ادريس لكريني مدير مختبر الدراسات الدستورية وتحليل الأزمات والسياسات لـ«المغرب»: «الانسحاب العسكري الفرنسي دليل على فشل باريس في مالي»

• «التواجد العسكري الفرنسي الغربي في مالي والمنطقة لم يشكّل عامل استقرار»
• «الانقلابات العسكرية تعكس أزمة الدولة في إفريقيا وهشاشة الإصلاحات التي تم تبنيها في العقود الأخيرة»

قال الكاتب والمحلل السياسي المختص في العلاقات الدولية إدريس لكريني مدير مختبر الدراسات الدستورية وتحليل الأزمات والسياسات لـ«المغرب» أنّ التواجد العسكري الفرنسي الغربي في افريقيا لم يحقق أي قيمة مضافة لمالي ودول الساحل في غياب الممارسة الديمقراطية وغياب التنمية في ظل وجود الجماعات المسلحة والمتطرفة التي تنشط ويتوسّع نفوذها في هذه المنطقة التي تغيب فيها السلطة المركزية . وأضاف أن الدول الإفريقية تطالب بإرساء علاقات متوازنة مع الجانب الأوروبي وتدعو إلى بلورة علاقات مبنية على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل.
ادريس لكريني كاتب مغربي، وأستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي في كلية الحقوق بجامعة القاضي عياض في مراكش.وهو مدير مختبر الدراسات الدستورية وتحليل الأزمات والسياسات (LECACP)، ورئيس منظمة العمل المغاربي.
• كيف ترون قرار انسحاب فرنسا وشركائها عسكريا من مالي وماهي الأسباب والأبعاد؟
يأتي انسحاب فرنسا وشركائها من مالي في سياق توجهات السياسة في مالي خصوصا بعد سيطرة العسكريين على السلطة، ويبدو أنه إلى حد اليوم هناك تهافت وتمركز لمجموعة من القوى الدولية الكبرى في الدول الإفريقية وهي تحركات روسية وأخرى صينية مما جعل القوة الفرنسية وبعض القوى الأوروبية تجد نفسها محرجة أمام رفض النخب الإفريقية لهذا التواجد الغربي خاصة منه الفرنسي .
لو قمنا بالتقييم بصفة موضوعية نجد أن باريس على امتداد الـ10 سنوات الأخيرة أي منذ انتهاء الأزمة المالية بانتخاب الرئيس ‘’إبراهيم أبو بكر كيتا’’، لم تتمكن من كسب رهان الاستقرار السياسي أو رهان التنمية أو رهان مواجهة الجماعات الإرهابية خاصة تنظيمي ‘’داعش’’ و’’القاعدة’’ .
بالتالي فشلت فرنسا والقوات الدولية في إطار ما يعرف بقوات «برخان» بشكل كبير في كسب هذه الرهانات. وهذا يطرح أكثر من سؤال أبرزها هل ان هذه القوات الفرنسية والغربية المتمركزة في دول الساحل وفي مالي على وجه الخصوص تسعى لتحقيق الاستقرار أم أنها تساهم في إطالة أمد هذا الوضع غير المستقر؟.
• ما تداعيات سنوات من الحضور العسكري الغربي في أفريقيا وفي مالي تحديدا ؟
من تداعيات الحضور العسكري في إفريقيا وفي مالي بالتحديد وبالنظر إلى تطور الأحداث يتأكد أنّ الأوضاع عادت إلى نقطة الصفر في مالي بعد الآمال في الإنفراج الذي حدث سنة 2013 إثر الانتخابات والاحتفال بانتخاب الرئيس وعودة الشرعية إلى البلاد وقد عادت الأمور إلى نقطة الصفر مع هيمنة وسيطرة القوات العسكرية على الحكم ويبدو أنّ التجربة الديمقراطية الوليدة في مالي كما في عدد من الدول الإفريقية -التي حدثت فيها مجموعة من الانقلابات-تطرح العديد من التساؤلات في ما يتعلق بالقوى الدولية والإقليمية التي يبدو أنها تريد إحداث تغيرات في المنطقة الإفريقية بما يخدم مصالحها ..
