للحديث بقية... العراق : بين الفساد والمأساة

ما يحصل اليوم في العراق يكاد ينسينا ان هذا البلد هو سليل اعرق واقدم الحضارات في العالم .وان قبل الغزو الامريكي وانطلاق عهد الفوضى الخلاقة ..وقبل ذلك بآلاف السنين ..تعاقبت على هذه الارض حضارات عريقة وشعوب خلاقة سكنت مابين نهري دجلة والفرات.

وأشهرها حضارة سومر واكد وبابل وأشور وكلدان وغيرها ...هناك ازدهر عصر نبوخذ نصر ..واينعت الحدائق المعلقة في بابل..
تناقلت امس وسائل الاعلام خبر وفاة 11 طفلا خديجا في حريق بمستشفى اليرموك في بغداد..اندلع الحريق «بسبب تماس في الخطوط الكهربائية» فأتت النيران على كل شيء وعلى هذه الاجساد الطرية التي لا تزال تتفتح للحياة ..
على ارض بابل اليوم لا حياة لا موت ..الكل سيّان ..ففي غمرة الفساد وانتشار المحسوبية والطائفية وتراجع القيم الوطنية وابتلاء هذه الارض بنكبة الاحتلال الاجنبي وتبعية الزعماء للخارج.. يصبح كل شيء ممكنا..فالخطأ يصبح مباحا ايضا حتى لو كان على سبيل الاهمال ..فالعراق الغارق في فوضى حروبه الاهلية وحربه المستميتة ضد التطرف والارهاب باشكاله ومسمياته المختلفة -سواء كان ارهابا داعشيا او ارهابا سياسيا او ارهابا مذهبيا وطائفيا- مع كل هذا المشهد الضبابي يصبح حدوث الحرائق الناتجة عن أخطاء في الكهرباء أمرا شائعا في العاصمة العراقية، وفي غيرها من المدن، بسبب سوء الصيانة، ورداءة الأسلاك وايضا بسبب غياب حس المسؤولية لدى الافراد ...

فالفساد ينخر هياكل الدولة ومؤسساتها ويمتد الى كل شيء .. الى الحياة اليومية للمواطنين..من الانفجارات التي تندلع بين الفينة والأخرى ..الى الصراعات السياسية والمذهبية ..واجتياح الخارج لثروات هذا البلد النفطية وغيرها ..وحتى في مستوى البناء هناك نقائص فادحة وأخطاء قاتلة بسبب عدم التزام شركات التعمير بتوفير ابسط ظروف الامان في حال وقوع أي طارئ..فالاطفال الذين ماتوا امس دفعوا ثمن معادلات الفساد في ظل غياب مفهوم الدولة والمواطنة ..في مسرحية لا تخلو من الغرابة والمأساة ..ولعل آخر مشاهدها هو تبرئة رئيس البرلمان سليم الجبوري وعدد من النواب الآخرين من تهم الفساد ،على خلفية عقود استيراد أسلحة وتزويد قوات الجيش العراقي بالمؤن «لعدم كفاية الأدلة»..وبذلك اثبت القضاء براءة رئيس البرلمان من الاتهامات الموجهة اليه ..وأعطى دليلا جديدا على ما اصاب بلاد الرافدين من تدهور وتراجع في مختلف الميادين ، وخاصة في مستوى المنظومة الدستورية والقانونية والقضائية. فمتى يسترجع العراقيون قرارهم ويتفقون على اعادة البناء بروح وطنية عالية ،لعل هذه المظاهر الدموية والمآسي اليومية تبدأ بالانحسار وتغيب عن شمس العراق وصباحاته؟

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115