مؤتمر «سوتشي» قفزة نحو الحل (مكتملة أم منقوصة).. عوامل الترجيح!

سومر صالح: كاتب سوري

لسنا في منطقة معزولةٍ جغرافياً عن محيطنا، ولسنا في منطقة سليمةٍ في تركيبتها السياسية، فالحروب والصراع خرّبت المنطقة وجعلت من بناها السياسية غير مستقرة بغالبيتها

ورغم الفوارق الكبيرة والعميقة بين الأزمة السورية والأزمات في المنطقةw إلّا أنّ الفارق الرئيس ذا الدلالة هو انتصار الدولة السورية كناتجٍ في الحرب بمساعدة حلفائها، هذا الانتصار أسقط كلّ المحاولات الدولية لفرض «هيئة حكم انتقاليّ» على سورية تنطلق معها العملية السياسية.
حيث شكّل انتصار البوكمال في نوفمبر 2011 نقطة البدء للانتقال إلى العملية السياسية وفق القرار (2254)، والسؤال المهم هنا لماذا البوكمال تحديداً وليس مناطق تخفيف التصعيد مثلاً؟ الجواب يكمن في محاولة الولايات المتحدة حتى اللحظة الأخيرة قطع ثاني الطرق الرئيسية بين طهران ودمشق عبر معبر البوكمال وربط جيب التنف المحتل أميركياً بمواقع سيطرة «قسد» في شمال نهر الفرات وفرض كريدور أمرٍ واقعٍ يعزل حدود سورية والعراق، ولكن ما جرى بين 10 نوفمبر و19 نوفمبر كان واضحاً أنّ المحور السوريّ لمكافحة الإرهاب جاهزٌ للمواجهة مع الأميركيّ ولم تثنه فكرة زعزعة استقرار لبنان أميركياً واستهدافه عن استعادة مدينة البوكمال بل كان كلام الرئيس الأسد واضحاً لجهة ترابط جبهتي جنوب لبنان والجولان في أيّ حربٍ أو استهداف لأحد الطرفين..، ورغم البيان الملتبس بين روسيا والولايات المتحدة (11 /11 /2017) بربط التسوية السورية بإطار جينيف جاء السلوك الروسيّ متجاوزاً هذه النقطة خصوصاً في بيان اجتماع وزراء خارجية الدول الضامنة في انطاليا والذي نصّ صراحةً على «نقل حلّ جميع اجندات التسوية السورية إلى مؤتمر سوتشي»، لتأتي المفاجأة الكبيرة وهي لقاء الرئيسين الأسد و بوتين لمزيدٍ من المشاورات حول مؤتمر سوتشي وطبيعة التسوية السورية القادمة وقبيل اجتماع القمة الثلاثية بين (روحاني واردوغان وبوتين لإقرار تفاهمات جديدة تنفيذاً لأستانة (7) .

مسائل عالقة قبيل مؤتمر سوتشي
رغم الزخم القوي الذي أعطته روسيا لمؤتمر سوتشي والذي جعل الكثيرين ينسون حتى موعد لقاء جينيف الثامن، إلّا أنّ نقاطاً عالقة بين الأطراف الضامنة ينبغي حلّها فعلياً وليس شكلياً وفي مقدمها حسم ملف الإرهاب وتعريفه فالموضوع ليس مرتبطاً فقط بملف النصرة-فرع القاعدة في سورية- فما رأيناه من هجومٍ على إدارة المركبات مؤخراً هو تماهٍ واضحٍ بين تنظيمات ليست على أجندة حوار الضامنين لجهة تصنيفها بالإرهاب (فيلق الرحمن واحرار الشام) الإرهابية، وهذا أمرٌ يهدد مستقبل العملية السياسية المزمع انطلاقها، والملف الثاني العالق هو احتلال تركيا لأراضٍ سورية تقدر مساحتها بـ(5000كم مربع) في مثلث الراعي جرابلس اعزاز، ونواياها العدوانية الواضحة تجاه ادلب وعفرين، هذه النوايا العدوانية الصريحة تحتاج إلى مواجهةٍ من قبل روسيا وايران فتركيا تعمل على فرض (احتلال ناعم) لتلك الأراضي.

منصة سوتشي للحوار الوطني
الهدف من مؤتمر سوتشي، بحسب موسكو، أن يخرج المؤتمرون بأمرين ملموسين على الأقل: الأول، تشكيل لجنة للإصلاحات الدستورية سواءٌ كان ذلك لتعديل الدستور الحاليّ أو صوغ دستورٍ جديد، وهو ما ورد في نص تفاهمات دانانغ بين الرئيسين ترامب وبوتين، والثاني، إمكانية إعلان قيادة أو مجلس لـ«مؤتمر الحوار الوطنيّ» ... والسؤال المطروح هنا ماذا بقي لإطار جينف إذا كان السقف هو تنفيذ القرار (2254) برؤية تفاهمات بوتين ترامب2؟، هذا الموضوع قد تحسمه جزئياَ مسألة مشاركة مخرجات مؤتمر الرياض للمعارضة الخارجية في حوار سوتشي من عدمه، وفي حال الخيار الثاني ينبثق هنا سؤالٌ أهم ماذا سيقدم مؤتمر سوتشي للتسوية السورية اذاً؟ سيما أنّ القرار (2254) قد لحظ دور منصة الرياض في مفاوضات جينيف.. والجواب حينها قد يكون مخرجات مؤتمر الحوار السوري ذاتها التي ستشكل الأساس الوطنيّ لانطلاق جينيف المتعثر ويصوب أيّ جموحٍ لمعارضة الرياض نحو تفسيرات غير منطقية للقرار (2254) قد سقطت وفي مقدمها “هيئة الحكم الانتقالي”, والتي تجاوزها السيد بوتين بمراحل حين أعلن الانتقال للعمل السياسيّ وليس للعملية الانتقالية السياسية.

