مبادرة تجمع الرئاسات الثلاث في ليبيا: فرصة لحلّ الأزمة أم عنصر جديد لتكريس الانقسام ؟

أثار إعلان المجلس الرئاسي الليبي عن مبادرة جديدة لحل الانسداد السياسي في البلاد مزيجا من التفاؤل المشوب بالقلق خاصة وأن الوضع الراهن في ليبيا يشهد اليوم انقساما وخلافات حادة بين الفرقاء

 في سيناريو يهدّد بشكل واضح فرص نجاح أية مبادرة سواء أكانت محلية أو إقليمية لتجاوز الجمود المخيم على العمليّة السياسيّة الليبية منذ سنوات طويلة .
يشار إلى أن رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، خالد المشري، أعلن قبل أيام قليلة عن تعليق التواصل بين رئاستي مجلسي الدولة والنواب وأعمال اللجنة المشتركة، على خلفية إقرار البرلمان قانون إنشاء محكمة دستورية . هذا الخلاف الذي سبق الإعلان عن المبادرة اعتبره البعض فرصة لتقريب وجهات النظر بين الأطراف المعنية- خاصة وانه يضم كل الرئاسات ( المجلس الأعلى للدولة برئاسة خالد المشري والمجلس الرئاسي برئاسة محمد المنفي ومجلس النواب الليبي برئاسة عقيلة صالح )- إلاّ أن المخاوف من الفشل مجددا تلوح في الأفق في ظلّ الخلافات القائمة سواء المتعلقة منها بالوضع السياسي أو الوضع الأمني.
هذا وتشهد ليبيا نزاعا بين حكومتين، الأولى برئاسة وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا، التي منحها البرلمان المنعقد في طبرق أقصى شرق البلاد ثقته، في مارس الماضي. والثانية حكومة الوحدة الوطنية المنبثقة عن اتفاقات سياسية برعاية الأمم المتحدة، قبل أكثر من عام، ويترأسها عبد الحميد الدبيبة، الذي يرفض تسليم السلطة مطالبا بانتخابات . وتعجز الأطراف المعنية في ليبيا رغم الجهود الدولية والإقليمية والمحلية عن تحديد خارطة طريق واضحة لإجراء انتخابات رئاسية برعاية الأمم المتحدة، تمّ تأجيلها مرارا وتكرارا نتيجة الخلافات . إذ كان من المقرر إجراء انتخابات في ديسمبر 2021 ، إلاّ أنه تم تأجيلها إلى أجل غير مسمى .
أهم بنود المبادرة
في مبادرته الأخيرة قدم المجلس الرئاسي الليبي مقاربة لتجاوز الانسداد السياسي لتحقيق التوافق الوطني، والإعلان عن مبادرة لحل الأزمة الليبية.وأعلن المجلس الرئاسي الليبي، إطلاق «مبادرة جديدة لتحقيق التوافق الوطني بين الأطراف الليبية لتجاوز الانسداد السياسي بالبلاد عبر لقاء تشاوري مع الأعلى للدولة والبرلمان بالتنسيق مع المبعوث الأممي إلى ليبيا». وقال المجلس الرئاسي في بيان صحفي: «يقدم المجلس الرئاسي مقاربة لتجاوز الانسداد السياسي لتحقيق التوافق الوطني والاعلان عن مبادرة لحل الأزمة، تنطلق عبر لقاء تشاوري بين المجالس الثلاث بالتنسيق مع المبعوث الخاص للأمين العام».كما أكّد البيان أنّ «المقاربة تهيئ لحوار دستوري كأولوية لإنهاء المراحل الانتقالية، تضمن فيه المبادرات والأفكار والرؤى التي طرحتها الأحزاب والقوى الوطنية على مجلس الرئاسي».
كما أوضح أنّ «مبادرته تأتي اتساقاً مع نصوص خارطة الطريق الصادرة عن ملتقى الحوار السياسي الليبي الحاكمة للمرحلة وانطلاقا من المسؤولية الأخلاقية الواقعة على المجلس الرئاسي وحرصاً على إنجاز التوافق بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة على إصدار قاعدة دستورية تؤسس لانتخابات برلمانية ورئاسية».
وأشار البيان إلى أنّ «النقاط الخلافية العالقة تعالج في ظل استمرار تعثر إجراء الاستفتاء على مشروع الدستور بموجب التعديل العاشر للإعلان الدستوري واتفاق الغردقة الذي تم بين المجلسين برعاية الأمم المتحدة واستضافة من دولة مصر».
خلافات متجذّرة
وتقف ليبيا هذه الآونة على حافة تصعيد خطير ووسط خلافات عميقة بين رئيس الحكومة المنتهية ولايته عبد الحميد الدبيبة ورئيس الحكومةالمُكلف من البرلمان فتحي باشاغا وذلك في علاقة بتسليم المهام ودخول العاصمة طرابلس. لم تقتصر الخلافات الدائرة بين الطرفين على الجانب السياسي بل طالت الجانب الأمني الذي يشهد استنفارا غير مسبوق ، علاوة على تجاذبات حادة أثرت على مساعي الأطراف الدولية لإرساء موعد جديد للإنتخابات .
وتعيش ليبيا هذه الآونة على وقع خلاف عميق بدأ منذ تبني مجلس النوّاب الليبي (شرق ليبيا والذي يترأسه عقيلة صالح ) بالأغلبيّة قرار سحب الثقة من حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة في تطوّر خطير في المشهد الليبي نظرا للتجاذبات وعدم التوافق السائد بين مختلف مكونات المشهد الليبي في هذه المرحلة الإنتقالية الحساسة التي تعيشها ليبيا بعد سنوات من الحرب .
وقد فشلت حكومة الدبيبة رغم الدعم الأممي والدولي في إنجاح الموعد المحدد للانتخابات بسبب الإنقسام والخلافات حول المترشحين والتي كانت مقررة في ديسمبر المنقضي وتتزايد مخاوف الليبيين والمجتمع الدولي ودول الجوار من خسارة بلاد عمر المختار لطوق النجاة بعد عقد من الحرب الضروس بين أبناء البلد الواحد .
وأثار قرار تأجيل الإنتخابات الليبية التي كان من المقرّر إجراؤها 24 ديسمبر إلى تاريخ 24 جانفي 2022 ثمّ إلى موعد غير محدد ، شكوكا وانتقادات وقلقا دوليا من الفشل في عرقلة إنجاح هذا الاستحقاق الإنتخابي بعد سنوات من الحرب في ليبيا. كما لم ينجح الفرقاء الليبيون في الالتزام بتاريخ 24 جانفي المنقضي وهو ما يؤكد خطورة الصعوبات والعراقيل والإنقسام الذي يحول بين ليبيا والاستقرار .
ويرى مراقبون أنّ غياب الحل السياسي في ليبيا رغم تعدّد المبادرات والتعهدات سواء المحلية أو الإقليمية أو الدولية ، دليل على حالة الإنقسام الحادة التي تخيم على المشهد السياسي في ليبيا .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115