المشهد السياسي الليبي نحو مزيد من الانقسام والتشرذم

أصدر المجلس الرئاسي بيانا دعا خلاله كل المؤسسات السيادية لتسليم السلط وإنهاء ظاهرة ازدواجية المؤسسات مطالبا بحسن استغلال وتوظيف التعاطف والدعم الدولي لحكومة الوفاق الوطني. وكان المجلس الرئاسي عقد جلسة أول أمس مع وفد رفيع من صندوق النقد الدولي

بهدف توفير الدعم الفني والمالي لحكومة الوفاق ولتجاوز الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها ليبيا بسبب انخفاض أسعار النفط وتدني إنتاج النفط الخام بشكل غير مسبوق.
لكن ما أثار حفيظة بعض نواب البرلمان المعترف به دوليا هو تلميح البيان الصادر عن المجلس الرئاسي بالدعوة إلى تجاوز البرلمان في مسألة منح الثقة لحكومة الوفاق الوطني والتسريع بمباشرة مجلس الدولة لعمله. إذ أكد عدد من نواب البرلمان أن منح الثقة للحكومة هو اختصاص أصيل للبرلمان ومن غير الممكن حدوث ذلك الخرق الدستوري. من جانبهم تحفظوا أعضاء لجنة الحوار السياسي على البيان مؤكدين أن ما تضمنه يكرس مشهد الانقسام والتشرذم السياسي.

تواصل تعثر جهود تنفيذ بنود الاتفاق السياسي وبروز الخلافات بين المجلس الرئاسي ولجنة الحوار السياسي وضبابية موقف المجتمع الدولي إضافة إلى ضعف أداء بعثة الأمم المتحدة جميعها سوف تخدم وبداهة الجماعات الإرهابية وخاصة تنظيم داعش الإرهابي ليتوسّع غربا وجنوبا بعدما انكسرت شوكته في بنغازي وأجدابيا على يد الجيش الليبي والقوات المساندة له.

فبعد الغارة الأمريكية الأخيرة تحرك «الدواعش» في أكثر من مدينة غرب طرابلس مثل صرمان ومناطق قريبة من الزنتان. وكانت غرفة عمليات الجيش في قاعدة الوطية برئاسة العقيد إدريس مادي، قد أقرت خطة لمجابهة تمدد التنظيم الإرهابي بالتعاون مع القبائل في الجميل، الرقدالين، العسّة، زليطن والزنتان، بل أكثر من ذلك ذكرت تسريبات أن القائد العام للجيش خليفة حفتر أعطى أوامره لقادة قاعدة الوطية وغرفة العمليات بها للتعاون والتنسيق مع السلطات العسكرية والأمنية التونسية في الحرب ضد تنظيم «داعش» الإرهابي على خلفية العملية الإرهابية الأخيرة في بن قردان وظهور الدواعش غرب ليبيا.

المعطى الإيجابي وربما الوحيد الذي يبرز على الساحة السياسية ،تمثل في دعم جهاز حرس المنشآت النفطية لحكومة الوفاق المرتقبة وهو ما عبّر عنه المتحدث باسم الجهاز علي الحاسي. إذ أكد الحاسي انحياز قوات حرس المنشآت النفطية للمنطقة الوسطى أي مناطق الهلال النفطي بما فيها أجدابيا وحوض سرت النفطي، تطوّر لافت يجعل حكومة فايز السراج تسترجع نفوذها على المواقع النفطية إنتاجا وتصديرا.

معلوم أن حوالي 26 ألف عنصر مسلح بشكل جيد يكوّنون جهاز حرس المنشآت النفطية بقيادة إبراهيم الجظران أصيل أجدابيا والذي يمثل التيار الفيدرالي وبسبب أهمية الجهاز وثقله أمكن له صد هجوم فجر ليبيا خلال عملية أطلقت عليها طرابلس اسم عملية الشروق وإضافة إلى قوته العسكرية يستمد حرس المنشىآت قوته من دعم قبائل إقليم برقة بصفة عامة. الشيء الذي دفع بحكام كل من طرابلس وطبرق إلى محاولة عقد صفقات مع رئيس الجهاز إبراهيم الجظران حيث تعددت الإغراءات ولعل أشهرها على الإطلاق فضيحة الصكوك التي قدمها رئيس الحكومة السابق علي زيدان. من جانبه حاول الجنرال حفتر استمالة إبراهيم الجظران وإنشاء غرفة عمليات مشتركة لكن الجظران رفض ومن هناك انطلق الصراع بين الجظران وحفتر والحرب الكلامية بين الرجلين التي بلغت لاحقا إصدار القائد العام للجيش خليفة حفتر أمرا بالقبض على الجظران. لينحاز الجظران أخيرا إلى صف الداعمين لحكومة الوفاق الوطني. ويرى متابعون للأزمة السياسية الليبية المعقدة أن موقف حرس المنشآت النفطية الداعم لفايز السراج وللتسوية السياسية سوف تكون له تأثيرات إيجابية على الأرض. لكن السؤال المطروح بعد هذا التحول في موقف قوات الجظران يحوم حول الصفقة الخفية بين السراج والجظران وهل من الوارد أن تتعلق الصفقة بتحويل مقر المؤسسة الوطنية للنفط إلى بنغازي؟ وهل