قفزة على الحل
الخبرة التاريخية لأزمات «الشرق الأوسط» تفضي إلى افتراض (أنّ المأزق السياسي لأيّ تسوية يسبب تدهورا أمنياً)، وهنالك الكثير من المواضيع يجب بحثها في سوتشي تحديداً لمنع التدهور الأمني مستقبلاً فالتسوية السورية عرابّها اتفاقٌ دوليٌّ واقليميٌّ وهو ما قد يعرّضها إلى نكساتٍ إذا تضاربت المصالح وفي مقدمة هذه المواضيع مصير مناطق تخفيف التصعيد الأربع ومصير منطقة فضّ الاشتباك شمال سورية إضافةً إلى مصير جيب التنف أو دائرة التنف المحتلة اميركياً، الجواب المقدم من سوتشي حسب المعطيات الظاهرة حالياً يقول أنّ عمليةً سياسيةً تبدأ بسوتشي وربما تستكمل بجينيف تضمن تحول هذه المناطق إلى مناطق استقرارٍ دائمٍ بانتظار عودتها إلى الحالة الطبيعية، وهذا برأيي غير كافٍ وغير مقنعٍ، وقد تتحول تلك الإشكالية إلى معضلةٍ كبيرةٍ إذا أخذنا بعين الاعتبار ولاء التنظيمات المسلحة لداعمها الإقليمي والدوليّ، وتتحول تلك المعضلة إلى معضلةٍ أمنية إذا اخذنا بعين الاعتبار واقع وتتداخل تنظيم القاعدة مع تلك التنظيمات المسلحة واقعياً بعيداً عن المكابرة فالتدامج حاصل والخلاف رايات فقط.
ومن الإشكاليات التي ينبغي عدم تجاهلها أو القفز عنها هي مشكلة التطرف الدينيّ الحاصل في مناطق سيطرة التنظيمات المتشددة ضمن مناطق تخفيف التصعيد إلّا إذا صدّقنا «كذبة الاعتدال» على تلك التنظيمات المسلحة، وهو ما ينبغي مناقشته فعليا في سوتشي وإلّا ما الذي يمنع ظهور تنظيمات متشددة مستقبلاً في تلك المناطق إذا اختلفت الأجواء الإقليمية والدولية وعاد مناخ الصراع والحرب مجدداً...؟!!

قفزة نحو الحل
تجاوزا للإشكاليات السابقة ينبغي البتّ بمسألة مستقبل “سلاح” التنظيمات المسلحة في مناطق تخفيف التصعيد، وعلى صعوبة البتّ في هذه المسألة في جولة سوتشي الأولى إلّا أنها يجب أن تكون حاضرةً في نقاشاتها، وأولى الخطوات الصحيحة في هذا الاتجاه هو انتزاع اعترافٍ من تلك التنظيمات بتسليم سلاحها إلى الدولة أو طرفٍ ضامن بضمانته بمجرد انطلاق العملية السياسية الحالية وليس لمرحلةٍ تليها بما فيها ميليشيات (قسد)، والأمر الثاني وهو الأكثر إلحاحاً بحث مسألة آليات تجنيب الحوار السوريّ السوريّ الاجندات الإقليمية والدولية عبر ميثاق للعمل الوطني أو طرح مسالة الرقابة الشعبية على مجريات الحوار السوري السوري فكثيرٌ من الأطراف المعارضة لعبت أدواراً ومثلّت أجنداتٍ إقليميةٍ بشكلٍ مباشرٍ وهو ما سيعرقل الحل مستقبلاً... لتبقى أم المشاكل في وجه أيّ تسويةٍ سوريةٍ حاضرةٍ بقوةٍ هيّ مسألة احتلال أراضٍ سورية من قبل الولايات المتحدة وتركيا وبناء قواعد غير شرعية فيها.. وهو أمرٌ يحتاج إلى كثير من العمل الروسي مع تلك الأطراف وإلّا خيار تحرير الأرض بقوة السلاح سيكون حاضراً في خيارات الدولة السورية...
رغم العقبات والمطبات وربما الألغام فإنّ قطار التسوية السورية قد ينطلق بأسسٍ واقعية في سوتشي، بزخمٍ روسيّ مشابهٍ لزخم العملية العسكرية التي قضت على الإرهاب تقريباٍ ولكن، مستقبل هذا المسار السياسيّ ستحكمه طبيعة المفاوضات الجارية وكثير من التفاصيل ربما ستلعب أدواراً حاسمةً في بلورة تسويةٍ سياسيةٍ سوريا.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115