وتعي باريس والقوى الدولية ان التهافت والاهتمام الدولي المتزايد حول القارة الإفريقية بالنظر إلى إمكانياتها وبالنظر إلى الفرص التي يتيحها الحضور العسكري في إفريقيا وفي مالي على وجه التحديد لم يقدم الجديد فالأوضاع الاجتماعية مازالت متردية وسؤال الدولة مازال مطروحا هل هي دولة مدنية أم دولة ديمقراطية ؟.
ومازال الإرهاب يهدّد بشكل كبير الاستقرار في هذا البلد خصوصا على الحدود مع النيجر بالصورة التي تهدّد الاستقرار في مالي ،وهذا يطرح بالتالي تساؤلا حول هذه القوات التي لم تكسب رهان الاستقرار ولم تدعم إحداث مؤسسات قوية في هذا البلد ولم تساعد في بناء جيش مالي قادر على كسب وفرض رهان الاستقرار في البلاد.
• هناك من يرى أن هذا الإنسحاب دليل فشل باريس في مالي ، ماتعليقكم ؟
الانسحاب العسكري دليل على فشل باريس في مالي .. ما كانت تردّده باريس حول إرساء الأمن والاستقرار في هذا البلد لم يتبلور على أرض الواقع .. اليوم هناك استياء إفريقي إزاء العلاقات التي تحاول دول الاتحاد الأوروبي إرساءها مع القارة الإفريقية، وهي علاقات مبنية على الربح من جهة واحدة وهي الجهة الأوروبية في غياب أي توازن وغياب أي إستراتيجية تدعم التنمية في المنطقة.. وقد فشلت فرنسا في كسب رهان الاستقرار لا فقط في مالي بل أيضا في النيجر التي تعاني بدورها من مشاكل اقتصادية واجتماعية مرتبطة بالتهديدات التي تمثلها بعض الجماعات الإرهابيّة..
كما ان الانسحاب تأكيد على فشل باريس في مالي وفي المنطقة واعتقد أن هذه الخطوة ستمثل خسارة بالنسبة للرئيس الفرنسي الحالي ايمانويل ماكرون وقد يؤثر ذلك سلبا على مساره السياسي، علما أنّ فرنسا تعتبر المنطقة الإفريقية خصوصا منطقة الساحل من أكثر المناطق حيوية بالنسبة لها على امتداد العقود الأخيرة .هذا الانسحاب جاء نتيجة رفض المجلس العسكري في مالي لهذا التواجد وكذلك إقرارا بعدم قدرة القوات الفرنسية على تحقيق الرهانات التي طرحتها منذ البداية. وقد يكون الأمر بمثابة بداية قد تدفع نحو إرساء علاقات جديدة أكثر توازنا وأكثر واقعيّة خصوصا في ظلّ التنافس الكبير الذي تطرحه بعض الدول مثل روسيا والصين .
• ما الإستراتيجيات البديلة لتلافي سيناريو أفغانستان في مالي ؟
هناك سؤال يجب طرحه.. هل ان التواجد العسكري الغربي في مالي كان بناء؟ على امتداد السنوات الأخيرة لم تحقق هذا التواجد أي قيمة مضافة لمالي ودول الساحل في غياب الممارسة الديمقراطية وغياب التنمية وفي وجود الجماعات المسلحة والمتطرفة التي تنشط ويتوسّع نفوذها في هذه المنطقة التي تغيب فيها السلطة المركزية .
هل شكّل التواجد العسكري الفرنسي الغربي في مالي عامل استقرار؟ .. على العكس كانت القوات الفرنسية تسعى إلى مصالحها أكثر من سعيها إلى مصالح هذه البلدان ..الكثير من النخب الإفريقية اليوم أصبحت تطالب بعلاقات من نوع جديد أكثر توازنا تتجاوز هذا البعد الخيري والبعد الإحساني في العلاقات الإفريقية عامة مع دول أوروبا أو العلاقات الفرنسية الإفريقية وقد لاحظنا ذلك في عديد النقاشات التي دارت في الاتحاد الإفريقي حين تمت الدعوة إلى إرساء علاقات متوازنة والى بلورة علاقات مبنية على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل.
