مدى الفاتح الكاتب والمحلل السياسي السوداني لـ«المغرب»: «الفيصل في الأزمة السودانية هي الرغبة الشعبية وهي التي ستحدد مسار الفترة القادمة»

• «على المدى الاستراتيجي عودة حمدوك لرئاسة الوزراء، قد تعيد الجميع إلى نقطة الصفر الأولى »
قال الكاتب والمحلل السياسي السوداني مدى الفاتح لـ«المغرب» أنّ ردود الأفعال الداخلية حول ما حصل

في السودان تشهد انقساما بين شق يعتبر إجراءات قائد الجيش تصحيح لمسار الثورة وفك لاحتكار بضعة أحزاب للفترة الانتقالية وشق آخر يعتبرها انقلابا .
وأضاف أنّ تعاطف المجتمع الدولي مع حكومة حمدوك لم يكن ينبع من إيمانهم بالديمقراطية، بل لأن الحكومة المنحلة كانت تشارك الغربيين في رؤيتهم في كثير من المسائل المتعلقة بالعلاقة مع الدين، والعلمانية، أو قضايا المرأة أو شكل المجتمع ولذلك كان التعامل معها أسهل.
• أولا لو تقدمون لنا قراءتكم للمشهد في السودان -اليوم- بعد المتغيرات السياسية الأخيرة؟
خرج السودانيون الرافضون لقرارات قائد الجيش السوداني المتعلقة بحل الحكومة وحل مجلس السيادة وتعطيل بعض بنود “الوثيقة الدستورية، في تظاهرات كبيرة في الثلاثين من أكتوبر، فيما أعلن مغتربون عن تضامنهم معهم من مهاجرهم عبر وقفات وفعاليات متعددة.
لم تكن لتلك التظاهرات راية موحدة، على الرغم من أن إئتلاف “قوى الحرية والتغيير” الممثل السابق للشق المدني، اعتبر أن جميع الخارجين في ذلك اليوم مناصرون له، إلا أنه لم يكن ثمة دليل على ذلك، حيث عبّر كثيرون عن عدم رغبتهم في عودة المجموعة الحاكمة السابقة للحكم. كانت تلك الأصوات العالية والواضحة تهدد المعادلة التي كانت الأحزاب الأكثر تأثيراً في قوى الحرية والتغيير تحاول فرضها، والتي تقوم على أنهم هم المدنيون والمدنية والثورة، وأن مناصري التحول الديمقراطي هم بالضرورة أنصار لهم في مواجهة معسكر الاستبداد، وتهديدات الحكم العسكري.
منذ بداية تصدرها للمشهد السياسي، عقب سقوط الرئيس البشير وإلى حد اليوم، وتعتمد الحاضنة الشعبية المؤيدة للحرية والتغيير والتي تعرف اختصاراً بـ”قحت”، على هذا المنطق في الرد على المخالفين، فإما أن تقبل بكل ما يعرضونه من بضاعة، حتى وإن كان مخالفا لأبسط قواعد الحكم المدني، كالاعتقال بلا محاكمات، أو تقييد حرية الصحافة أو تمييع موعد عقد الانتخابات، أو تعديل مواد “الوثيقة الدستورية” دون تشاور، أو أن تصنّف إما تابعاً للعسكر أو نصيراً للنظام السابق، وهما تهمتان سهلتان لدرجة أن مناضلين كبارا دخلوا تحت طائلتها. الحقيقة هي أن هذه الأعداد التي خرجت لم تخرج جميعها لنصرة “قحت” أو للضغط من أجل إعادة الطبقة الحاكمة المعزولة إلى الحكم.
