عهد جديد فرنسي: الرئيس مكرون يختار من اليمين الجمهوري إدوار فيليب وزيرا أول

أسبوع بعد انتخابه رئيسا للجمهورية الفرنسية تسلم إيمانويل مكرون مقاليد السلطة في حفل طغت عليه التقاليد “الأرستوقراطية” للجمهورية الخامسة مع تنظيم محكم للمراسيم و تسلم أعظم نيشان للدولة و تحية الجيوش و النشيد الرسمي و إطلاق 21 طلقة مدفعية. لكن صغر سن الرئيس مكرون

الذي يبلغ من العمر 39 سنة، أدخل بالرغم من ذلك على موكب تسليم السلطة حيوية جديدة. و شاهد الفرنسيون جوا حميميا غير معهود عندما صافح الرئيس مختلف الشخصيات المدعوة من مؤسسات الدولة و العائلات السياسية و المجتمع المدني و عدد من حاملي جائزة نوبل و أفراد من عائلته تتقدمهم أمه.

 

خطاب الرئيس الفرنسي الأول إثر تسلمه مقاليد السلطة في قصر الإيليزي كان معتدلا و قويا في نفس الوقت. معتدلا لأنه قام بذكر بعض خصال سابقيه في القصر، من الجنرال دي غول إلى فرنسوا هولاند بدون استثناء، خلافا لما قام به فرنسوا هولاند عام 2012. و حرص مكرون في هذا الصدد ألا يقع في الأخطاء التي قام بها سابقه للكرسي الرئاسي. و هو كذلك خطاب قوي لما كان له من بعد سياسي و ثبات على المبادئ التي أسس عليها حملته الإنتخابية.
خطاب الرئيس الجديد توجه به للفرنسيين و للعالم. للفرنسيين قال «لن اتخلى عن أي التزام تجاه الفرنسيين «الذين اختاروا «الأمل وروح الغزو». وأضاف : «سوف نحرر الشغل و ندعم المؤسسات الاقتصادية و نشجع المبادرة. الثقافة و التعليم التي تبني التحرر، الخلق و الإبداع سوف يكونون في قلب أعمالي». وختم بالإشارة إلى خطورة المسؤولية و انه واع بها ومتقبل لمسائلة الفرنسيين. تجاه العالم، أكد دعمه للمشروع الأوروبي و عمله على تطوير اتحاده لخدمة الأوروبيين. وهو جزء هام من توجهه في الحملة الانتخابية التي رحبت به العواصم الأوروبية. و خاطب في هذه المسألة الفرنسيين قائلا:«العالم في حاجة إلى ما لقنه له الفرنسيون دائما: جرأة التمسك بالحرية، طلب المساواة و إرادة الأخوة». وهي المبادئ الجمهورية التي يريد مكرون تأسيسها في توجه الدولة القادم:» نحن في بداية نهضة خارقة للعادة لأننا نمتلك كل الآليات التي تجعلنا من القوى العظمى للقرن الواحد و العشرين.»

الجلباب الرئاسي
اختار إيمانويل مكرون المرور في شارع الشانز إيليزي التقليدي عبر سيارة عسكرية، في أسلوب يذكر الفرنسيين بالبعد الديغولي و باحتفالات اليوم الوطني في 14 جويلية. و كان ذلك للدخول مباشرة في قميص الرئاسة كقائد شاب للقوات المسلحة و كرئيس لدولة في حرب ضد الإرهاب في الداخل و الخارج.

في نفس الوقت، قام الرئيس مكرون بتعييناته الأولى المتعلقة بقصر الإيليزي حيث عين ككاتب عام له الشاب ألكسيس كوهلار الذي كان رئيسا لديوانه في وزارة الإقتصاد وعددا من الشباب، لا يفوق عمرهم 40 سنة، في مختلف الوظائف في القصر. وهو عنوان التجديد الذي وعد به في خطواته الأولى. وسوف تتمحور التعيينات الأولى في إطار استراتيجية مكرون السياسية في إعادة هيكلة المشهد السياسي بعد أن فجر دخوله معركة الرئاسية الحزب الإشتراكي الذي اصبح منقسما بين شتات لا يصعب ترميمه قبل الإنتخابات التشريعية لشهر جوان. من الناحية الأخرى يعمل الرئيس الجديد على «تلغيم» حزب الجمهوريين بتعيين بعض أعضائه في الحكومة الأولى لولايته. وهو يهدف بذلك ادخال انشقاق في صلبه قبل الإنتخابات ليتمكن حزبه الجديد «الجمهورية إلى الأمام» من ضمان أكثر عدد ممكن من النواب في البرلمان و الحصول، إن نجحت الخطة، على أغلبية مطلقة.

