إيطاليا وأوروبا على أعتاب مرحلة جديدة: تنامي النزعة الانفصالية في أوروبا ودورها في صعود اليمين المتطرّف

مثل صعود التيار اليميني المتطرف بعد نتائج الإنتخابات الإيطالية تطورا مفاجئا لا في المشهد السياسي الإيطالي فحسب بل في المشهد الأوروبي عامة

 وذلك بعد فوز جيورجيا ميلوني في الانتخابات التشريعية، التي جرت يوم أمس الأول. ووفق تقارير إيطالية فإن الفوز المفاجئ لممثلة اليمين المتطرف في إيطاليا ينبئ بدخول البلاد في منعرج سياسي جديد سيحمل تأثيرات داخلية وخارجية كبرى في سابقة قد تكون الأولى منذ العام 1945 لمرشح يميني متطرف يترأس الحكومة .
لفهم ما يحصل في ايطاليا وجب التطرق إلى مكونات المشهد السياسي الإيطالي في العقود الأخيرة ، حيث مثل فوز جيورجينا عودة لليمين المتطرف بعد أن كان في المعارضة خلال الـ5 سنوات الأخيرة. وقد أعلنت جيورجينا ميلوني أنها ستترأس الحكومة الإيطالية المقبلة، وقالت: «سنحكم لجميع» الإيطاليين.
ووفق تقارير إعلامية فإنّ التحالف الذي يشكّله الحزب مع كل من الرابطة اليمينية المتطرفة بقيادة ماتيو سالفيني وحزب فورزا إيطاليا المحافظ بقيادة سيلفيو برلسكوني، يُتوّقع أن يفوز بما يصل إلى 47 في المائة من الأصوات ممّا يضمن له غالبية المقاعد في مجلسي النواب والشيوخ.ويؤكد متابعون أنّ ما حصل في إيطاليا هو بمثابة زلزال سياسي حاد خاصة وان النتائج المسجلة هي الأولى منذ 1945 في تاريخ الأحزاب اليمينية المتطرفة لا في ايطاليا فحسب بل أيضا في أوروبا الغربية أيضا وفق ما نشره المركز الإيطالي للدراسات الانتخابية.
وتعتبر إيطاليا الدولة الأوروبية المهمة والفعالة ، وثالث أقوى اقتصاد في منطقة ‘’اليورو’’ ، ركيزة من ركائز الإتحاد الأوروبي نظرا لما تلعبه من دور فعال في القلعة الأوروبية . ويؤكد متابعون أنّ المخاوف اليوم هي مخاوف على الهوية الحضارية للغرب في ظل تنامي نفوذ التطرف اليميني وتوجه الغرب مؤخرا للتصويت لمرشحي اليمين المتطرف بسببه خشيتهم من ظاهرة الإرهاب وبحثهم عن الأمن في خطابات المرشحين وهو ما استغله السياسيون ومن قبلها دونالد ترامب وفق تعبيره.
أهم الملفات المطروحة
ووفق متابعين فإنّ ميلوني ستواجه تحديات متعدّدة لما يعيشه المشهد الإيطالي من تعقيدات وصعوبات اقتصادية على غرار باقي دول العالم نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية وأيضا تأثيرات وباء «»كورونا’’ الذي مثّل كابوسا غير مسبوق لإيطاليا.
وستواجه جيورجينا الأزمة الناجمة من الارتفاع الحاد في الأسعار في وقت تواجه إيطاليا دَينا يمثل 150 % من إجمالي ناتجها المحلي، أعلى نسبة في منطقة اليورو بعد اليونان. وفي المسائل الاجتماعية، تعتمد ميلوني مواقف محافظة متشددة، ومن أهمها تصريحاتها عن «نعم للعائلة الطبيعية، لا للوبي مجتمع الميم-عين! نعم للهويّة الجنسية، لا لأيديولوجيا النوع الاجتماعي!».
ومن أهم الملفات التي تعترض المرشحة اليمينية المتطرفة ظاهر الهجرة والمهاجرين التي يؤثر بشكل كبير على الاستقرار الحكومي والشعبي في إيطاليا.
