عماد الغابري قاضي إداري ورئيس وحدة الاتصال في المحكمة الإدارية لــ«المغرب»: «ملف المحكمة الإدارية قوبل بصمت القصور الثلاثة وظاهرة عدم تنفيذ الأحكام لا يمكن حصرها في أرقام»

إن القضاء عموما والقضاء الإداري بصفة خاصة له دور مهم في الانتقال الديمقراطي الذي تعيشه تونس ما بعد الثورة وهذا أمر لا يختلف فيه اثنان ولكن هذا التحول يجب أن تبنى له أسس جديدة وتغيرات تتماشى ومتطلبات المرحلة من خلال إصلاح المنظومات في كل القطاعات

والتي من بينها القضاء ،فالمحكمة الإدارية ومنذ سنوات تعيش وضعا اقل ما يقال عنه أنه مزر وما زاد الطين بلة تفاقم ظاهرة عدم تنفيذ الأحكام الصادرة عنها. هذه النقطة وغيرها فتحنا فيها الحديث مع عماد الغابري قاضي إداري ورئيس الوحدة المكلفة بالاتصال صلب المحكمة الإدارية فكان معه الحوار التالي.

• في البداية ماهو وضع القضاء التونسي عموما بين الأمس واليوم ؟
لقد تعامل واضعو دستور 2014 حين تحديد منزلة السلطة القضائية في تونس بعد الثورة بنفسية حذرة من منطلق التجربة عكست الخشية من وضع القضاء في الفترة السابقة فجاءت أسس الاستقلالية في الدستور منقوصة وحتى مشوهة.وتأكدت هذه الخلفية النفسية عند مناقشة وإصدار القانون عدد 34 لسنة 2016 المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء وما شهده من تجاذبات سياسية أثرت سلبا على مكانة هذا الهيكل المهم في إدارة القضاء وحدّت من صلاحياته في سير المرفق العام القضائي وجعلته أقرب للهيئة الاستشارية منه الى هيئة لها سلطة قرار في الشأن القضائي عموما وبقيت بذلك مقاليد إدارة القضاء وللأسف لدى السلطة التنفيذية .

• ماذا عن وضعية القضاء الإداري من حيث ظروف العمل والإمكانيات ؟
القضاء الإداري كبقية الفروع القضائية الأخرى ليس له سلطة القرار بخصوص إدارة المحكمة وبالتالي سلطة التأثير في الوضعية المادية واللوجستية والبشرية لسير المرفق القضائي وبقي ذلك رهين ما تتفضل به السلطة التنفيذية لتحسين ظروف العمل بالمحكمة .لذلك فإن الوضعية المتردية لظروف عمل القضاة والكتبة والموظفين بالمحكمة أثرت سلبا على الخدمات القضائية ونوعيتها.فعدد القضايا المنشورة كل سنة تضاعف بين سنة 2011 إلى سنة 2016 إذ مرّ من 5 آلاف قضية إلى أكثر من 11 ألف قضية في حين أن عدد القضاة عن نفس الفترة كان في حدود 120 قاضيا سنة 2011 ليصبح في حدود 160 قاضيا سنة 2016. وهو ما من شأنه أن يراكم عدد الملفات لدى كل قاضي و يؤثر سلبا على آجال الفصل في النزاع.كما تعاني المحكمة من نقص فادح في عدد الموظفين و العملة مما جعل الزملاء في أغلب الحالات يقومون بدور الحجابة و التعويل على الذات في نقل الملفات و الطباعة و استقبال المتقاضين.