وزير أول من اليمين الجمهوري
بعد انتظار دام ساعات صبيحة يوم الإثنين أعلن قصر الإيليزي عن تعيين عمدة و نائب مدينة «لوهافر» إدوار فيليب وزيرا أول. وهو عضو حزب الجمهوريين، في الأربعين من العمر، شغل منصب قائد حملة ألان جوبي في تصفيات اليمين و الوسط. قبول إدوار فيليب المنصب ، و إرسال ألان جوبي تهنئة له، يعني أن الرئيس مكرون نجح في إدخال البلاد في عهد جديد بقراره تشريك شخصيات من أحزاب مختلفة من اليمين و اليسار بعيدا عن «التعايش» المعهود بين الأحزاب في عهد فرنسوا ميتيران. ونجح هكذا في إعطاء الضربة الأولى في نعش حزب الجمهوريين. وهو ما شعر به زعماء اليمين الذين بادروا منذ الصباح بالتحذير من شق صفوفهم. و عبر جل الجمهوريين النافذين عن غضبهم من هذه الخطوة التي يمكن أن تدخل في صفوفهم الانشقاق بعد أن عبر برونو لومار عن استعداده الالتحاق بمشروع «الجمهورية إلى الأمام». تجدر الإشارة إلى أن إمكانية التحاق شخصيات أخرى من شق ألان جوبي تبقى واردة مثل عضو مجلس الشيوخ فابيان كلار المرشحة لوزارة في الحكومة القادمة.
تشكيل الحكومة الجديدة، التي سوف تعين رسميا اليوم، لن يخضع لمبدإ التحالف بين الأحزاب كما هو الشأن بالنسبة لألمانيا و إيطاليا. بل سوف تعتمد العملية مبدأ «تكوين أغلبية رئاسية» من بين شخصيات تنتمي إلى اليسار و الوسط و اليمين تعمل في إطار المشروع الرئاسي. الشخصيات القادمة من الأحزاب ومن المجتمع المدني سوف تشارك في الحملة الانتخابية القادمة قصد «تفجير» الأحزاب التقليدية وإحلال مشهد سياسي جديد يكون فيه تجديد الطبقة السياسية العنصر الأساسي وهو ما يدخل الطبقة السياسية في مسلسل التقلبات في الأيام و الأسابيع القادمة.

الحج إلى برلين
منذ أن أصبح الثنائي الألماني الفرنسي ركيزة المشروع الأوروبي قام الرؤساء الفرنسيون الجدد بأول زياراتهم للعاصمة الألمانيةبدون استثناء في خطوة إستراتيجية لتدعيم البعد الأوروبي للدولة الفرنسية. يحل إيمانويل مكرون في برلين مساء الإثنين، في أول زيارة له خارج التراب الفرنسي، في فضاء صديق لما له من علاقات طيبة مع المستشارة أنجيلا مركل التي التقت به مرتين من قبل، و لما له كذلك من مسالك و روابط في الحكومة الألمانية سوف تساعده على بداية مشواره الرئاسي في ظروف طيبة. لكن المصاعب سوف تلاحقه في برلين لما للملف الأوروبي من تشعب و تصب في المواقف بما فيها الموقف الألماني. لكن الأزمة الأوروبية الحادة تتطلب حلولا جديدة و خلاقة يمكن لمكرون أن يساعد على حلها بعد أن أقبل على قلب المشهد السياسي الفرنسي.
أظهر الرئيس مكرون في حملته الانتخابية دفاعا مستميتا على المشروع الأوروبي بالرغم من الانتقادات الحادة في صلب اليمين واليسار لأداء بروكسل. و كان المرشح الوحيد الذي استخدم العلم الأوروبي مع العلم الفرنسي في اجتماعاته الشعبية. و اثر انتخابه دخل اجتماعه الشعبي الأول في قصر اللوفر على أنغام النشيد الأوروبي. وهي رموز وجهها للرأي العام الأوروبي والفرنسي الذي يعيش في حيرة بعد خروج بريطانيا العظمى من الإتحاد و صعود اليمين المتطرف، المعادي للمشروع الأوربي، في عدد هام من البلدان الأوروبية. وسوف تكون للرئيس الفرنسي أولى الجولات التفاوضية مع أنجيلا ميركل في شأن إعادة ترتيب البيت الأوروبي في اتجاه تحسين أدائه و تدعيم العمل الديمقراطي لمؤسساته و توجيهه نحو خدمة الأوربيين بصفة مباشرة.
لتطبيق هذا التوجه الأوروبي سوف يعتمد الرئيس مكرون، الذي استنبط أسلوبا خلاقا في تشكيل الحكومة بتكليف أحد الشبان من الجيل الجديد في حزب الجمهوريين، على حكومة طريفة في تكوينها تضم وجوها جديدة و قديمة من عائلات فكرية و سياسية مختلفة تهز الأساليب و التقاليد الموروثة من الجمهورية الخامسة التي طغت عليها الأحزاب السياسية منذ نشأتها. يبقى على الرئيس مكرون أن يحقق ما نصحه به رئيس المجلس الدستوري لوران فابيوس خلال مراسم التنصيب: «تهدئة الغضب و تضميد الجروح، إبعاد الشكوك و تجسيم الآمال».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115