إتفاق تاريخي لإنهاء الحرب الأهلية في كولومبيا: بعد نصف قرن من الكفاح المسلح تنظيم «فارك» يرمي المنديل

وقع الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانطوس و رودريغو لوندونيو، المشهور بلقب «تيموتشنكو»، زعيم القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك) يوم الإثنين 26 سبتمبر 2016 اتفاق سلام بين الدولة و الثوار بحضور شخصيات عالمية منها الأمين العام للمنتظم الأممي بان كي مون و الرئيس الكوبي راول كاسترو

مسهّل الإتفاق، و الملك الإسباني السابق خوان كارلوس. و كان الطرفان قد اتفقا في العاصمة الكوبية في أوت الماضي على مشروع النص الذي تم توقيعه رسميا في مدينة قرطاجنة بالكراييب بحضور ألف شخص من الأعيان و من المتضررين من الحرب الأهلية.
و طلب «تيموتشنكو» لأول مرة المعذرة من الضحايا عما لحقهم من أضرار كما عبر الرئيس الكوبي عن ترحيبه بالمقاتلين « في النظام الديمقراطي» قائلا: «أفضل اتفاقا منقوصا على حرب كاملة» إشارة إلى غضب بعض الفئات السياسية و في مقدمتها الرئيس السابق أوريبي الذي يرفض ألا يحال الثوار على العدالة و أن يمنحوا حق الترشح للبرلمان.

آخر الحروب اللاتينية
يمثل الإتفاق المبرم بين المتنازعين في كولومبيا نهاية آخر الحروب الأهلية الدامية في أمريكا اللاتينية التي دامت 52 عاما وخلفت ، حسب التقارير الرسمية ، 260 ألف قتيل و4 ألف مفقود وقرابة السبع ملايين من المهجرين عن ديارهم. و لم يبق سوى جبهة التحرير الكولومبية ذات النزعة الكسترية التي لم توقع اتفاق سلام. لكن الدور الفاعل لراول كاسترو في نحت اتفاق السلام بعد أربعة أشهر من المفاوضات في هافانا عاصمة كوبا سوف يشجع باقي المقاتلين على الانضمام الى عملية السلام.
على امتداد نصف قرن تشكلت في كولومبيا عديد الفرق والتنظيمات المتقاتلة من اليسار الماركسي والمجموعات شبه العسكرية اليمينية المتطرفة ومن فيالق الجيش النظامي التي خاضت كلها حربا للعصابات في أدغال كولومبيا شارك فيها في البداية 20 ألف مقاتل ماركسي . أما اليوم فلم يبق سوى 7 آلاف مقاتل تابعين للقوات المسلحة الثورية.

بداية المشوار السلمي
يقضي اتفاق السلام الموقع بين الأطراف المتنازعة في كولومبيا أن يعترف التنظيم الثوري بالدولة القائمة و بالنظام الديمقراطي و أن ينخرط في العمل السياسي كتنظيم سياسي ديمقراطي ينبذ العنف. في المقابل يقر التنظيم بنزع سلاح المقاتلين الثوار تحت إشراف الأمم المتحدة. وسوف يوزع الثوار على 31 مركزا في البلاد تحت إشراف أممي لنزع سلاحهم . وأعلن جون كيري وزير الخارجية الأمريكي أن بلاده خصصت 390 مليون دولار لتمويل هذه العملية سوف تصرف للدولة الكولومبية بعد التوقيع.
وسوف تستغرق عملية نزع السلاح ستة أشهر يتمكن فيها مقاتلو التنظيم الثوري من التأقلم مع الحياة الاجتماعية التي غادروها منذ عقود. وهي عملية شائكة و معقدة اعتبارا للظروف التي مر بها التنظيم في الأدغال ومشاركته في صنع و تهريب المخدرات لفترة طويلة لتمويل تسليحه وحياة المقاتلين في المخيمات. وهي جزء من المخاوف التي عبر عنها بعض السياسيين في نقل المتاجرة بالمخدرات من الأدغال إلى المدن.

لكن الإتفاق الذي شمل عديد المسائل المضبوطة في 297 صفحة سوف يساعد على تسهيل اندماج المقاتلين في المجتمع بتمكينهم من تأسيس حزب للعمل السياسي المنظم بعيدا عن الأعمال الإجرامية.

ومن المفروض أن يصادق الشعب الكولومبي على هذا الإتفاق في استفتاء شعبي ينظم يوم الأحد 2 أكتوبر لإقراره نهائيا بعد أن صادق عليه مؤتمر الثوار في سبتمبر. لكن ذلك لن يخفف من مخاوف المقاتلين الثوار الذين سوف يواجهون هيئة عدلية خاصة و هيئة الحقيقة التي تم بعثها مؤخرا للتثبت من مستوى مشاركة المقاتلين في أعمال «ضد الإنسانية و جرائم حرب و اختطافات، و عمليات تعذيب و قتل خارج نطاق القانون». و قد يتعرض بعضهم، بالرغم من الوعود السياسية، للسجن لفترات متفاوتة. و أقر الجميع أن ذلك هو ثمن السلام الذي لا بد أن يتقاسمه الجميع لضمان انتقال سلمي و تشريك فعلي لحركة «فارك» في العمل السياسي الديمقراطي.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115