• نأتي الآن إلى مسألة تفشي ظاهرة عدم تنفيذ الأحكام ؟
من المعلوم أن المتقاضي أمام المحكمة الإدارية عانى كثيرا من ظاهرة عدم تنفيذ الأحكام الصادرة ضد الإدارة حتى أصبحت المحكمة الإدارية تنعت في بعض الحالات بالمحكمة التي لا تنفذ أحكامها والحال أن العيب في ذلك ليس على المحكمة بل على الجهة الصادر ضدها الحكم.وفي هذا السياق ينبغي التأكيد أنّ هذه الظاهرة تتعلق في اغلب الأحيان بحالات التعنت في التنفيذ من الإدارة المعنية في غياب دفع باستحالة تنفيذ الحكم لأسباب موضوعية.
وبالرغم من أن قانون المحكمة الإدارية يجعل من عدم التنفيذ المقصود لأحكام المحكمة خطأ فاحشا في جانب الادارة يجيز للمتقاضي القيام بقضية لتغريمها جراء ذلك , فإن هذه الالية لم تكن بالنجاعة المطلوبة إذ أن مصير الحكم بالغرامات إن حصل قد يبقي المتقاضي في نفس الدائرة المفرغة لآفة عدم التنفيذ بل ويجابه في العديد من الأحيان بعبارات عار على دولة ترفع شعار الحق والقانون من قبيل «بلّو واشرب ماه» .

• ماهي الأسباب والتعليلات لعدم تنفيذ تلك الأحكام وهل من إحصائيات؟
تجدر الإشارة أنّه في غياب هيكل قضائي أو حكومي يختصّ برصد حالات عدم التنفيذ للأحكام الصادرة عن القضاء الإداري فإنه لا يمكن إعطاء إحصائيات دقيقة في هذا الخصوص لأن علاقة المتقاضي بالمحكمة تنتهي بصدور الحكم.
أما عن الأسباب التي تقدمها الإدارة لتبرير عدم التنفيذ والتي تختلف باختلاف نوعية النزاع وهي عادة ما تختصر بخصوص القضايا المتعلقة بالمسارات المهنية للأعوان المعزولين في دفع يكاد يكون آليا وهو صعوبة إرجاع الوضعية إلى ما كانت عليه قبل صدور الحكم مما جعل المحكمة تبيّن في العديد من الحالات سبل تنفيذ أحكامها في هذا الخصوص.أمّا بالنسبة لأصناف القضايا المتعلقة بفرض التزام أو توجيه أوامر وأذون بموجب الأحكام الصادرة عن الإدارة ,فعادة ما يثار دفع آخر غريب في بعض القضايا يتعلق «بعدم جواز توجيه أوامر من قبل القضاء للإدارة «. وللتصحيح فإنّ هذا المنع ورد بالفصل 3 من القانون عدد 38 لسنة 1996 المتعلق بتوزيع الاختصاص بين المحاكم العدلية والمحكمة الإدارية والذي جاء فيه « ليس للمحاكم العدلية أن تنظر في المطالب الرامية إلى إلغاء المقررات الإدارية أو الإذن بأي وسيلة من الوسائل التي من شأنها تعطيل عمل الإدارة وتعطيل سير المرفق العمومي». فهذا المنع موجه للمحاكم العدلية لحماية توزيع الاختصاص بين جهتي القضاء العدلي والإداري و لا يتعلّق بالقضاء الإداري الذي يبقى من صميم اختصاصه توجيه أوامر للإدارة بفعل أو الامتناع عن فعل.

• تقدمتم بمقترح قانوني في الغرض ولكن قوبل بالرفض لأسباب سياسية ماهو تعليقكم؟
شعورا بوجوب المعالجة القانونية لهذه الآفة سعت المحكمة الإدارية الى اقتراح عدّة حلول ،فعند مناقشات المجلس التأسيسي لوضع دستور 2014 تقدمت المحكمة الإدارية بمشروع فصول تضمّن اقتراح التنصيص الصريح على وجوبية تنفيذ أحكام القضاء الإداري بل وتجريما لعدم التنفيذ المقصود غير أن المشرعين أكتفوا بوضع نص عامّ اقرب للرجاء منه للإلزام القانوني بكلّ مفاعيله وأكثر من ذلك فقد تمّ فتح الباب لإيجاد أعذارعن عدم تنفيذ الأحكام.ووعيا منها بخطورة هذه الظاهرة فإن مسالة عدم التنفيذ أخذت حيزا كبيرا ومهما صلب لجان المحكمة الإدارية الذي يساهم فيها جميع قضاتها و المتعلقة بإعداد مشروع مجلة للقضاء الإداري حتى تكون النصوص التشريعية الجديدة متضمنة لآليات أنجع لمكافحة هذه الآفة.ونرى أن من بين الآليات الممكن اقتراحها :أن تتضمن الأحكام المتعلقة بالنظام الأساسي العام للوظيفة العمومية و الأنظمة الأساسية الخاصة لبقية الأعوان العموميين تنصيصا صريحا على واجب تنفيذ الأحكام عموما وأن الامتناع أو عرقلة تنفيذها يعدّ خطا تأديبيا جسيما موجبا للعزل، و أن يقع تعديل أحكام المجلة الجزائية المتعلقة بعدم تنفيذ أحكام القضاء وإدراج أحكام خاصة تنسحب على الأعوان العموميين المعنيين بالتنفيذ والترفيع في العقوبات الخاصة بهذه الجريمة،و أن يقع إحداث خطة قضائية صلب هيكل القضاء الاداري وهي «قاضي تنفيذ الأحكام» يعهد إليه تلقي تشكيات المتقاضين المتعلقة بعدم التنفيذ و النظر في آليات تنفيذ الأحكام والبت في الصعوبات المتعلقة بها ،(...).