اليمين المتطرف والنزعة الإنفصالية
يرى مراقبون أن صعود تيارات اليمين المتطرف في عدد من الدول الأوروبية وآخرها إيطاليا ومن قبلها السويد ، يجعل أوروبا عامة على اعتاب نزعة يمينية متطرفة قد تعصف بكل مكتسباتها الديمقراطية وتزيد النزعة الإنفصالية في صفوفها .
وقد مثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بعد فوز معسكر «الخروج» على معسكر «البقاء» ، زلزالا غيّر خطوط المشهد السياسي البريطاني في مرحلة أولى والمشهد العالمي في مرحلة ثانية وحمل تداعيات سياسية واقتصادية عدة باعتبار المملكة إحدى قاطرات التكتل الأوروبيوالفاعل الاستراتيجي على المستوى الأوروبي، والنموذج على المستوى الديمقراطي ، في وقت تتنامى فيه حدّة النزعة الانفصالية عن القارة العجوز بما يهدّد بانفراط عقدها ووضعها أمام تحدّي الحفاظ على الوحدة وحرب النأي بالوحدة الأوروبية عن التجاذبات الإقليمية والدولية.
كما ساهم ذلك في تنامي النزعة الانفصالية الذي بات يمثل تهديدا حقيقيا للقارة الأوروبية خصوصا مع وجود أطراف داعمة ومحرّكة لذلك، ونعني بذلك اليمين المتطرّف الذي سطع نجمه في انتخابات عدة دول غربية في الآونة الأخيرة.
ويمثل تنامي النزعة الإنفصالية في أوروبا أرضية خصبة لصعود التيارات اليمينية المتطرفة في القارة العجوز . فوجود نزعات انفصاليّة واضحة تنمو في أوروبا، بالإضافة إلى تيارات يمينية متطرفة تتماشى توجّهاتها مع تيّارات مٌشابهة في دول أخرى وتتعاضد معها ممّا يخلق تكتلات فيما بينها، تجعل من شبح الانفصال يُخيّم فوق القارة الأوروبيّة.
ووفق مراقبين ستواجه أوروبا هزّات سياسيّة ارتدادية خصوصا مع وصول اليمين المتطرف إلى الحُكم وتأثيره على الشارع ، إذ سيكون هذا الخروج محركا لإعادة تفعيل هذه الحركات مما سيقود إلى خروج دول أخرى وتصدّع الاتحاد الذي لطالما كان صامدا.
ردود أفعال
وتتالت ردود الأفعال حول النتائج حيث أشارت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لايين، إلى أن لدى الاتحاد الأوروبي «أدوات» لمعاقبة الدول الأعضاء التي تنتهك سيادة القانون وقيمه المشتركة.
وكتبت ميلوني، على تويتر متوجهة إلى أنصارها «اليوم، يمكنكم المساهمة في كتابة التاريخ». وأضافت «في أوروبا، إنهم قلقون جميعا لرؤية ميلوني في الحكومة.. انتهى العيد. ستبدأ إيطاليا بالدفاع عن مصالحها القومية».من جهته، قال رئيس حزب «الرابطة» المناهض للمهاجرين، ماتيو سالفيني، لصحفيين أثناء توجهه للتصويت إن حزبه سيكون «على منصة الفائزين: الأول أو الثاني وفي أسوأ الأحوال الثالث».وأضاف سالفيني، الذي شغل منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية في حكومة جوزيبي كونتي، (2018-2019) «أتطلع إلى العودة من الغد إلى حكومة هذا البلد الاستثنائي».
من جانبها قالت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن لإذاعة (آر.إم.سي) إنها لا تريد التعليق على الخيارات الديمقراطية للشعب الإيطالي، لكنها ترغب في التأكيد على أن الاتحاد الأوروبي لديه قيم محددة يتمسك بها مثل حقوق الإنسان.
وتأتي تصريحات بورن عقب الانتخابات الإيطالية التي يبدو أنها ستمهد الطريق أمام جورجيا ميلوني لتصبح أول امرأة ترأس الحكومة في إيطاليا، وهي أكثر الحكومات يمينية في البلاد منذ الحرب العالمية الثانية، بعدما فاز التحالف المحافظ الذي تقوده في الانتخابات العامة التي جرت أمس الأول.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115