يبدو اليوم أنّ الدول الأوروبية مازالت تنظر إلى إفريقيا من المنظور الاستعماري الذي يرى في افريقيا مصدرا للطاقة ومصدرا للثروة ومصدرا لليد العاملة الرخيصة في غياب أي رؤية تحيل إلى الرغبة في تحقيق الاستقرار في القارة وفي جلب الاستثمارات وفي تمكين القارة من كسب رهانات سياسية واقتصادية هامة.الكثير من الجماعات المتطرفة تعيش من وجود القوى الأجنبية.. في مالي نفسها بدأت الجماعات المسلحة ترفع شعار مواجهة القوى الأجنبية لذلك قد يتيح انسحاب القوى الغربية من المنطقة بداية لتوافقات قد تسمح فعلا بتضييق الخناق على هذه الجماعات المسلحة في إطار عمل إفريقي مشترك وفي إطار تنسيق الجهود بين دول الساحل بدل الاعتماد على حل وعلى رؤية لم تتبلور ولم تتأسس من قبل القوى الغربية.
• هل قضت الانقلابات المتتالية على آمال الإستقرار في القارة الأفريقية؟
يطرح تتالي الانقلابات في الدول الإفريقية تساؤلات حول مستقبل الديمقراطية والتنمية والاستقرار في القارة المعروفة بثرواتها وبإمكانياتها الضخمة وقدراتها البشرية..
هذه الانقلابات تعكس أزمة الدولة في إفريقيا وهشاشة الإصلاحات التي تم تبنيها في العقود الثلاثة الأخيرة على اعتبار أنّ هذه الإصلاحات التي تمت في السنوات الأخيرة وإن جلبت نخب سياسية جديدة وسمحت ببلورة مجموعة من التوجهات المهمة، لم تكن مبنية على مرتكزات قوية وشاملة تدعم الاستقرار وتساهم في بناء المؤسسات .. من جانب آخر ثمة قوى إقليمية ودولية تحاول مع الأسف أن تدفع باتجاه بروز نظم سياسية تابعة لها أو على الأقل تدعم توجهاتها بالصورة التي أفضت إلى هذه الانقلابات وعدم الاستقرار في هذه الدول الإفريقية لذلك اعتقد أنّ الأمر يطرح للآسف تساؤلات حول مستقبل القارة الإفريقية وهذا يدلّ على أنّه نقاش هام حاضر ضمن نقاشات الاتحاد الإفريقي وآخرها اجتماعات القمة الأخيرة والذي برزت فيه أهمية الاستقرار ودعم الديمقراطيّة في القارة .
من ناحية أخرى باتت الدول الغربية واعية بضرورة إعادة صياغة علاقات من نوع جديد مبنية على الاستثمارات بدل المقاربات المبنية على العمل الخيري أو على المساعدات المرحلية باتجاه علاقات مبنية على استثمارات وعلى نقل التكنولوجيا .. وعلى مساعدة إفريقيا على استثمار إمكانياتها في سبيل تحقيق تنمية قادرة على محاصرة الإرهاب وقادرة على أن تفضي الى بناء دولة ديمقراطية مدنية مستقرة والحد من ظاهرة الهجرة وتسمح كذلك باستفادة القوى الغربية من الفرص في إفريقيا خصوصا في ظل التنافس الكبير من القوى الدولية الصين وروسيا وتركيا وإيران وغيرها... بالتالي الأوروبيون اليوم في مفترق طرق فقد لاحظنا خلال النقاشات المطروحة مؤخرا خلال لقاء القمة الأوروبي الإفريقي انعكاس الرغبة في إرساء علاقات متوازنة تسمح ببلورة أو بإرساء نوع من الثقة بين الأوروبيين والأفارقة وبتجاوز هذه العلاقات التقليدية والمصالح من جهة واحدة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115