حكومة ميقاتي أمام إرث من الأزمات المتجذرة: أزمة لبنانية سعودية -خليجية.. سحب سفراء.. وردود أفعال متباينة محليا إقليميا ودوليا

دخل لبنان الذي أعلن مؤخرا عن تشكيلة حكومته الجديدة بقيادة نجيب ميقاتي ، أزمة دبلوماسية غير متوقعة مع المملكة العربية السعودية خاصة

ودول الخليج العربي بصفة عامة في وقت يعول فيه اللبنانيون على سياسات حكومية ناجعة من شأنها إخراج البلاد من عنق الزجاجة وإنقاذها من حافة الإفلاس. وقد تفجرت الأزمة خلال الأيام القليلة الفارطة بين بيروت والرياض إثر تصريحات صادرة عن وزير الإعلام في حكومة ميقاتي ، جورج قرداحي -بُثت الإثنين إلاّ أنها سُجلت في شهر أوت المنقضي أي قبل تسميته وزيرا في الحكومة الجديدة- قال فيها أنّ الحوثيين في اليمن «يدافعون عن أنفسهم ضدّ اعتداءات السعودية والإمارات».
هذه التصريحات رغم أنها سبقت تعيينه كوزير للإعلام أثارت غضب الرياض وباقي الدول الخليجية لتعلن إثرها المملكة السعودية والإمارات والكويت والبحرين عن استدعاء سفراء لبنان لديها، وقد أبلغتهم احتجاجها على تصريحات قرداحي . ورغم أنّ تصريحات الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي أكدت ، أنّ «تصريحات قرداحي كانت قبل تعيينه وزيرا، ولا تعكس وجهة نظر الدولة، التي تحرص على أفضل العلاقات مع الدول العربية». كذلك طلب رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي خلال اتصاله بوزير الإعلام جورج قرداحي «تقدير المصلحة الوطنية واتخاذ القرار المناسب لإعادة
إصلاح علاقات لبنان العربية»، حسبما أفادت الوكالة الوطنية للإعلام. إلاّ أن الردّ السعودي الخليجي كان تصعيديا حيث أعلنت الرياض عن سحب سفيرها من بيروت، كما منحت السلطات السعودية السفير اللبناني على أراضيها مهلة بـ48 ساعة لمغادرة أراضيها بالإضافة إلى وقف كافة الواردات اللبنانية إلى المملكة.بدورها طلبت وزارة الخارجية البحرينية من السفير اللبناني لدى المنامة مغادرة أراضي المملكة خلال الثماني والأربعين ساعة القادمة.
من جهتها قالت وزارة الخارجية الكويتية في بيان لها أمس السبت إنّ الكويت طلبت من القائم بأعمال السفارة اللبنانية مغادرة البلاد خلال 48 ساعة، كما استدعت سفيرها في بيروت للتشاور احتجاجا على تصريحات وزير الإعلام اللبناني حول التدخل العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن.
لئن يُعلق اللبنانيون آمالا كبيرة على الحكومة الجديدة لإجراء إصلاحات إقتصادية صعبة وكسب دعم وتأييد إقليمي ودولي من شأنه إنقاذ الواقع الإقتصادي المرير، الا أنّ هذه الأزمة الدبلوماسية غير المتوقعة جاءت في توقيت صعب وحساس لحكومة نجيب ميقاتي التي تعول على الدعم الخليجي والدولي لضمان دفع عجلة الاقتصاد المُتدهور في لبنان. إذ يرى متابعون أنّ الدعم الخليجي لقرار السعودية سواء المتعلق بسحب السفراء أو وقف الواردات اللبنانية قرار خطير قد يزيد من عزلة بيروت الإقتصادية . وستكون للأزمة التي لم تقتصر على سحب السفراء، تداعيات اقتصادية حادة بعد أن أعلنت الرياض عن وقف كافة الواردات اللبنانية إلى السعودية، ما سينجر عنه خسائر فادحة من شأنها مزيد تعقيد الأزمة الاقتصادية التي يعتبرها المجتمع الدولي من أخطر الأزمات الإقتصادية في العالم .
