Print this page

تهجم عنصري في فرنسا ضد الإسلام بتهمة «اللاسامية الجديدة»: 300 شخصية فرنسية بارزة تطالب بحذف آيات قرآنية

أطلقت مجموعة من الشخصيات الفرنسية من ميادين السياسة و الثقافة و الفنون

و الأعمال «بيانا ضد اللاسامية الجديدة» موجهة الاتهام للراديكالية الإسلامية إثر الإعتداءات القاتلة ضد 11 شخصا ينتمون للجالية اليهودية الفرنسية. نص البيان، الذي نشرته جريدة لوباريزيان يوم الأحد 22 أفريل، كتبه فيليب فال المدير السابق لصحيفة «شارلي هيبدو» و الكاتب باسكال بروكنار و تم توقيعه من قبل 300 شخصية فرنسية من بينها الرئيس السابق نيكولا ساركوزي و ثلاثة رؤساء حكومة (مانويل فالس و برنار كازنوف و جون بيار رافاران) وعمدة باريس السابق برتران دولانويه . والتحق بهذه المجموعة عدد من الشخصيات الفنية و الأدبية و الفلسفية و من كبار رجال الأعمال و كذلك بعض الأئمة المسلمين مثل حسن شلغومي و الإمام كريم و المفتي محمد علي قاسم.

لأول مرة في التاريخ السياسي الحديث يتجمع عدد مماثل يتكون من أشهر الوجوه الفرنسية التي تجوب يوميا استوديوهات وسائل الإعلام والتي لها تأثير معروف على الرأي العام للتنديد ب «اللاسامية الجديدة» أي تلك التي تنبع، حسب الموقعين على البيان، من الجالية الإسلامية الفرنسية وبالتحديد من«الراديكالية الإسلامية». ورد في البيان اتهام بـ«التنظيف العرقي» غير المعلن و بمحاولة تغيير ماهية الأمة الفرنسية. إتهامات قوية تصدر من شخصيات عرفت بمساندتها للجالية اليهودية الفرنسية و بتعاطفها مع المشروع الصهيوني.

و ذهب الموقعون على البيان إلى المطالبة بـ«اعتبار الآيات القرآنية التي تنادي بقتل و معاقبة اليهود والمسيحيين بالية» تجاوزها الزمن. وهي أول مرة يقحم فيها الكتاب المقدس في المعارك الإيديولوجية التي كانت تركن على التنديد بالإسلام السياسي وبالحركات الجهادية العنيفة و حتى بالسلفية كفكر حاضن للإرهاب. لكن الموقعين على البيان باختلاف مشاربهم ، و بما فيهم أئمة مسلمون، انجروا إلى خطر زج المؤمنين من شعائر مختلفة في صراع لا يحل مشكلة اللاسامية في فرنسا، بل يفرق بين المواطنين.

إرادة التأثير على الرأي العام
ثلة من «الفلاسفة الجدد» ، وفي مقدمتهم باسكال بروكنار الذي تخصص في الأشهر السابقة في مقاومة الحركات الإسلامية، و من بينهم برنار هونري ليفي و لوك فيري و رافاءال انتوفان و الشهير ألان فينكيلكروت وقعوا على بيان عنصري يهدف إلى إقصاء المسلمين من الأمة الفرنسية بتعلة أن اليهود انسحبوا من بعض الأحياء الباريسية و أن أطفال اليهود لم يعودوا يدرسون في المدارس العمومية و كأن المسلمين مسؤولون عن قرارات العائلات اليهودية في فرنسا.

من بين الموقعين شخصيات إعلامية لها تأثير مباشر على الرأي العام بحكم أنها تدير برامج تلفزيونية مثل ميشال دروكار و مارك اوليفي فوجيال وفابريس دالمايدا و لور أدلار ، أو لها مشاركات منتظمة فيها مثل يان مواكس و فيليب لابرو و بيار ليسكور رئيس مهرجان كان و الفيلسوف رافاءال انتوفان. كل هذه الشخصيات لها تواصل مع الرأي العام عبر وسائل الإعلام و تبث وجهة نظر أحادية الجانب. تجميع كل هذه التوقيعات النوعية في بيان صدامي ضد الإسلام و المسلمين فتح الباب أمام سجال في المجتمع يهدد بتحويل التعبير عن الرأي الشرعي إلى بث الفتنة و الانقسام.

معارضة و تنديد
وسارعت مختلف المؤسسات الإسلامية في فرنسا الى التنديد بالبيان . فقال دليل ابو بكر عميد جامع باريس إن ذلك «محاكمة غير عادلة (...) للمواطنين الفرنسيين المسلمين و لإسلام فرنسا». في حين اعتبر أحمد أوغراس رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية أن «البيان ليس له معنى وهو خارج عن الموضوع. الشيء الوحيد الذي نتفق في شأنه هو وجوب أن نقف جميعا ضد اللاسامية».

و قامت مجموعة من 30 إماما يؤمون في فرنسا، وعلى رأسهم طارق أوبرو إمام جامع بوردو و الداعي إلى إسلام وسطي، بنشر بيان مضاد في جريدة لوموند ينددون فيه بالتعرض للآيات القرآنية مع الاعتراف بأن « منذ عقدين من الزمن هنالك قراءات و ممارسات هدامة للإسلام تطغى على المجموعة الإسلامية و تنتج فوضى دينية تفخخ كل المجتمع». و يطالب البيان بأن «يتحمل كل واحد مسؤوليته». وهو موقف لا يخفي المشاكل بل يدعو إلى حلها عبر عقلنة المسألة و دون الخوض في حروب دينية.

و نددت شخصيات غير مسلمة بالبيان من بينها الوزير» الأسبق جون بيار شوفانمان رئيس مؤسسة إسلام فرنسا حديثة العهد الذي رفض فكرة أن «يحمل المسلمون تهمة اللاسامية الجديدة» مشهرا بالمواقف المتطرفة لأحد الموقعين على البيان ، الكاتب جورج بنسوسان الذي نشر كتاب «الأراضي المفقودة للجمهورية» الذي يندد بالحركات الإسلامية في الضواحي الباريسية. و اعتبر عالم الإجتماع الكبير ميشال فيفوركا أن البيان «منحاز» و«ناقص» لأنه، حسب رأيه، «يتجاهل ما يحدث خارج فرنسا، في الشرق مثلا الذي يشهد تناميا للاسامية لا علاقة له بالمسلمين بل بترعرع الحركات القومية التقليدية». و التحق الإتحاد اليهودي الفرنسي من أجل السلام بموجة التنديد بتوجيهه تهمة العنصرية للشخصيات نفسها التي وقعت البيان مثل الوزير الأول السابق مانويل فالس و الرئيس نيكولا ساركوزي و الفيلسوف ألان فينكنكراوت الذين يرددون أطروحات اليمين المتطرف.

الجدل الحاصل اليوم في فرنسا بعد بيان الشخصيات البارزة التي تعمدت الخلط بين اللاسامية و المسلمين لن يتوقف بسهولة لأنه فتح باب الحوار، ولو بطريقة غليظة و غير مقبولة مبدئيا، في المشاكل العالقة في البلاد والمتعلقة بالعلاقة مع الديانات المختلفة وقدرة الدولة على فرض النظام اللائكي الذي دخل منذ مدة في مساءلة من قبل المفكرين و السياسيين من مختلف العائلات الفكرية الفرنسية.

المشاركة في هذا المقال