محمد محسن أبو النور رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية ــ أفايب لـ«المغرب»: إفراز العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا لارتدادات مباشرة على مفاوضات فيينا النووية

• إيران اتخذت موقفا ضمنيا مساندا لروسيا في الحرب ضدّ أوكرانيا
قال محمد محسن أبو النور رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية ــ أفايب لـ«المغرب»

أنّ إيران تسعى إلى الاستفادة القصوى من الحرب الأوكرانية في الصيغة النهائية لاتفاق فيينا؛ لإدراكها أن الغرب يسعى إلى إنهاء الاتفاق كي تستحوذ طهران على حصة موسكو في السوق النفطية الدولية بعد حزم العقوبات المشددة على الاقتصاد الروسي.
وأضاف أنّ إيران كانت من الدول القليلة التي اتخذت موقفا واضحا من العمليات الروسية في أوكرانيا، فقد حمَّلت على لسان مرشدها حلف “الناتو” مسؤولية استفزاز روسيا؛ غير أنها دعت إلى وقف الحرب، ولم ترفض مشروع القرار الغربي في الأمم المتحدة لإدانة روسيا بل امتنعت عن التصويت.
• لو تقدمون لنا قراءتكم للموقف الإيراني من الحرب الروسية الأوكرانية ؟
ألقت الحرب الروسية ــ الأوكرانية بظلالها على السياسة الدولية بوجه عام وعلى الدول المتفاعلة مع روسيا على وجه الخصوص شأنها شأن سائر بلدان العالم وظلت إيران تتابع وضع جارتها وحليفتها روسيا عن كثب، واتخذت موقفا ضمنيا مساندا لروسيا في هذه الحرب من خلال تصريحات رسمية في هذا الصدد، حتى بعد أن دعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فصل إقليمين مهمين عن أوكرانيا واعترف باستقلالهما وشن حربا شاملة لإسقاط النظام الأوكراني.ففي صباح الثلاثاء 22 ففيفري أي صبيحة اليوم التالي لاعتراف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستقلال مقاطعتي دونيتسك و لوهانسك عن أوكرانيا، قال سعيد خطيب زاده المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إن «إيران تدعو جميع الأطراف إلى التحلي بضبط النفس، وتعتقد أنه ينبغي تجنب أي عمل من شأنه أن يؤدي إلى تصعيد التوترات».
وقد فُهم من تلك التصريحات الرسمية أن طهران تدعم قرار الرئيس بوتين وتستهدف تثبيت الموقف الراهن الذي خرجت منه روسيا منتصرة على أوكرانيا ومن ورائها حلف شمال الأطلسي الناتو دون الدخول في الحرب.
للبرهنة على ذلك يمكن ذكر التصريح الدال للخارجية الإيرانية التي قالت فيه: “إن تدخلات الناتو واستفزازاته، بقيادة الولايات المتحدة، أدت إلى تعقيد الوضع في المنطقة”، مما يعني حصول أمرين.أولا: أن إيران ألقت رسميا باللائمة على الغرب. ثانيا: أن إيران ألقت بثقلها خلف الموقف الروسي الذي أدانته الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا والاتحاد الأوروبي.
وقد اهتمت الصحافة الإيرانية كثيرا بتلك الأزمة وتناول المحللون الإيرانيون الموضوع بالشرح والرصد والوصف والتحليل، ويمكن مطالعة ما نشرته مريم جعفري في صحيفة “شرق” وقد ذكرت أن هناك أملا في حل النزاع إذا رغبت كل من أوروبا وأمريكا في ذلك.
• ما موقف طهران من العقوبات الإقتصادية التي المفروضة على موسكو ؟
في تحليل آخر نشر في وكالة «مهر» الإيرانية شبه الرسمية، وهو غير موقع من أحد كتابها، ذكرت الوكالة: «أنه لا يحق لأمريكا فرض أية عقوبات على روسيا. وبناءً على هذا يجب أن تقام مفاوضات لتناول الأزمة وحلها بشكل سلمي»، وذلك ما فهم منه أن المجتمع البحثي في إيران مال نحو الموقف الروسي ميلا كاملا، وهو ما يعبر كذلك عن وجهة نظر الدولة في المقام الأول.
