاء: بين «مطرقة» التدخل في السلطة القضائية و«سندان» تعكّر الأمور وتعطيل المسار

تسير الأمور اليوم ومنذ أشهر بخصوص المجلس الأعلى للقضاء نحو منعرج وصف بالخطير ورسم مشهدا من الاحتقان والانشقاقات بين الهياكل وكذلك صلب المجلس في حد ذاته الذي انقسم فيه الأعضاء إلى مجموعتين الأولى دعت نفسها إلى الانعقاد والثانية رفضت ذلك

لأن الأمر غير قانوني بالنسبة لها معتبرة أن الحلّ الأنسب هو إمضاء رئيس الحكومة على قرارات الترشيح المودعة لديه منذ 21 نوفمير 216 من قبل الهيئة الوقتية للقضاء العدلي ،توجّه ذهبت فيه أيضا جمعية القضاة التونسيين ومصرّة عليه، في المقابل ساندت بقية الهياكل الاجتماعات التي عقدها المجلس والقرارات المنبثقة عنها. المحكمة الإدارية من جهتها رأت أن تؤجل تنفيذ كل أشغال المجلس وقراراته إلى حين النظر في مطلب توقيفها وذلك على خلفية طعون قدمت لها. إشكالات بالجملة تضع العديد من التساؤلات على الطاولة تتعلق بتدخل السلطة التنفيذبة في نظيرتها القضائية.
للتذكير فإن أحمد الصواب العضو المعين بالصفة في المجلس الأعلى للقضاء قرر مؤخرا الانسحاب من مجموعة الــ21 مع الإبقاء على عضويته بالمجلس وذلك لعدم التزام بقية الأعضاء بالقرار القضائي.

ماذا لو تدخلت الحكومة في هذين المجلسين؟
جمعية القضاة التونسيين والأعضاء المعارضين لاجتماع المجلس الأعلى للقضاء يقولون بان الهيئة الوقتية للقضاء العدلي لا تزال سارية المفعول وتواصل مهامها إلى حين اكتمال تركيبة المجلس الأعلى للقضاء من خلال إمضاء قرارات الترشيح من قبل رئيس الحكومة على حد تعبيرهم،أي بترجمة أخرى تدخل يوسف الشاهد لفض الإشكالات العالقة في أزمة المجلس الأعلى للقضاء خاصة بعد بلوغ خالد العياري رئيس الهيئة سن التقاعد ومغادرته منصبه دون دعوة المجلس إلى الانعقاد وهو ما زاد من اشتعال فتيل الصراعات في الساحة

القضائية ولكن لو عدنا بذاكرتنا الى الوراء فإن الهياكل القضائية كانت تتمسك في كل مرة برفضها القاطع الى تدخل السلطة التنفيذية في القضاء ورفعت شعارات تطالب بسلطة قضائية مستقلة ولكن اليوم نراها مصرّة وتطالب صراحة بهذا التدخل مما يطرح جملة من التساؤلات خاصة في ما يتعلق بهياكل قضائية أخرى لرئيس الحكومة دور كبير فيها فماذا لو أقدمت الحكومة ورئيسها بدعوة المجلس الأعلى للمحكمة الإدارية والمجلس الأعلى لدائرة المحاسبات للانعقاد باعتباره رئيسهما حاليا ما لم يتركز المجلس الأعلى للقضاء وقام بتعيين رئيس جديد لدائرة المحاسبات خلفا للسيد عبد اللطيف الخراط الذي بلغ سن التقاعد وكل ذلك بالاعتماد على منطوق الفصل 74 من القانون الأساسي عدد 34 لسنة 2016 مؤرخ في 28 افريل 2016 المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء والذي جاء فيه « يواصل كل من الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي والمجلس الأعلى للمحكمة الإدارية والمجلس الأعلى لدائرة المحاسبات مباشرة مهامهم إلى حين استكمال تركيبة المجلس الأعلى للقضاء بهياكله الأربعة وإرسائه.» في هذه الحالة كيف سيكون موقف الهياكل وخاصة منها المدافعة عن طرح تدخل الحكومة في هذه المسألة؟. فبقطع النظر عن صحّة التوجه فإن السلطة التنفيذية أقرت ولو بصفة مبطنة أن الأمر يخص القضاة وهو شورى بينهم وبالتالي الحلّ بيد أهل الدار دون سواهم والعودة إلى طاولة الحوار هو الحلّ الأنسب في ظل هذا المشهد الذي يسوده الظلام وانعدام الرؤية.

هل يتوحّد القضاة؟
المسألة حقيقة في غاية الخطورة باعتبار ما يمكن أن تفضي إليه من انزلاق نحو المجهول إذا تواصل الحال على ما هو عليه اليوم فمتى يغلب صوت الحكمة ويجتمع قضاتنا على كلمة سواء تُوحد ولا تُفرق وتبني ولا تهدم باعتبار حاجة المواطن الملحة الى مرفق قضائي يرعى مصالحه ويحمي حقوقه خاصة وأن الفترة الأخيرة شهدت تأجيل العديد من القضايا والملفات بسبب الإضراب الذي أقرته جمعية القضاة التونسيين؟ ،ما نلمسه على ارض الواقع اليوم يشير إلى أن الفصل في القضايا في المحاكم التونسية يعرف بطءا وآجالا ممتدة في الزمن تكاد تكون الأطول مقارنة بما هو قائم في عدد من الدول الأخرى وفق رؤية عديد الأطراف. وللتذكير فإن احد الأعضاء الرافضين لانعقاد المجلس من قبل بقية زملائهم بأن قرار المحكمة الإدارية الأخير بقبول الطعون وتأجيل تنفيذ القرارات المنبثقة عن اجتماعات المجلس في أكثر من مناسبة هو فرصة للفريقين للعودة إلى طاولة المفاوضات والنقاش والخروج بحلول ترضي الطرفين وتضع مصلحة السلطة القضائية في الميزان والاعتبار علما وأن الهيئة الوقتية للقضاء العدلي من جهتها اجتمعت مع عدد من أعضاء مجلس القضاء العدلي لإيجاد مخرج لهذه الأزمة ، تعددت اللقاءات والدعوات إلى الحوار ولكن يبدو أن الأمور تتجه نحو التعقيد وربما نحو طريق مسدود.
فيصل البوسليمي رئيس نقابة القضاة التونسيين صرح في احد البرامج التلفزية مؤخرا بأن الحلّ الوحيد للخروج من مأزق المجلس الأعلى للقضاء هو تشريعي بحت وقال في هذا السياق «لا وجود لأي سلطة مخول لها قانونا إمضاء أوامر تسمية القضاة في المناصب القضائية السامية والحل لفض أزمة تركيز المجلس الأعلى للقضاء لن يكون إلا بتدخل تشريعي».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115