Print this page

منبر: تركيا والتوجه الجديد في السياسة الخارجية

يستطيع أي متابع للأحداث الجارية في سوريا أن يدرك أن هناك تطوراً دراماتيكياً على وشك الحدوث ، خاصة بعد أن تراجعت أنقرة عن فكرة رحيل الرئيس الأسد، وهو ما يتجلى من خلال اعتذار أردوغان للشعب الروسي والتقرب من إيران وموقف تركيا الأخير بإعلانها تطبيع علاقتها مع دمشق

واستعدادها لبحث مسألة الإرهاب في سوريا، وهو ما يعني تراجعا في الموقف التركي في الحرب السورية.
اليوم تقوم تركيا بجهود مستمرة وفعالة للحل السياسي في سوريا بما يحقق مصالحها القومية ومصالح كل من روسيا وإيران، فالحل السياسي في سوريا غير ممكن دون تعاون رباعي بين موسكو وأنقرة وطهران ودمشق، والكلام الصادر عن رئيس الحكومة التركي على بن يلديريم في غاية الأهمية وهو نتيجة للحوار الروسي التركي المستمر منذ القمة الرئاسية التي عقدت في موسكو، إذ أكدت الدبلوماسية الروسية عن الرئيس التركي قوله خلال المحادثات مع الرئيس الروسي مؤخراً “ إن الرئيس بشار الأسد كان صديقا مقرباً مني شخصياً ومن

 

عائلتي وأنا أعرفه جيداً وهو يعرفني وقد تعاونا في الماضي، وأضافت من “إنه لم يقم بدعم التنظيمات الإرهابية داخل تركيا ولم يسمح لمن حاول الهرب بعد الانقلاب، وهو وقف موقفاً لم تلتزم به حليفتنا أمريكا التي تمول وتسلح وتدعم المسلحين في سوريا على حدودنا».
وعلى صعيد متصل أفرز الانقلاب الذي شهدته تركيا في جويلية الماضي، والتي وضعت سياسة الرئيس أردوغان على المحك، وكادت تطيح بأحلامه، توجها جديداً في السياسة الخارجية، وعلى الخصوص توجهها بشأن ملف الأزمة السورية، وبعد عدة زيارات ولقاءات عقدت بين صناع القرار في طهران وموسكو، تغير الموقف التركي، ورجعت تركيا عن موقفها وسياستها الخارجية الخاطئة في سوريا، لكنها لم ترجع لأنها عرفت خطأها، وإنما اضطرت للرجوع بعد بدء تحقيقات في الأمم المتحدة حول علاقة أردوغان مع «داعش» الارهابي، بعد

تقديم روسيا الأدلة التي تثبت تورط أردوغان في خرقه الحظر الدولي وبيع النفط لـ«داعش» وتقديمه الأسلحة لهذا التنظيم الارهابي، وبذلك فإن تغيير وتقريب أراء أردوغان من سوريا أتى نتيجة تضييق الدائرة القضائية الدولية حول أردوغان، ولذلك تغيرت السياسة الخارجية التركية تجاه روسيا وإيران وسوريا تغييراً جذرياً بغية إنقاذ أردوغان من الإدانة في المحكمة الدولية بدعم هذه الدول، بالإضافة إلى التطورات الأخيرة في المنطقة وفشل حركة الجيش في تركيا، وتقدم النظام في الشمال السوري بدعم حلفائه في مختلف جبهات القتال في حلب٬ وأصبحت عملية التقدم أسرع مما كانت عليه في السابق، فضلاً عن إستياء تركيا من سياسة أمريكا في سوريا والخلاف حول الورقة الكردية، والدعم الأمريكي اللامحدود للأكراد في إقامة مشروعهم على الحدود التركية السورية كل ذلك أدى إلى تغيير الحكومة التركية سياستها بشأن الأزمة السورية.

لذلك كانت الخطوة الأولى هي موافقة تركيا على ضبط الحدود بينها وبين سوريا وهي التي لطالما شهدت عمليات دفع لمقاتلي ‘داعش’ والقوى المتطرفة الأخرى إلى الأراضي السورية وذلك مقابل عدم السماح للأكراد بإقامة منطقة حكم ذاتي كردي على حدودها بعد أن رأت أن القوة المتنامية التي يمتلكها حزب الإتحاد الديمقراطي الكردي السوري، التي اقتطعت منطقة في شمال سوريا على طول الحدود التركية، والتفجيرات اﻹرهابية المتتالية فيها، أصبح ضرورة حتمية للتنسيق مع النظام السوري لكبح جماح اﻷكراد والتقليل من مخاطر اختراق تنظيم «داعش» لتركيا، حيث تعتبر أنقرة أن أي تحرك على طول هذه الحدود يمثل تهديداً لأمنها القومي.

في سياق متصل هناك دول غربية عدة باتت على اقتناع بضرورة حل الأزمة في سوريا بأسرع وقت ممكن، وفي الوقت نفسه تصر السعودية وحلفاؤها على رحيل الأسد، لكن هذا قد يجعلها في مأزق كبير و يسرع من خسارتها دبلوماسياً، لكنها قد تسلك الخط الذي سلكته تركيا لاسيما بعد تقرير الوكالة اﻷمريكية «» CIA أن «داعش» باتت تمثل خطراً كبيراً على السعودية وبعض دول منطقة الشرق اﻷوسط، وفي الاتجاه الأخر تعيش المعارضة السورية حالة من الترقب والقلق نتيجة التحولات في الموقف التركي، في ظل الحديث عن «تقارب» متوقع بين دمشق وأنقرة، ورغبة الأخيرة في إغلاق ملف خلافاتها مع سوريا، أسوة بما حدث مع روسيا، وتخشى المعارضة من أن المصالحة بين تركيا وسوريا ستؤثر بشكل كبير على مستقبل قياداتها التي تتخذ من إسطنبول مقراً أساسياً لها منذ اندلاع الحرب في سوريا خاصة أن عدداً كبيراً منها مطلوب للمثول أمام محاكم وقضاء سوريا لمحاكمتهم بسبب تورطهم المباشر في علاقتهم بمجموعات دينية ومسلحة.

مجملاً... إن الحديث مؤخراً عن دعوة موسكو إلى حلف روسي تركي إيراني سوري، وانضمام تركيا إلى محور حلفاء الأسد كخطوة أولى لإنهاء الأزمة السورية، يشير إلى أن التسويات ستطيح بآمال أمريكا وحلفائها من العرب، خاصة بعد أن فتحت إيران قواعدها العسكرية أمام روسيا، لاستهداف مواقع لمسلحي تنظيم «داعش» وأخواته في حلب وإدلب والرقة ودير الزور، وبذلك ستكون سوريا الساحة التي ستشهد تبدلات في التحالفات وصياغة جديدة للعلاقات الإقليمية والدولية، وتحت شعار مكافحة الإرهاب والذي بات يهدد دولاً عربية واقليمية، وحتى غربية، فإن حلفاً قد ينشأ في وقت قريب لمواجهة الإرهاب والتطرف في المنطقة بأكملها، وهذا من شأنه ان يؤدي إلى قلب الطاولة.

المشاركة في هذا المقال