الأجانب للفلسطينيين في ظلّ أجواء بالغة التوتّر بلغت ذروتها ، وفي وقت تواصل فيه إسرائيل سياساتها التوسعية والاستيطانية المقترنة بالعقوبات الجماعية للفلسطينيين.
وتابع محدثنا أنه من الشروط التي يضعها المانحون دائما إبداء استعداد السلطة الفلسطينية لإعادة الانخراط في عملية التسوية من دون قيد أو شرط كوقف الاستيطان، وبالتالي يطلب من السلطة المشاركة في أية لقاءات أو مفاوضات أو مؤتمرات ومنتديات تدعى لحضورها بصرف النظر عن أهدافها وما يمكن أن ترمز له من إيهام العالم بوجود عملية سياسية جارية.
• أوّلا لو تقدمون لنا توقعاتكم وانتظاراتكم من مؤتمر مانحي فلسطين ؟
تبدو آمال الفلسطينيين وتوقعاتهم منخفضة للغاية في نجاح مؤتمر المانحين الأجانب للفلسطينيين المقرر عقده في بروكسل في الذكرى الأولى للحرب الأخيرة التي شنتها إسرائيل على غزة في ماي 2021 ، وفي ظلّ أجواء بالغة التوتّر بلغت ذروتها في الاقتحامات المتكررة للمستوطنين والمتطرفين الإسرائيليين للمسجد الأقصى المبارك، ووقوع سلسلة من العمليات الفدائية الفلسطينية التي أوقعت 18 قتيلا إسرائيليا في أقل من شهرين، وفي المقابل مواصلة إسرائيل سياساتها التوسعية والاستيطانية المقترنة بالعقوبات الجماعية للفلسطينيين،وعمليات الدهم والاجتياحات والاعتقالات وهدم المنازل وعمليات القتل والإعدام الميدانية التي أوقعت في الشهور الأربعة الأولى فقط من هذا العام 45 شهيدا.
وما يزيد من تشاؤم الفلسطينيين من الدعم الدولي اقتران وعود بالمساعدات بشروط سياسية مجحفة، سواء من قبل الأمريكيين أو الأوروبيين، ومما يثير الاستغراب والأسى في نفس الوقت أنّ الدعم العربي للفلسطينيين يرتبط أيضا بالتوجه الأمريكي والأوروبي لمواصلة الدعم او تقليصه وحتى حجبه نهائيا.
أبرز الشروط السياسية التي يطلبها المانحون وخاصة الأوروبيون، هي تعديل المناهج التربوية الفلسطينية بما يوقف ما يسميه المانحون عمليات التحريض ضدّ إسرائيل، وليس ثمة وصفات أو شروط دقيقة أو محددة لهذا التعديل المطلوب ،لكنه يشمل بحسب شروح وتفسيرات يقدمها محللون إسرائيليون ووسطاء أوروبيون، أي حديث عن الاحتلال، وتسمية البلاد الواقعة بين نهر الأردن والبحر المتوسط باسمها (فلسطين) بدل إسرائيل، وأي حديث عن (النكبة) وتمجيد الشهداء والمناضلين والفدائيين، ولا يستبعد تربويون فلسطينيون ان يشمل ذلك بعض الايات القرآنية التي تذم (بني إسرائيل).
• كيف ترون موقف الإدارة الأمريكية من التصعيد الراهن في الأراضي المحتلة ؟
الإدارة الأمريكية من جانبها تطالب السلطة الفلسطينية بالتوقف الفوري عن دفع رواتب الشهداء والأسرى وتحويل ملفاتهم إلى صندوق مرتبط بالشؤون الاجتماعية، وهو ما يراه الفلسطينيون مهينا لمكانة الشهداء الاعتبارية، والملاحظ أن هذين الشرطين (رواتب الشهداء والمناهج) هي ذاتها الشروط الإسرائيلية المعلنة، مع العلم أن السلطة الفلسطينية تعتمد المناهج التربوية الحالية منذ أكثر من ربع قرن، وتدفع رواتب الشهداء والأسرى منذ قيام السلطة قبل 28 عاما، ولم يسبق لإسرائيل أو اي من الجهات المانحة أن اعترضت على ذلك أو طالبت بتغييره ولكنها باتت تتشدد في المطالبة به في السنوات الأخيرة.
ومن الشروط التي يضعها المانحون دائما إبداء استعداد السلطة الفلسطينية لإعادة الانخراط في عملية التسوية من دون قيد او شرط كوقف الاستيطان، وبالتالي يطلب من السلطة المشاركة في أية لقاءات أو مفاوضات أو مؤتمرات ومنتديات تدعى لحضورها بصرف النظر عن أهدافها وما يمكن ان ترمز له من إيهام العالم بوجود عملية سياسية جارية، مع ضرورة الإشارة هنا إلى أن إسرائيل في ظل حكومة بينيت- لابيد هي التي ترفض اللقاءات السياسية مع السلطة الفلسطينية، ويرفض بينيت اي لقاء بينه وبين الرئيس الفلسطيني محمود عباسن ويكتفي بإيفاد وزرائه ، أو السماح لهم بالجلوس مع القيادات الفلسطينية للبحث في قضايا أمنية واقتصادية من دون تداول اي موضوع سياسي.
