الاعتبارات السياسية محليا ودوليا لزيارة الأسد إلى أبوظبي: انعطافة كبرى في التحالفات الدولية.. نظام عالمي جديد بصدد التشكّل

• «جفاء في العلاقات الخليجية الأمريكية يشوّش مساعي بايدن لكسب الحلفاء ضدّ موسكو»

مثّلت الزيارة التي أدّاها الرئيس السوري بشار الأسد إلى دولة الإمارات العربية المتحدة أمس الأول انعطافة غير مسبوقة في المشهد السياسي في الشرق الأوسط ، وذلك باعتبار ما تؤكده القمة التي جمعت بين قائدي البلدين من تغير واضح في سياسات وتحالفات المنطقة العربية، وذلك بالتزامن مع ما يعيشه العالم من متغيرات اقتصادية وعسكرية كبرى أهمّها الحرب الروسية الأوكرانية التي يبدو أن تداعياتها القريبة قد بدأت في الظهور.
أثارت الزيارة غير المعلنة التي قام بها الرئيس السوري بشار الأسد إلى دولة الإمارات العربية المتحدة ردود فعل متباينة خصوصا وأنها تحمل في طياتها تغيّرا واضحا في سياسة أبوظبي تجاه الأزمة السورية ، كما أبرزت هذه القمة مخاوف دولية وأمريكية بشكل خاص باعتبار أنّ الإمارات كانت يوما من الداعمين لمعارضي الأسد، كذلك لتزامن هذه القمة السورية الإماراتية مع متغيرات دراماتيكية يشهدها العالم سواء على صعيد الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها أو على صعيد حرب النفوذ الدائرة في الشرق الأوسط بين إيران وتركيا ودول الخليج وإسرائيل .
يشار إلى أنّ هذه الزيارة الخارجية هي الأولى للأسد إلى بلد عربي منذ سنوات حيث لم يزر رئيس النظام السوري منذ عام 2011 سوى روسيا وإيران حليفتاه التقليديتان . وذكرت وكالة أنباء الإمارات أنّ الأسد التقى بولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الذي «أكد أن سوريا الشقيقة تعد ركيزة أساسية من ركائز الأمن العربي وأن دولة الإمارات حريصة على تعزيز التعاون معها».وأظهر شريط مصور بثته وكالة أنباء الإمارات الأسد مبتسما وهو يقف إلى جوار الشيخ محمد بن زايد أمام علمي سوريا والإمارات مع حديث تخلّلته إيماءات وابتسامات.وقالت الإمارات «إنها تريد تعزيز التعاون مع سوريا». وقالت الوكالة إنّ الجانبين أكدا على ضرورة «الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وانسحاب القوات الأجنبية» من بلد به وجود عسكري لكل من روسيا وإيران وتركيا والولايات المتحدة.وتابعت الوكالة أن الرئيسين ناقشا الدعم السياسي والإنساني لسوريا وشعبها بغية الوصول إلى حل سلمي لكل التحديات التي تواجه البلاد.وقالت الرئاسة السورية في بيان إن الأسد التقى أيضا بحاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في دبي.
سياسية جديدة؟
وتأتي هذه الزيارة التي كانت مفاجئة لصناع القرار في العالم بالتزامن مع مرور 11 عاما على ثورة سوريا 2011 وبالتزامن أيضا مع ما يعيشه العالم من حرب روسية أوكرانيّة .زيارة الأسد المفاجئة سبقتها زيارة قام بها وزير خارجية الإمارات إلى دمشق في نوفمبر المنقضي والتقى خلالها الرئيس السوري بشار الأسد، وأثارت الزيارة آنذاك جدلا دوليا واسع النطاق لما تحمله من منعرج قد يقطع مع العزلة العربية المفروضة على دمشق منذ 11 عاما.
ولئن تؤكد الزيارة تحسن العلاقات بين سوريا والإمارات وهي بلد حليف للولايات المتحدة دعم ذات يوم المسلّحين الذين قاتلوا الأسد. فقد تتالت ردود الأفعال المنددة خاصة من الجانب الأمريكي . حيث قالت وزارة الخارجية الأمريكيّة إنّها «تشعر بخيبة أمل كبيرة وبقلق» مما وصفته بمحاولة واضحة لإضفاء الشرعية على الأسد. وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس أنّ واشنطن ما زالت تعارض جهود تطبيع العلاقات مع الأسد.وقال إن الولايات المتحدة لن تتنازل أو ترفع العقوبات عن سوريا ما لم يتم إحراز تقدم نحو التوصل لحل سياسي للصراع الذي أودى بحياة مئات الآلاف منذ اندلاع الانتفاضة ضد الأسد.وأضاف برايس في رسالة بالبريد الإلكتروني «نحث الدول التي تفكر في التواصل مع نظام الأسد على أن تدرس بعناية الفظائع المروعة التي ارتكبها النظام ضد السوريين على مدى العقد الماضي فضلا عن محاولات النظام المستمرة لحرمان معظم البلد من الحصول على المساعدات الإنسانية والأمن».