يحظى التيار الفيدرالي بتمثيل أوسع بالحكومة والمناصب الرفيعة للدولة؟

بيان وزراء خارجية الدول الكبرى
خارجيا تواصل الدعم الدولي لحكومة الوفاق الوطني ،والدعوات إلى إقناع البرلمان المعترف به دوليا للمصادقة على الحكومة أو لإيجاد مخرج بديل لتعثر تطبيق بنود الاتفاق السياسي،حيث أصدر وزراء خارجية الدول الكبرى بيانا جددوا فيه الدعم المطلق للمجلس الرئاسي وتذكير الليبيين بالمخاطر الناتجة عن تواصل التجاذبات والخلافات وأن المجتمع الدولي نفد صبره حيال تعنت الفرقاء السياسيين الليبيين. إلى ذلك ينتظر وصول وزير خارجية فرنسا إلى تونس يومي 17 و18 مارس الجاري ، في زيارة لمزيد التشاور

حول الأزمة الليبية وتوسع تنظيم ‹داعش› ليبيا خاصة بعد عملية بن قردان الإرهابية التي نفذتها مجموعات إرهابية تسللت من الأراضي الليبية.
جولات مكوكية لديبلوماسيين غربيين شملت وستشمل دول جوار ليبيا تونس، الجزائر، مصر تهدف إلى تدارس الموقف الراهن وكيفية إنقاذ ليبيا والمنطقة بصفة عامة وذلك في ظل رفض دول الجوار لأي تدخل عسكري في ليبيا وتدفع كل من الجزائر وتونس بقوة إلى اعتماد الحل السياسي للأزمة وترك محاربة الإرهاب للدولة الليبية مع الالتزام بدعمها عسكريا.

لكن هذا الخيار يصطدم بموقف الدول الكبرى ومجلس الأمن بالإبقاء على العقوبات المفروضة على ليبيا منذ 2011 ومنها منع توريد السلاح. حتى في ظل التقارير المؤكدة على حصول أطراف الصراع المسلح في ليبيا على السلاح والذخيرة بل إن أطرافا أجنبية جاهرت بتمكين جهات ليبية بالأسلحة وعلى الرغم من ذلك الخرق للعقوبات الدولية لم تحرك لجنة العقوبات لمجلس الأمن ساكنا. والمسألة لم تقتصر على مد أطراف النزاع بالسلاح والخبرات بل تجاوزته إلى استقبال المتدربين العسكريين داخل أراضي بعض الدول. كذلك نجد من الدول الكبرى ومنها فرنسا وبريطانيا من اعترفت بوجود وحدات خاصة تابعة لها داخل ليبيا شرقا وغربا وحتى لو نفت أن تكون تلك الوحدات مشاركة في العمليات العسكرية بصفة مباشرة فإن مجرد تواجدها لدى هذا الطرف أو ذاك فهو شكل من أشكال الدعم.

ما الذي يريده معرقلو الوفاق؟
ويجمع المراقبون لمسار تطبيق مشروع التسوية السياسية أن المجتمع الدولي وبالأساس الدول العظمى مصممة على إنجاح العملية السياسية ولن تولي أي اهتمام للمعرقلين وأن التلويح بالتدخل العسكري قبل مباشرة الحكومة عملها من داخل طرابلس ،هو مجرد ضغط على من يعرقل التسوية السياسية. كما أن ساسة الغرب وحتى دول الجوار يعلمون علم اليقين أن المعرقلين سوف يوافقون قريبا على دعم الوفاق ويدرك الجميع داخل ليبيا حتى قادة الجماعات المسلحة سواء المعتدلة أم المتطرفة أن حكومة الوفاق في الطريق إلى طرابلس وأن ما يرفعونه الآن من لاءات ورفض ليس إلا مناورة للحصول على ضمانات بعدم الملاحقة القضائية، فأغلب المعرقلين متورطون في الجرائم والانتهاكات والفساد المالي. هؤلاء يبحثون عن مخرج آمن وسليم لا أكثر ولا أقل. إذن ماذا عن التدخل العسكري ما بعد تنصيب حكومة السراج خاصة وأن الغرب سبق وأن قطع أشواطا لإرسال قوات إلى الداخل الليبي؟

المتأمل في آخر التصريحات للمسؤولين الغربيين يلاحظ منح أولوية لموضوع تزكية الحكومة غير أن ذلك لم يحجب سيناريو إرسال قوات عسكرية لحماية الحكومة في الظاهر ولوضع اليد على ثروات البلاد في الواقع. ومؤشرات ذلك وضع الكونغرس الأمريكي خطط التدخل العسكري في ليبيا وجاهزية إيطاليا التي اكتملت وسحب فرنسا وكندا الخبراء من قواتها في الشرق الأوسط وشمال مالي تمهيدا للدخول إلى ليبيا.
هذا دون نسيان تداعيات عملية بن قردان ومدى قلق دول مثل تونس والجزائر من التهديدات القادمة من ليبيا، قلق متزايد ترجمه إعلام تونس ومجلس الأمن الدولي بإمكانية لجوئها لرد فعل يضمنه القانون الدولي في حال تواصلت الاعتداءات على حرمة أراضيها وانتهاك سيادتها الوطنية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115