سبق لمسؤولين إسرائيليين وأجهزة امنية إسرائيلية أن دعت إلى دعم السلطة خشية انهيارها في ضوء تصاعد شعبية حركة حماس من جهة، والتآكل المستمر في شرعية السلطة بسبب عدم إجراء الانتخابات، ووجد هذا التوجه صدى وتأييدا لدى إدارة الرئيس بايدن الذي أوفد عددا من مسؤولي إدارته ( وزير الخارجية انتوني بلينكين ومساعدته فيكتوريا نولاند، مدير الاستخبارات وليام بيرنز، مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، المبعوث هادي عمرو) وكلهم حض على دعم السلطة اقتصاديا خشية انهيارها، ولكن مع نتائج محدودة جدا ولا تكاد تذكر ،حيث تعاني السلطة من تراجع كبير في وارداتها بسبب تراجع ثم انقطاع المساعدات الخارجية من حوالي مليار ونصف المليار دولار سنويا إلى نقطة قريبة من الصفر، وأدى ذلك إلى عجز مزمن وقابل للاتساع في الموازنة العامة، إلى جانب عجز السلطة عن دفع رواتب موظفيها.
الأمر الوحيد الذي خفف من ضائقة السلطة هو زيادة تصاريح العمال في إسرائيل وهو ما يضخ ما بين 150إلى 200 مليون دولار شهريا في السوق الفلسطينية لكن هذه العملية بحد ذاتها تخلق ازدهارا وهميا ومخادعا حيث أنها تساهم في إحكام تبعية الاقتصاد الفلسطيني للإسرائيلي ، وتكرس المقولة الإسرائيلية للسلام الاقتصادي بدل السلام الحقيقي القائم على إنهاء الاحتلال.
• هل هناك تغير في سياسة البيت الأبيض تجاه القضية الفلسطينية مابين عهدي ترامب وبايدن؟
بدأ تجفيف موارد السلطة والتوقف عن دعمها في عهد إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي خفض مساعداته للسلطة ثم أوقفها تماما عقابا للسلطة والقيادة الفلسطينية بسبب موقفها الرافض لصفقة القرن. كما سبق للإدارة الأميركية أن حجبت المساعدات عن السلطة والتي كانت تصل الى نحو 350 مليون دولار سنويا بسبب اصرار السلطة (دولة فلسطين) على الانضمام لمنظمات ومعاهدات دولية وخاصة للمحكمة الجنائية الدولية. إدارة الرئيس بايدن قدمت وعودا كثيرة سياسية واقتصادية للفلسطينيين وقد اخلت بكل وعودها السياسية ( إعادة فتح القنصلية بالقدس، فتح مكاتب منظمة التحرير في واشنطن، دعم حل الدولتين، التراجع عن اجراءات الرئيس ترامب المخالفة للقانون الدولي) الشيء الوحيد الذي التزمت به إدارة بايدن مؤخرا هو استئناف بعض المساعدات لدعم وكالة الغوث والأجهزة الأمنية الفلسطينية والمجتمع المدني الفلسطيني (بشروط قاسية ومذلة أبرزها إدانة الإرهاب) ، ووعود بمساعدات في إطار إنعاش جهود السلام (أي مساعدات مشروطة بالتعاون مع الإسرائيليين والمستوطنات) من دون دعم خزينة السلطة الخاوية.
• هل هناك انحياز غربي للجانب الإسرائيلي سواء سياسيا أو إقتصاديا؟
يفسر المانحون أسباب انقطاع المساعدات الخارجية جزئيا بجائحة كورونا التي فرضت أولويات اقتصادية واجتماعية جديدة على مختلف دول العالم، بينما تعزو بعض الدول العربية ذلك إلى تراجع اسعار النفط، والآن مع الحرب في أوكرانيا من المتوقع أن تجد الدول المانحة اسبابا إضافية لحجب المساعدات عن الفلسطينيين وتوجيهها لأوكرانيا.
تشكل المواقف الأوروبية والأمريكية صدى للمواقف الإسرائيلية التي عبر عنها رئيس الوزراء الإسرائلي نفتالي بينيت بصراحة حين قال أن سياسة حكومته تجاه الفلسطينيين هي سياسة العصا والجزرة، أي معاقبة كل من يقوم بعمل مناهض للاحتلال ومعاقبة أهله ومنطقته واصدقائه، وتقديم تسهيلات اقتصادية لمن يتكيف مع مخططات الاحتلال، يمكن تلخيص هذه السياسة الإسرائيلية المتبناة اميركيا، والمدعومة أوروبيا، بأنها سياسة تقوم على مقايضة الحقوق الوطنية الفلسطينية بتسهيلات اقتصادية ومعيشية.