• مالذي حصل في السودان مؤخرا لتصل الأمور إلى ما آلت إليه اليوم ؟
ما حدث هو أنه، وفي يوم المظاهرة ذاته، ثم في الأيام التالية، كان نافذون في الحكومة المنحلة يسعون للوصول إلى تسوية مع القيادة العسكرية، ظناً منهم أن موقفهم صار أقوى، خاصة بعد الضغوط التي بدأت تمارسها قوى إقليمية ودولية وظهور تحركات في مجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان والكونغرس الأمريكي، مهددة ومنددة “بالانقلاب”، فتحدثت غرف الخرطوم السياسية عن أكثر من مبادرة في هذا الاتجاه، في حين ظهرت وزيرة الخارجية المقالة، من حزب الأمة، على الفضائيات وهي تقول أن كل شيء قابل للتفاوض، بما فيه حدوث تغيير حكومي شامل أو إعادة مناقشة الوثيقة الدستورية. لم يكن هناك رد مسموع على طروحات “قحت” وبدا أنّ قائد الجيش مشغول بترتيب النظام الجديد على مستوى التنسيق الخارجي، وعلى المستويات الإدارية الداخلية، في ظل استمرار تتريس الشوارع والدعوات لإضرابات وعصيان مدني شامل. على عكس “المدنيين” المنشغلين بمحاولات مستميتة لإعادة عقارب الساعة، بدا أن العسكريين أكثر قدرة على قراءة الشارع، الذي لم تكن عودة “قحت” من أولوياته.
• كيف كانت ردة الفعل الداخلية لما حصل في السودان ؟
بالنسبة لردود الأفعال الداخلية هناك بالطبع انقسام بين من يعتبر إجراءات قائد الجيش تصحيحا لمسار الثورة وفك لاحتكار بضعة أحزاب للفترة الانتقالية ومن يعتبرها انقلابا .
• هل توجد بوادر انفراج سياسي قريب ؟
رغم ما رشح من معلومات باقتراب انتهاء الأزمة وتشكيل حكومة محايدة سياسياً، فإن موقع عبدالله حمدوك في الخريطة السياسية الجديدة لا زال غير معروف، ورغم أن البرهان ظل يتحدث عنه في كل خطاباته باحترام، إلا أن عددا من المتحمسين لقرارات الجيش يفضلون اختيار رئيس وزراء جديد، ويتمنون أن يكون من العاملين في السودان، حيث يرى أولئك أن كثيراً من أسباب ضعف الأداء، كانت تتعلق بأن رئيس الحكومة شخص كان يعيش أغلب عمره في الخارج، فهو لا يعرف جذور المشكلات المحلية، أو طريقة العمل في دواوين الحكومة، أو غيرها من التجارب مما لا يمكن الاطلاع عليه في الكتب.
الجديد في هذا المضمار كان بيان «تجمع المهنيين»، أحد الأضلاع الداعمة والمؤسسة للنظام الانتقالي، الذي فُهم منه أن التجمع اصبح لا يتمسك بشخص السيد حمدوك كمطلب أساسي ويكتسب هذا البيان أهميته من التأثير والرمزية، التي ما زال التجمع يحظى بها في كثير من الأوساط الشبابية. وجهة نظر متنامية أخرى ترى أن اختيار حمدوك قد يشكّل مجاملة مرضية لكل من الحاضنة المتعلقة بالحكومة المنحلة، التي ترى فيه رمزاً للمدنية، وللمراقبين الدوليين، وهو ما سيساهم في استعادة الاستقرار، لكن على المدى الاستراتيجي فان عودة حمدوك لرئاسة الوزراء، قد تعيد الجميع إلى نقطة الصفر الأولى، إذا بدأت المجموعة الفاشلة ذاتها بالتقرب مرة أخرى لرئيس الحكومة ومحاولة الضغط عليه أو التأثير في قراراته.
• النرويج والولايات المتحدة والمملكة المتحدة أبلغت حمدوك 5 خطوات لاستئناف الانتقال الديمقراطي بالبلاد ، برأيكم كيف كان تعاطي المجتمع الدولي مع الأزمة في السودان؟
تعاطف المجتمع الدولي مع حكومة حمدوك لم يكن ينبع فقط من إيمانه بالديمقراطية، بل لأن الحكومة المنحلة كانت تشارك الغربيين في رؤيتهم في كثير من المسائل المتعلقة بالعلاقة مع الدين، العلمانية، أو قضايا المرأة أو شكل المجتمع ولذلك كان التعامل معها أسهل.
على سبيل المثال كان للحكومة مستشارون أجانب يعملون مع وزارة العدل لتدقيق القوانين، كما كان يحصل فريق رئيس الوزراء على راتبهم الدولاري من الدول الغربية، في سابقة فريدة من نوعها، ما يجعلهم أقرب إلى الموظفين الدوليين منهم الى السياسيين المحليين. لذلك توجد ضغوط بالتأكيد لكن الفيصل هو الرغبة الشعبية وهي من يحدّد مسار الفترة القادمة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115