الكاتب والباحث العراقي بجامعة كاليفورنيا الأمريكية د.جاسم البديوي لـ«المغرب»: «الفساد وسبل مكافحته في العراق يسيران في خطين متوازيين لا يلتقيان»

حذّر الكاتب والباحث العراقي بجامعة كاليفورنيا الأمريكية د. جاسم البديوي في حديث لـ«المغرب» من استشراء آفة الفساد في مؤسسات الدولة العراقية في غياب الية ناجعة للحد منها . واعتبر البديوي انّ المشهد العراقي يحتاج إلى إعادة هيكلة وإصلاحات عميقة لتجاوز المرحلة الحرجة

التي يعيشها ويمر إلى مرحلة تأسيس ديمقراطية حقة تساهم في إخراج البلاد من معضلاتها الأمنية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

• لو تقيمون لنا أولا المشهد السياسي العراقي وظروف إقالة وزير الدفاع المتهم بالفساد؟
موضوع الفساد قديم في العراق فهو يرجع إلى ظروف نشأة النظام السياسي سنة 1921 حيث أن الدولة العراقية الحديثة نشأت سنة 1921 في ظروف صعبة انعكست على الطبيعة الاجتماعية والبنية الأخلاقية السياسية الموجودة آنذاك، وهي بنية تشبه الظروف السياسية التي نشأت سنة 2003 واقصد بناء المشهد السياسي على أسس المحاصصة العرقية والطائفية والاثنية .

ومعلوم أن الاحتلال البريطاني انشأ الدولة العراقية وأسسها وفق توزيعات السكان الديمغرافية من سنة وتركمان وشيعة وأكراد، وبالنتيجة فهذه المحاصصة السياسية والطائفية أفرزت حالة من الاستئثار وحالة من التعامل مع المكتسبات السياسية على أنها غنائم لذلك فان هذا الفكر ولّد نوعا من الولاء لدى السياسيين ليس للوطن بل للقبيلة والطائفة والدين والمجموعة والحزب السياسي .

بالتالي فان السياسي أو رجل الدولة لم يعد يعمل على تحقيق المكتسبات باسم الدولة والوطن بل باسم إرضاء القبيلة والمجموعة التي ينتمي إليها، وهو ما أنتج الفساد في مؤسّسات الدولة وتغلغل حتى تحوّلت إلى قيم وانعكست على واقع البلاد وولّدت الفقر والبطالة وعديد المشكلات الأخرى مما أدى الى ثورة العسكر سنة 1958 التي أطاحت بالملكية على وعد القضاء على الفساد ومكافحة الجهل والتخلف وعلى أمل القضاء على متبنيات الفساد ، بعد ثورة 1958 ومجيء عبد الكريم قاسم الذي لم يبق طويلا لم ينجح النظام في ترسيخ الجانب القانوني ولم ينجح في استيعاب مؤسسة الفساد .

• كيف كان تأثير الفساد المستشري منذ نشأة الدولة العراقية على واقع المشهد السياسي الحالي ؟
مع مجيء صدام حسين إلى الحكم أصبحت الدولة البوليسية هي سمة الدولة العراقية وأصبح الشخص الواحد هو المسيطر على مقدرات البلاد وأصبح النظام سلطويا، وهو أيضا لم ينجح في وضع اسسس قانونية تكافح الفساد وإنما عزز من حالات الفساد في الدولة .
بعد دخول الأمريكان سنة 2003 لم ينجح السياسيون في ترسيخ دولة القانون بل تجذر مفهوم المحاصصة الطائفية وأصبحت الأحزاب أشبه بمافايات فساد وإقطاعيات خاصة وظيفتها النهب وسلب المال العام والسرقة .

كعكة العراق أصبحت مقتسمة بين التيارات السياسية حسب مبدأ المحاصصة وهناك شركاء في الجهاز القضائي والإعلامي وبالتالي فان الفساد أصبح ممارسة سياسية ، فالمسؤول أصبح حصالة نقود بالنسبة لحزبه أو المجموعة القبلية التي ينتمي إليها .الجديد انّه لأول مرة وفي سابقة في الحياة السياسيّة العراقية يتجرأ احد الوزراء ويتحدث بصراحة -بغض النظر عن أسباب ذلك -وكلامنا لايعني ان الوزير بريء من شبهات الفساد التي انيطت به ، لكن هذا للمرة الاولى التي يصبح فيها الخلاف علني داخل مجلس النواب .
الموضوع كان خفيا داخل الغرف المغلقة ، كما ان استعجال القضاء-الذي هو مورط بدوره- بتبرئة رئيس مجلس النواب خلال 40 دقيقة فقط وإقالة وزير الدفاع المعني بهذه السرعة كل هذا يعدّ سابقة في تاريخ البلاد.