ووفق مراقبين فإنّ التغير الواضح في الخطاب السياسي لدولة الإمارات بدأ منذ امتناعها عن التصويت ضدّ قرار يدين الغزو الروسي لأوكرانيا ، في خطوة اعتبرها البعض ردّا من أبو ظبي على سياسة إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في المنطقة وبالأساس بسبب عدم الاستجابة لمخاوف كل من الإمارات والسعودية بشأن منافستهما الإقليمية إيران وبخصوص إنهاء دعم واشنطن لحربهما في اليمن وفرض شروط على مبيعات الأسلحة الأمريكية لدول الخليج. قرار بايدن آنذاك كان بمثابة فرصة لإظهار حدوث تغيّر واضح في سياسة البيت الأبيض مقارنة بالسياسة الخارجية المتبعة من قبل الرئيس السابق دونالد ترامب كما أنه يبعث رسالة إلى السعودية مفادها أنه ينبغي عليها أن تحرص على عدم فقدان الدعم الأمريكي للقضايا الأخرى ذات الأهميّة.
وفي هذا السياق تعدّ الأسد إلى أبوظبي حلقة في سلسلة من لقاءات سابقة تحمل في طياتها محاولات عدد من الدول العربية ومساع دبلوماسية حثيثة لإحياء علاقاتها مع رئيس النظام السوري بشار الأسد من بينهم إلى جانب الإمارات ، الأردن وهي حليفة أمريكا أيضا . هذه المساعي يعتبرها مراقبون ورقة ضغط خليجية على إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن وسياسته في الشرق الأوسط بالتحديد المتعلقة بالحرب ضدّ طهران وأيضا بالدور الخليجي في اليمن وتنديدا بخطوات ساكن البيت الأبيض فيما يتعلق بدعوة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى إنهاء الحرب في اليمن ووقف دعم وبيع الأسلحة للتحالف العسكري الذي تقوده السعودية ويضم أيضا دولة الإمارات.
وعلى صلة بذلك يرى محللون أنّ القمة السورية الإماراتية هي محاولة جدية لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة عبر السعي لإعادة سوريا إلى محيطها العربي الذي كانت في عزلة عنه منذ العام 2011 ، ويرى متابعون أيضا أنّ إحتماليّة عودة سوريا إلى صفوف الدول العربية باعتبارها الحليفة المهمة لإيران في الشرق الأوسط سيحمل تداعيات ومتغيرات كبرى سواء على المشهد السياسي عامة في الشرق الأوسط أو في العالم. إذ يؤكّد البعض أنّ هذا التقارب السوري الإماراتي وتعطّل الحوار السعودي الإيراني قد يفتح الباب أمام تقارب سوري مع باقي دول الخليج العربي في وقت تشهد فيه علاقات هذه الدول جفاء مع الجانب الأمريكي . ورغم أنّ إحتمال عودة دمشق إلى الحضن العربي بما يرافقه من تنازل عن رصيد تحالفها مع طهران هو احتمال وارد وبشدة ، إلاّ أنّ البعض يرى أن سوريا ليست مستعدة بعد للتخلي عن أحد أهم حلفاءها في العالم وهي إيران في ظل التطورات السياسية والإقتصادية المتسارعة التي يشهدها العالم.
زيارات خارجية سابقة
يشار إلى أنّ الرئيس السوري بشار الأسد أدّى زيارة في سبتمبر 2021 إلى روسيا والتقى خلالها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، وهو اجتماع هو الأول للرئيسين في موسكو منذ 6 سنوات . وجاءت آنذاك زيارة الرّئيس السوري بشّار الأسد بالتزامن مع سعي حثيث من نظام الأسد وحلفائه في روسيا وإيران إلى إرساء تسوية سياسية شاملة في سوريا.وكانت روسيا حليفة دمشق قد تدخلت عسكريا في سوريا في العام 2015 مما سمح لقوات النظام السوري باستعادة مناطق خسرتها أمام فصائل المعارضة والجماعات الإرهابية.
وكان اللقاء الثاني الذي استقبل خلاله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نظيره السوري بشار الأسد في سوتشي بجنوب غرب روسيا خلال شهر نوفمبر 2017 وذلك قبل قمة ثلاثية جمعت آنذاك روسيا وإيران وتركيا للبحث عن حل سياسي للازمة السورية . وكانت أوّل زيارة خارجية للأسد إلى روسيا والخارج في أكتوبر 2015 مباشرة بعد التدخل العسكري الروسي الذي شكّل منعطفا حاسما في النزاع السوري.
وفي زيارة لم يعلن عنها مسبقاً، وهي الأولى منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، قام رئيس النظام السوري بشار الأسد عام 2019 ، بزيارة إلى العاصمة الإيرانية طهران، والتقى بالمرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، والرئيس حسن روحاني، بحسب ما أورد التلفزيون الإيراني. وكانت الوجهتان الخارجيتان الوحيدتان سابقا للرئيس السوري روسيا وإيران .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115