وقد تسببت الأحداث الراهنة في أزمة طاقة بسبب توقف تصدير روسيا للغاز، وقد تنبأت مقالة نشرها موقع “راديو فردا” الناطق بالفارسية، بوصول سعر البرميل إلى ما يزيد عن 120 دولارا.
تزامناً مع اقتراب نهاية مباحثات فيينا النووية الإيرانية يرى المحلل الإيراني، فريد صفري، أنه في حالة رفع العقوبات عن إيران ستزيد صادرات النفط الإيراني إلى 2,5 مليون برميل يومياً، وفي صورة تمكن أمريكا من فرض عقوبات على روسيا ستتمكن إيران من احتكار سوق إمدادات الطاقة بدلاً من روسيا، وإذا حدث ذلك ستتمكن إيران من تعويض آثار عقوبات الاتفاق النووي؛ مما سينعش اقتصادها.
وأمام قلق الجميع من ارتدادات تلك الحرب التي شنتها موسكو على كييف رأت أقلام إيرانية متخصصة أنه من الجلي أن بوتين لن يتراجع عن مطالبه الأمنية التي تتمثل في الحد من توسع “الناتو” تجاه الشرق.وقد ذهب المحلل الإيراني الدكتور هادي آجيلي، في مقالة له بصحيفة “جام جم” إلى أن رغبة “بوتين” في ضمان عدم انضمام أوكرانيا للناتو ليست دون سبب، وأن نتيجة هذا النزاع لن تعود بالخير على أوكرانيا وأنها أصبحت ساحة لعب خطيرة في النظام الدولي.
وقد انعكس نشوب العمليات العسكرية الروسية الموسعة على الأراضي الأوكرانية على الرأي العام ومجتمع الخبراء وصناع القرار في إيران مما أدى إلى حدوث ارتدادات مباشرة على مفاوضات فيينا، لاسيما أن إيران كانت من الدول القليلة التي اتخذت موقفا واضحا من العمليات الروسية في أوكرانيا، فقد حمَّلت على لسان مرشدها حلفَ شمال الأطلسي «الناتو» مسؤولية استفزاز روسيا؛ غير أنها دعت إلى وقف الحرب، ولم ترفض مشروع القرار الغربي في الأمم المتحدة لإدانة روسيا بل إنها امتنعت عن التصويت.
كما أن عددا من وسائل الإعلام ومجتمع الخبراء في إيران وصفوا الحرب بأنها “عدوان روسي على أوكرانيا”، ولعل هذا ما أثار امتعاض المسؤولين الروس الذين وجهوا انتقادات بهذا الخصوص، وبدأوا في تغيير مواقفهم من المفاوضات، وهو ما يمكن قراءته من خلال تصريحين أولهما للسفير الروسي في طهران وثانيهما للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنفسه.على سبيل المثال: قال سفير روسيا في طهران لافان جاجاريان: “نريد أن ينجح الاتفاق النووي، لكن مصالحنا الخاصة مهمة أيضًا.. وأنصح وسائل الإعلام الإيرانية باستخدام مصطلح “العملية العسكرية الروسية الخاصة”، بدلا من عبارة “العدوان العسكري الروسي على أوكرانيا».
أما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فقال (متهكما) خلال اجتماع للحكومة الروسية إن “الولايات المتحدة واشنطن طلبت من إيران وفنزويلا طردنا من أسواق الطاقة، لقد منحت واشنطن طهران وكراكاس وعودا برفع العقوبات المفروضة عليهما».
• كيف أثّر التصعيد الروسي في أوكرانيا على مسار المفاوضات النووية الإيرانية في فيينا؟
يمكن تفسير المواقف المغايرة التي أبداها المفاوضون الروس في فيينا بما كانت عليه مواقفهم قبل الحرب الأوكرانية، فقد طالبوا الولايات المتحدة الأمريكية بضمانات وتعهدات بعدم تأثير العقوبات الأمريكية إزاء روسيا، على العلاقات الاقتصادية الروسية ــ الإيرانية، مع علم موسكو أن الغرب يستهدف تسريع التوصل الى اتفاق حتى يحل النفط الإيراني، المحرر من العقوبات، محل النفط الروسي الذي دخل لتوه حيز العقوبات.