• ما خلفيات الخلاف بين وزير الدفاع ورئيس مجلس النواب ؟
ما حدث من إقالة وزير الدفاع كان بمثابة خلاف بين فاسدين حول شبهات الفساد التي انيطت بهم ،الخلاف له جذور سياسية إذ أن وزير الدفاع خالد العبيدي ينتمي إلى التيّار النجيفي ورئيس مجلس النواب الجبوري ينتمي لتيار سياسي آخر، يعني هناك خلاف داخل التيار السني في شكل تصفية حسابات حول صفقات التسليح وهو ما انسحب أيضا على الوضع الشيعي والوضع الكردي خصوصا بعد استجواب وزير المالية هوشيار زيباري وبنفس السيناريو الذي تمت به إقالة وزير الدفاع .
ملابسات ما حدث في الفترة الأخيرة في مجلس النواب وشبهات الفساد التي تشوب المنطقة والعراق تحديدا باعتبار انه ليس حرب بين «داعش» الارهابي والحكومة بل ساحة تصفية حسابات بين دول إقليمية وأخرى مجاورة أو من خلف البحار .

• يرى مراقبون أن الفساد ومكافحته يسيران على خطين متوازيين في العراق ، ماتعليقكم؟
فعلا هما يسيران في خطين متوازيين لايلتقيان مطلقا ،وهذا ليس من منطلق الإحباط بل من منطلق الواقعية لان الواقع العراقي يتجذّر فيه الفساد في البنية السياسية والمؤسساتية للدولة. لان كل الحكومات المتعاقبة لم تنجح في مكافحة حالة الفساد .كون الدوائر المحيطة بكل مصادر القرار لم يستطع احد اختراقها او تفكيكها. الفساد ودائرة الفاسدين في مؤسسات الدولة شبيهة بالإرهاب بل هي أسوأ من الإرهاب أيضا .

لولا الفساد في المؤسسة الحكومية والعسكرية لما استطاع تنظيم «داعش الارهابي التغلغل في الموصل سنة 2014 وان يحتل مناطق شاسعة من البلاد ، فالجهاز القضائي -وهو مايعول عليه في مكافحة الفساد- شبه مشلول باعتبار ان نظامه أيضا قائم على أسس غير صحيحة لم تستطع مجاراة الفاسدين لذلك لايمكن القضاء أو تحجيم الفساد إذا لم يبدأ الإصلاح في الجهاز القضائي. لكننا نجده عاجزا تماما بل هو يحتاج إلى إصلاح. الإعلام أيضا يحتاج إلى إصلاحات هيكلية ليؤدي دوره.

• ما هو المطلوب اليوم لإنقاذ العراق وجعله يسير باتجاه الاستقرار والديمقراطية؟
الاستقرار في العراق غير مرتبط بالوضع الداخلي بقدر ماهو مرتبط بالوضع الإقليمي الخارجي ،المصلحة العامة تقتضي التوافق على صيغة وطنية موحدة وهو هدف صعب في ظل الصراع في المنطقة.
دول الجوار لا تريد للعراق الاستقرار بل تحرك اذرعها بما يهدد امن واستقرار العراق، اما بخصوص الديمقراطية فهي موجودة على الورق.
العراق دولة قانونية ورقيا فقط لكن القبلية لازالت تحكم والطائفة تحكم والمذهب أيضا يحكم، من الأصح القول أن العراق يعيش ديمقراطية طائفية عشائرية مناطقية قوية وليست ديمقراطية مؤسساتية حقيقية . بالنتيجة وضع العراق على سكة الديمقراطية الحقيقية صعب لانه في الحقيقة ليس هناك ديمقراطية في الدول العربية هناك ديمقراطية أحزاب وديمقراطية منافع .

• في ظل استشراء الفساد والإرهاب في العراق كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن التقسيم ، هل يمكن أن يؤدي المشهد الحالي إلى هذه الفرضية ؟
من المستغرب ظهور دعوات لتقسيم العراق إلى ثلاث دويلات، ومن المستغرب أيضا ان تثار هذه الفرضية الآن بعد أن كان هذا مجرد تخطيط فهناك دوائر رسمية ومؤسساتية تتحدث ليس في العراق فقط بل في الخارج أيضا تتحدث عن مشروع بايدن حول تقسيم العراق إلى 3 دويلات .هذا المقترح التقسيمي خطر لا يحل المشكل بل يفاقمه باعتبار ان الوضع الدولي والإقليمي لايستوعب ذلك ، ففي حال تقسيم العراق فانه سيُبتلع من قبل دول الجوار ومن التنظيمات الإرهابية .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115