• القضاء الإداري مقبل على محطة انتخابية مهمة وهي الانتخابات البلدية بأي إمكانيات وهل المهمة ممكنة بالموجود؟
لعل خصوصية الانتخابات البلدية من جهة عدد الدوائر البلدية و امتدادها الجغرافي والمترشحين لها سيجعل القضاء الاداري أمام وضعية شبه مستحيلة إن لم نقل استحالة النظر في مثل هذه النزاعات بالامكانات الحالية التي عليها المحكمة الادارية فهي لاتزال في نطاق ترابي مركزي بتونس العاصمة و ان اعتماد الحلول الوسطى لتحويل الدوائر الابتدائية إلى الجهات هو توجه سيفرغ المحكمة الادارية من أيّ نشاط قضائي طيلة فترة البت في النزاعات الانتخابية ويعرقل السير العادي للجلسات بها كما أن عدد القضاة بالمحكمة قد لا يمكن من البت في تلك النزاعات خاصة وأن الاجال مختصرة للنظر في تلك النزاعات.لذلك فمن المتجه وقانون الانتخابات المحلية في أروقة المجلس التشريعي أن يواكبه اصدار نصّ تشريعي يحدث لامركزية القضاء الاداري من خلال إنشاء محاكم إدارية ابتدائية و استئنافية في الجهات كما يجب الاسراع بفتح انتداب لقضاة إداريين بالعدد الكافي و المؤهل للبت في تلك النزاعات .

• بعد صمت الحكومات المتعاقبة ازاء هذا الوضع هل انطلق الشاهد في فتح ملف المحكمة الادارية ؟
هو صمت القصور الثلاثة ،القصبة وقرطاج وباردو إزاء وضعية متردية لحال القضاء الإداري عموما الذي و للأسف لم يتغيّر على ما كان عليه قبل الثورة وبقي يمارس وظائفه بنفس الإمكانات البشرية والمادية تقريبا رغم تضاعف عدد القضايا بعشرات المرات إلى درجة أثّرت على آجال البت في الملفات وتحمّل وزرها المتقاضي .ورغم العديد من نداءات الاستغاثة من المحكمة سواء من رئاستها أو من قضاتها أو من إدارييها أو من الهياكل الممثلة للقضاة وحتى من نشطاء المجتمع المدني فلا من مجيب ؟؟؟
فمن المضحكات المبكيات أن يطال إغلاق الانتدابات في الوظيفة العموميّة المحكمة الإدارية وكأنها مجرّد إدارة ينسحب عليها ما ينسحب على الإدارات العمومية.فمنذ سنة 2012 لم يقع فتح ولو مناظرة لانتداب القضاة الإداريين أو حتى العملة والإداريين .و للأسف الشديد ما زال تعامل الحكومة مع وضع القضاء الإداري سلبيا ويدعو إلى القلق.ولا نزال في انتظار ردّة فعل من الحكومة الجديدة التي نرجو ألا تواصل صمتها على هذا الوضع.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115