بعد فسخ عقد غواصات فرنسية لأستراليا وتعويضه بعقد أمريكي: أزمة مفتوحة ظاهرها «عقد تسليحي» وباطنها معركة «ريادة أوروبا»

تلوح في الأفق بوادر أزمة دبلوماسية حادة بين فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية ، وذلك بعد إعلان أستراليا عن فسخ عقد تسلّح أبرمته مع باريس عام 2016

لشراء غواصات تقليدية . وكان التوجّه الأسترالي نحو عقد شراكة ضخمة مع الجانب الأمريكي كبديل للعقد الضخم الذي كان يربطها مع باريس، مما أثار غضبا فرنسيّا كبيرا .
كأول رد فعل غاضب من الإليزيه ألغت السلطات الفرنسية حفل استقبال كان مقررا يوم أمس الجمعة في واشنطن بمناسبة ذكرى معركة بحرية حاسمة في حرب الاستقلال الأمريكية توجت بانتصار الأسطول الفرنسي على الأسطول البريطاني في 5 سبتمبر 1781. وربط مراقبون الخطوة الفرنسية بالأزمة بين البلدين حول العقد الأسترالي الذي كان مفاجئا للرأي العام وللمجتمع الدولي واعتبرته ‘’طعنة أمريكية في ظهر فرنسا’’ وفق تعبير الفرنسيين.
وقد غيرت أستراليا وجهتها نحو الولايات المتحدة الأمريكية بتوقيع صفقة غواصات أمريكية تعمل بالدفع النووي مما يؤشر على دخول العلاقات بين واشنطن وباريس في نفق مظلم يصعب الخروج منه، خاصة وأنّ باريس وصفت الأمر بأنه «طعنة في الظهر» وقرار «على طريقة ترامب» وذلك في انتقاد واضح لسياسة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن .
وكان إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن عن ‘’إطلاق شراكة استراتيجية مع المملكة المتحدة وأستراليا، تتضمن تزويد ‘’كانبيرا’’ بغواصات أمريكية تعمل بالدفع النووي»، قد شكّل-وفق مراقبين-صدمة حادة لباريس التي اعتبرت القرار «أحاديا». ومن جهته، قال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إن «هذا القرار الأحادي، والمباغت يشبه كثيرا ما كان يفعله (الرئيس الأمريكي السابق دونالد) ترامب».ولم يخف الوزير الفرنسي «غضبه» و«استياءه» إزاء ما حصل.
وتابع لودريان «لا تجري الأمور على هذا النحو بين الحلفاء»، وكان قد شارك في المفاوضات التي أفضت إلى «صفقة العصر» حينما كان وزيرا للدفاع في العام 2016، منددا بـ«سياسة الأمر الواقع الأمريكية»، «في ظل غياب أي تشاور مسبق» وفق تصريح غاضب له. وتبلغ قيمة العقد الذي تم فسخه من جانب استراليا 90 مليار دولار استرالي أي مايعادل 56 مليار يورو ، تم إبرامه بين كانبيرا وباريس قبل 6 سنوات لشراء غواصات تقليدية. من جهته قال وزير الدفاع الأسترالي بيتر داتن إن أستراليا قررت التخلي عن الصفقة مع فرنسا لأن الغواصات الأمريكية تناسب بلاده أكثر.
توتر وأسباب أخرى
أما الجانب الأمريكي و على لسان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قال إنّ فرنسا «شريك حيوي» للولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.وأكد على «عدم وجود انقسام إقليمي بين مصالح شركائنا على ضفتي الأطلسي والهادئ»، وشدد على أن «الشراكة مع أستراليا والمملكة المتحدة تبرهن أننا نريد العمل مع شركائنا لا سيما في أوروبا لضمان أن تكون منطقة المحيطين الهندي والهادئ حرة ومفتوحة».
ومن شأن هذا الخلاف أن يعيد سعي ترامب لتحسين علاقات بلاده مع باقي الدول الأوروبية إلى نقطة الصفر بعد سنوات من الإضطراب الذي طغى عليها في ظل حكم سلفه دونالد ترامب وسياسته المزاجية الفاشلة مع باقي الدول الغربية.
ويرى متابعون أن ملامح سياسة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن بدأت في التشكل والوضوح أكثر ، إذ يؤكد متابعون أنها قائمة بالأساس على مواجهة التقدم والنفوذ الصيني المتزايد ليجعل من ذلك أولوية إستراتيجية لبلاده حتى وإن اختلفت السبل عن تلك التي اتبعها سلفه ترامب. ويربط المتابعون للشأن الدولي هذا التحالف الأمريكي الأسترالي على حساب فرنسا ، في إطار سياسة تتبعها الولايات المتحدة الأمريكية بهدف ‘’التصدي لمطامع وهيمنة الصين’’ في العالم ، لكنه سيكون مضرا على حساب علاقات واشنطن مع حلفائها سيما بعد الانسحاب المُخجل من أفغانستان ، وهو ما كوّن نظرة سلبية من حلفاء أمريكا لسياسة البيت الأبيض الجديدة التي تعتمد على سياسة ‘’أمريكا أولا’’ . وتحاول إدارة ترامب وفق مراقبين التغطية على فشلها الخطير في أفغانستان عبر محاولات استعادة ثقة العالم في ملفات أخرى عبر السعي لإبراز ‘’محورية دورها في العالم’’ .
ويرى متابعون أنّ المشهد يحمل في طيّاته أبعادا أخرى للخلافات بين الإيليزيه والبيت الأبيض في علاقة بالمشهد الأوروبي بصفة عامّة ، وسط تنافس بين واشنطن وباريس على الريادة والدفاع عن ‘’أوروبا’’ .
ويرى متابعون أنّ السنوات الأربع من عهد دونالد ترامب على الرغم من صعوبتها على صعيد العلاقات بين ضفتي الأطلسي، أوجدت فرصة للقيادة الفرنسية، الفرنسية-الألمانية’’ لأوروبا في تراجع للدور الأمريكي نتيجة السياسات الخاطئة التي اتبعها ترامب والتي استندت بالأساس على سياسة هجومية وحرب تصريحات.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115