هل تفعلها روسيا وتجمع الأسد وأردوغان على طاولة واحدة؟

لم يتوان الرئيس التركي أردوغان في التأكيد على أهمية تطبيع العلاقات مع سوريا، وجاءت الترجمة العملية لطلب أردوغان على يد رئيس وزرائه بن علي يلدرم يوم (الجمعة السابق) فقد أعلن أن تركيا تريد تطبيع العلاقات مع سوريا بعد المصالحة مع روسيا وإسرائيل، ما يؤكد تحولاً في السياسة

بعد أكثر من خمس سنوات من اتهامات بدعم المجموعات المسلحة والقوى المتطرفة في سوريا، وقال يلدرم في كلمة نقلها التلفزيون التركي: « قمنا بتطبيع علاقاتنا مع روسيا وإسرائيل، الآن، إتخذت تركيا مبادرة جدية لتطبيع العلاقات مع سوريا» ، كما بات معلوماً أن أردوغان سيزور موسكو مع وفده في وقت قريب، في تأكيد على أن التطبيع التركي – السوري سلك منحاه التصاعدي، ليعلن بذلك انتقال العلاقة السورية – التركية من السر إلى العلن.

ليست هذه المرة الأولى التي يعلن فيها يلدريم عزم بلاده على إعادة تطبيع العلاقات مع سوريا، إلا أن تكرار نفس التصريحات يشير إلى رغبة تركية في إصلاح ما أفسدته سياسة أردوغان الذي يبدو أنه أصبح أكثر قناعة وإدراك بفشل مشروعه في سوريا والمنطقة بأكملها، ولطالما دعت تركيا الى رحيل الرئيس السوري بشار الأسد في إطار حل سياسي للأزمة السورية، لكنها في الآونة الأخيرة كانت أقل إصراراً على رحيله الفوري في ظل قلقها من إقامة كيان كردي على حدودها، وبالتالي فإن تصريحات يلدريم حول تطبيع العلاقات مع سوريا، ترك العديد من التساؤلات حول علاقة تركيا مع الحكومة السورية، وتراجع أنقرة عن المطالبة برحيل الرئيس الأسد.

شهدت السياسة الخارجية التركية بعد الانقلاب الفاشل الذي حدث في 15 جويلية الماضي، تبدلاَ ملحوظا في العلاقات مع إيران وروسيا إضافة إلى تحوّل بارز ميداني وسياسي بالنسبة للأزمة السورية، كما أصبح موقف أنقرة المعلن من النظام السوري أكثر ليونة، بعكس الموقف الواضح السابق، المطالب برحيل الأسد قبل إجراء أيّة تسوية، وما عزّز هذا الموقف ما أعلنه بن علي يلدرم الذي قال فيه « الرئيس الأسد أحد اللاعبين في سوريا ويمكن أن يبقى خلال الفترة الانتقالية».

في هذا السياق أكد الرئيس الروسي بوتين أن موسكو وواشنطن قد تعلنان قريباً عن التوصل إلى أتفاق بشأن التسوية السياسية للأزمة في سوريا، ومحاربة التنظيمات الإرهابية والمتطرفة، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن مصير الرئيس الأسد يحدده الدستور والشعب السوري، وقال بوتين في لقاء مع وكالة «بلومبرغ»: «نحن نتحرك تدريجياً على الطريق الصحيح، لا أستبعد إننا سنتوصل إلى اتفاق في المستقبل القريب وسنعرض اتفاقاتنا على المجتمع الدولي، وفى السياق نفسه، أعلنت وزارة الخارجية الروسية أن الحوار الروسي الأمريكي حول مكافحة الإرهاب يتركز على فصل المعارضة عن الإرهابيين بسوريا، مؤكدة أن موسكو ستطور الحوار مع أنقرة أيضا في هذا المجال.

في هذا الإطار فإنه من المحتمل أن يلتقي الأسد، أردوغان في موسكو، برعاية بوتين، قد تمتد من الثامن عشر من شهر سبتمبر الحالي، حتى الثاني والعشرين منه، إذ بدأت هذه التحضيرات خلال لقاء المصالحة في سان بطرسبورغ بين الرئيسَين بوتين وأردوغان في التاسع من شهر أوت الماضي، تزامن هذا اللقاء مع وصول اللواء علي مملوك رئيس مجلس الأمن القومي الذي سيحدد موعد اللقاء النهائي، وذلك خلال زيارته إلى العاصمة الروسية الثلاثاء المقبل، على ضوء المشاورات التي سيجريها مع مسؤولين روس وأتراك، وبحسب مصادر دبلوماسية روسية وغربية فإن جدول الأعمال لهذه اللقاء سيكتمل إعداده خلال زيارة سيقوم بها رئيس المخابرات التركية حقان فيدان إلى دمشق، ما بين العاشر والخامس عشر من سبتمبر الحالي، للتوصل إلى تفاهمات مبدئية بين دمشق وأنقرة خاصة بعد الغزو التركي للشمال السوري تحت مسمى عمليّة درع الفرات.

مجملاً...وبالنظر إلى طبيعة العلاقات التركية الخارجية حالياً، نجد أنّها تقوم بإعادة فتح صفحات جديدة مع من كانوا في وقت سابق هم العدو اللدود لها، ويبدو أن سوريا قد تكون هي المحطة القادمة لخلق تقارب إقليمي والعودة إلى مبدأ «لا مشاكل مع الجيران» في سياستها الخارجية، كما أن التحولات التي شهدتها السياسة التركية تأتي بسبب وعي المسؤولين الأتراك بأنهم لا يمكنهم أن يستمروا في السباحة ضد التيار، فهناك اتفاق أمريكي روسي وإيراني على بقاء الأسد في السلطة، وبالتالي فأن أنقرة تعي أن استمرارها في موقفها من الأسد سيؤدي إلى استنزافها خاصة بعد تعزز الخطر الكردي لحدودها، بالإضافة إلى نشر فوضى الإرهاب في قلب عاصمتها أنقرة، وعن ردة فعل السعودية بعد التصريحات التركية والتغيير لموقفها في الأزمة السورية، أتوقع أن تشهد السياسة السعودية نفسها مرونة شديدة في ما

يتعلق بالملف السوري وتأقلماً مع المعطيات الإقليمية الحالية، وباختصار شديد يمكن القول، قد تصبح تركيا وحلفاؤها من أكبر الخاسرين إذا رفضوا رغبة بوتين في إعادة العلاقات السورية التركية إلى طبيعتها، التي قد تواجه ضغوطاً إقليمية خاصة من الجانب الأمريكي الأوروبي بعد وصول نيران الإرهاب الى أراضيهم، لذلك فإنّ الضروريات الإقليمية والدولية ستحتم على أنقرة التقرب من دمشق عاجلًا أم آجلًا، فهل سنرى عودة مثل تلك العلاقة إلى سابق عهدها أم سيكون هذا مستحيلًا خاصة مع استمرار تركيا فتح حدودها أمام الجماعات المسلحة والقوى المتطرفة من كل العالم باتجاه الأراضي السورية؟ سنرى ماذا سيفعل الرئيس الروسي بوتين في الأيام والأسابيع المقبلة، كونها مسألة ستحدد الوضع ليس في المنطقة فحسب بل أيضاً على نحو أكثر اتساعا بكثير، لذلك نحن أمام لوحة جديدة للعالم ترتسم ملامحها حالياً.

د. خيام الزعبي-
كاتب سياسي

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115