هل ستنفرج الأزمة قريبا ؟
ويرى متابعون للشأن اللبناني أنّ التصعيد الأخير كان القشة التي قصمت ظهر البعير بين البلدين وهو تطور يأتي نتاج سياسة صدامية بين الجانبين امتدت لعقود طويلة في الشرق الأوسط أساسها حرب دينية سنية شيعية، بين دول الخليج وأذرعها من جهة ،وإيران ومحور المقاومة من جهة أخرى بشكل مباشر تارة ومن خلال حروب بالوكالة تارة أخرى.
ولئن شهدت الفترة الأخيرة تقاربا وبداية انفراج للعلاقات المتوترة بين المملكة العربية السعودية وإيران، بعد رفض سابق لأية محاولات للحوار والتفاوض بين الجانبين وهو ما من شأنه إذابة الجليد وتقريب وجهات النظر تجاه عدد من قضايا الإقليم الساخنة ومن بينها لبنان. يرى متابعون أن السعودية ستضع في الحسبان تقاربها مع إيران في سياق مزيد التصعيد من عدمه، فيما يرى شق آخر أنّ المملكة لن تتراجع مالم تحصل على ضمانات وتنازلات من الجانب اللبناني يضمن لها موطئ قدم في لبنان.
ولا تقتصر الخلافات بين طهران والرياض على علاقات البلدين بل تتعداها إلى الأدوار التي تلعبها الدولتان في عدد من قضايا الإقليم على غرار اليمن والعراق ولبنان وسوريا وقطر. واعتبر مراقبون أن هذا الصدام الذي يمتد تاريخه لعقود طويلة باتت تحكمه في هذه الآونة سياسات ومتغيرات جيو-استراتيجية كبرى، وما تبع ذلك من تغير في التحالفات الدولية والإقليمية بالإضافة إلى ما فرضته من تنازلات من بعض أطراف الصراع في الشرق الأوسط.فيما تخيم حالة من عدم الوضوح والشك على العلاقة بين لبنان والسعودية فيما يشبه شن حرب دبلوماسية سياسية..
ردود أفعال
محليا في ما تصاعدت الدعوات الصادرة عن مجموعة من رؤساء وزراء لبنان السابقين أمس السبت مطالبة وزير الإعلام جورج قرداحي بالاستقالة بعد أن أثارت تصريحاته خلافا دبلوماسيا واسعا مع السعودية. ويؤكد البعض أن هذه الأزمة ستفرض على الداخل اللبناني السياسي تغييرات مؤلمة سواء في سياسته الخارجية أو في مواقفه لضمان عودة العلاقات وتجنب سيناريو مخيف من العزلة الإقتصادية في المنطقة .
وفي بيان لهم قال رؤساء الحكومة السابقين فؤاد السنيورة وسعد الحريري وتمام سلام إن «آراء قرداحي ضربة للعلاقات الأخوية والمصالح العربية المشتركة التي تربط لبنان بالدول العربية، وتحديدا مع دول مجلس التعاون الخليجي». ورغم أن قرداحي قال إن تصريحاته تعبر عن آراء شخصية وكانت قبل توليه منصبه، مضيفا أنه ملتزم بسياسة الحكومة ، إلا ّأن ردود الفعل المتباينة تستمر في الصدور بين شق مُساند وآخر مُستنكر .
من جهتها قالت جامعة الدول العربية في بيان لها إن الأمين العام أعرب عن بالغ قلقه حول التدهور السريع في العلاقات اللبنانية الخليجية.وقال البيان نقلا عن الأمين العام أحمد أبوالغيط إنه يناشد المسؤولين في دول الخليج «بتدبر الإجراءات المطروح اتخاذها في خضم ذلك الموقف بما يتفادى المزيد من التأثيرات السلبية على الاقتصاد اللبناني المنهار».وأضاف البيان أن «الأمين العام لديه ثقة في حكمة وقدرة الرئيسين عون وميقاتي على السعي السريع من أجل اتخاذ الخطوات الضرورية التي يمكن أن تضع حدا لتدهور تلك العلاقات».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115