ولعل هذا الموقف أثار امتعاض الأوساط السياسية الإيرانية لدرجة جعلت صحيفة “جمهوري إسلامي” الوثيقة الصلة بمؤسسة المرشد، تهاجم موسكو وتنتقد ما وصفته بـ”الجشع الروسي”، وقالت إن المسؤولين الروس يعبّرون عن جشعهم بشكل علني هذه الأيام أكثر من أي وقت مضى.
وقد صرح الدبلوماسي الإيراني السابق، هادي أفقهي، بأن إيران تحاول منذ الجولة السابعة من المفاوضات التي بدأت في عهد إبراهيم رئيسي، أن تثبت لكل أطراف التفاوض أنها غير متعجلة من جهة ولا ترهن ترشيدها للاقتصاد ومعالجة المشاكل بهذا الاتفاق من جهة أخرى، كما أن على إيران أن تخبر مجموعة (5 + 1) أن أحدا لن يستفيد من تعليق التوقيع على الاتفاق (في إشارة مبطنة منه إلى الموقف الروسي) إذ كان الجميع يريدون لملمة هذا الملف بالخروج بنتيجة رابحة تشمل الأطراف كافة، واستبعد أن تتم حلحلة الأزمة الأوكرانية على المدى القصير؛ لذلك فإن جل الاهتمام الراهن يتجه نحو حل ملف مفاوضات فيينا في القريب العاجل دون ربطه بهذه الحرب.
مع ذلك اهتمت وسائل الإعلام الإيرانية التي صدرت صباح السبت 12 مارس 2022 بالموقف الروسي المخيب لآمال إيران من المفاوضات، وانتقدت محاولة روسيا عرقلة إنهاء الاتفاق. على سبيل المثال: عنونت صحيفة “همدلى” صفحتها الرئيسة بمانشيت قالت فيه: “الروليت الروسي على طاولة الاتفاق النووي”، أي لعبة المقامرة الروسية في فيينا تعليقا من الصحيفة على توقف المحادثات النووية في فيينا وتأثير الموقف الروسي والحرب الأوكرانية على ملف المفاوضات النووية الايرانية، مبرزة انتقاد جهات من الداخل الإيراني للسياسة الخارجية الإيرانية تجاه روسيا التي لا تبحث إلا عن مصالحها الخاصة.
• هل يمكن لإيران الإستفادة من الحرب الدائرة حاليا ؟
تسعى إيران إلى الاستفادة القصوى من الحرب الأوكرانية في الصيغة النهائية لاتفاق فيينا؛ لإدراكها أن الغرب يسعى لإنهاء الاتفاق كي تستحوذ طهران على حصة موسكو في السوق النفطية الدولية بعد حزم العقوبات المشددة على الاقتصاد الروسي.
للدلالة على ذلك عنونت صحيفة بهار الإصلاحية عددها ليوم السبت 12 مارس 2022 بمانشيت: “شهر عسل الذهب الأسود الإيراني”، في إشارة من الصحيفة إلى الازدهار المرتقب لسوق صادرات النفط الإيرانية في ظل العقوبات التي فرضت على قطاع الطاقة الروسي، بعد التوصل المحتمل إلى اتفاق في العاصمة النمساوية.
مما سبق يتضح أن إيران تراقب تطور أحداث الصراع الروسي ــ الأوكراني عن كثب، وهي في أولى خطواتها لمحاولة التدخل في الأزمة الأوكرانية وقد أماطت اللثام عن انحيازها شبه المطلق للجانب الروسي وانتقادها الشديد للغرب، رغم أن وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان أجرى محادثة هاتفية مع نظيره الأوكراني، قال له فيها إن إيران مستعدة لاتخاذ أي مساعدة وإجراءات ضرورية لحل الأزمة، وهو ما يعني لكل ذي عينين أن إيران تريد إمساك العصا من المنتصف، بحيث لا تخسر حليفتها موسكو ولا تهدر فرص الالتحاق بالحصص السوقية الدولية النفطية في حال تم التوصل لاتفاق نووي جديد في فيينا، بعد العقوبات الدولية على روسيا.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115