هزيمة مدوية للإسلاميين في الانتخابات التشريعية: فوز التجمع الوطني للأحرار يؤثث لمرحلة جديدة في المغرب

أعلن وزير الداخلية المغربي عبد الوافي لفتيت عن حصيلة النتائج الأولية للانتخابات التشريعية المنتظمة يوم 8 سبتمبر بعد فرز أكثر من 96 % من الأصوات المصرح بها.

وقد مني حزب التنمية والعدالة الإسلامي الحاكم بهزيمة تاريخية بالحصول على 12 مقعدا فقط من جملة 395 بعد عشرة أعوام قضاها على رأس الحكومة دون انقطاع. وسجلت الانتخابات تحسنا في نسبة المشاركة التي وصلت إلى 50،35 % بسبب استفاقة الأحزاب المعارضة والحملات التوعوية لمنظمات المجتمع المدني ضد الحكم الإسلامي في المغرب.
وقد تنافس في الانتخابات 31 حزبا سياسيا و1704 قائمة انتخابية جمعت 6815 مشرحا بمعدل 17 مرشحا للمقعد الواحد. وتمت عمليات الاقتراع في 40628 مكتبا في كل أرجاء المملكة. وسجلت وزارة الداخلية مشاركة كثيفة في جنوب البلاد، خاصة في منطقة العيون والدخلة أين تراوحت نسب الإقبال على الصناديق بين 58% و66%. أما في الدار البيضاء فلم تتعد نسبة التصويت 41،04% وهي تقريبا نفس النسبة في انتخابات 2016.

تغيير جذري للمشهد السياسي
وحسب ما أعلن عنه وزير الداخلية جاء في صدارة الأحزاب التجمع الوطني للأحرار برئاسة رجل الأعمال عزيز أخنوش الذي حصل على97 مقعدا.ثم يأتي حزب الأصالة والمعاصرة بحصوله على 82 مقعدا، متبوعا بحزب الاستقلال (78 مقعدا) والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (35 مقعدا) والحركة الشعبية (26 مقعدا) والتقدم والاشتراكية (20 مقعدا) والاتحاد الدستوري (18 مقعدا) والعدالة والتنمية (12 مقعدا)، فيما تقاسمت أحزاب أخرى 12 مقعدا.

وطبقا لدستور 2011 يعين الملك محمد السادس رئيس الحكومة من الحزب الفائز في الانتخابات أي، في المشهد الجديد، السيد عزيز أخنوش المعروف بقربه من القصر الملكي. هكذا يعزز الملك المغربي نفوذه على سياسات الدولة بعد عشر سنوات من «التعايش» مع الإسلاميين. ويدور الحديث في الأوساط السياسية المغربية حول ما يسمى «ثورة الملك والشعب» الرامية إلى إرساء مشاريع تنموية ضخمة لتفعيل النمو الاقتصادي والقضاء على الفقر في المغرب. وقد أعادت الانتخابات الحالية المشهد السياسي التقليدي برجوع الأحزاب الموالية للقصر للصدارة باسترجاع حزب الاستقلال بريقه بحصوله على 78 مقعدا. وهو ما يجعله أحد أقطاب المعادلة الحكومية القادمة.
من المفروض أن تضمن الأغلبية القادمة 198 مقعدا. ويرمي التوجه الحالي إلى تشكيل أغلبية عريضة متماسكة لتنظيف مسالك الدولة من النفوذ الإخواني. وهو ما يحتم تواجد حزب الاستقلال في الأغلبية البرلمانية. وإذا لم ينجح نزار بركة الأمين العام لحزب الاستقلال في التوصل إلى اتفاق حكومي مع التجمع الوطني للأحرار وحزب الأصالة والمعاصرة سيصبح الحزب المعارض الأول بحكم حجمه الانتخابي.

هزيمة المشروع الإسلاموي
يبدو أن الناخب المغربي أراد أن يفصح عن رسالة واضحة رافضة للمشروع الإخواني الذي حاول حزب العدالة والتنمية فرضه على المجتمع المغربي. من 124 مقعدا في البرلمان السابق حصد الإسلاميون 12 مقعدا فقط. ويأتي الحزب الإسلامي في المرتبة الثامنة في سلم الأحزاب الممثلة في البرلمان ولا يمكنه بهذا العدد من النواب تشكيل كتلة برلمانية. وهو بذلك يخسر كل امكانياته في التأثير على مجرى العمل البرلماني وفي الهيئات البرلمانية.

ويبقى على القوى السياسية الجديدة العمل على تغيير المشهد الاجتماعي المغربي الذي خضع لسنين طوال للحركة السلفية التي غيرت وجه المملكة. وفي طليعة القضايا احترام الحريات الشخصية والعامة التي تم انتهاكها خلال السنوات الأخيرة. وبالإمكان تدارك ذلك إذا توفرت العزيمة السياسية في ظل دستور 2011 الذي يمنح للحكومة صلاحيات عريضة في قيادة الشأن العام في تناغم مع الملك محمد السادس الذي سهر على إدخال نفس تحرري إبان طلوعه على العرش وقد كرسه في سن دستور جديد في خضم تقلبات «الربيع العربي» يضمن الحريات والمساواة بين المواطنين.

أفول نجم الإسلام السياسي في المنطقة المغاربية
سوف يسجل التاريخ أن سنة 2021 سوف تكون بداية أفول نجم الإسلام السياسي في المنطقة. فبعد «الإجراءات الاستثنائية» في تونس المعلن عنها يوم 25 جويلية من قبل الرئيس قيس سعيد والخطوات التي تتخذها ليبيا في احتواء الحركة الإسلامية في انتظار تكريس ذلك في انتخابات ديسمبر القادم، يرسي المغرب، عبر الممارسة الانتخابية، انموذج التعامل الديمقراطي مع الظاهرة الإسلامية الرافضة أصلا للديمقراطية.

يبقى «الاستثناء الجزائري». الانتخابات التشريعية الأخيرة في الجزائر التي كانت مبتورة بحكم مقاطعة المعارضة الحزبية وتنظيمات الحراك الشعبي لها ونسبة التصويت المتدنية. لا يمثل حجم الإسلاميين اليوم في الجزائر حقيقة وزنهم السياسي لدى الناخبين في غياب جزء كبير من المشهد السياسي والانتخابي. عموما أعطت الانتخابات التشريعية المغربية في الساحة المغربية صورة عن تغيير موقف الرأي العام من الإسلام السياسي عبر صندوق الاقتراع وهو مماثل لما عبر عنه الشارع في تونس وليبيا والحراك الشعبي في الجزائر. ويشير إلى حرص الرأي العام المغاربي على إرساء منظومة حكم تراعي الحقوق الفردية والعامة وتعمل من أجل الصالح العام في إطار سلمي ومدني.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115