«التشاد» بعد مقتل «ديبي» حليف باريس: معارك الداخل .. النفوذ الفرنسي .. وضعف الحدود مع ليبيا

أعاد إلى الواجهة مقتل الرئيس إدريس ديبي إتنو رئيس التشاد بعد إصابته في معركة ضدّ متمردين، الأهمية التي تحظى

بها هذه الدولة الإفريقية لا في القارة السمراء فقط بل كذلك على الصعيد الدولي إذ كانت دائما بوابة فرنسا في إفريقيا ومحورا للتنافس بين الدول الغربية الطامعة في النفوذ والثروات الطبيعية لهذا البلد .
وأثار مقتل ديبي ردود أفعال متباينة بين إدانات ومطالب بضرورة حماية البلاد التي تنهشها الإنقسامات والفقر والوضع الإقتصادي المتردي، خلال هذه المرحلة الإنتقالية الحساسة مع ضمان إجراء انتخابات حرة في نزيهة في هذه الدولة التي استحوذ فيها ديبي على الحكم لـ6 ولايات متتالية يصفها مختصون بالكارثية من الناحية الإقتصادية على هذا البلد الذي غرق في الفقر . وديبي عسكري وصل إلى السلطة عبر تمرد استولى من خلاله على السلطة بقوة السلاح سنة 1990. وكان ديبي أطاح حسين حبري ( الذي حكم من 1982 إلى عام 1990) بعد ان كان قائد الجيش في عهده. وقام الحرس الرئاسي لسنوات بقمع أي معارضة بقوة قبل أن يخفف من تشدد نظامه ويفتحه لتعددية حزبية مضبوطة وفق تقارير إعلامية .
مشهد داخلي متفجر
يشار إلى أن التشاد ونظرا لموقعها الجغرافي المتميز الذي يتوسط القارة السمراء وقد كان للتنوع السكاني الذي يضم أجناسا وإثنيات عرقية مختلفة بين مسيحيين ومسليمن وأديان أخرى دور كبير في إشعال نزاعات ذات طابع قبلي.
وتحيط بـ«تشاد» التي لا تملك أي منفذ على البحر دول تشهد اضطرابات مثل ليبيا والسودان وجمهورية إفريقيا الوسطى. وتساهم بشكل رئيسي بالجنود والسلاح في هذا النزاع وفق تقارير إعلامية متعددة .ويشارك الجيش التشادي في قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في مالي بواحدة من فرقة الرئيسية ويعتبر الأكثر خبرة في القوة المشتركة في الساحل (موريتانيا ومالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد).
يشار إلى أنّ الجنرال محمد إدريس ديبي (37 عاما) نجل الرئيس الراحل والذي كان يتولى الى حد ذلك الحين قيادة الحرس الرئاسي المتمتع بنفوذ هائل ويتولى حماية النظام والحكومة والجمعية الوطنية تولّى مهام رئيس جمهورية» تشاد، حسب ميثاق انتقالي نُشر أمس الأربعاء على الموقع الالكتروني للرئاسة.وكان محمد إدريس ديبي قد عين أمس 15 جنرالا من المعروف أنهم من بين الأكثر ولاء لرئيس الدولة لتشكيل المجلس العسكري الانتقالي.
وتدور في التشاد معارك ضارية اشتدت حدتها في الآونة الأخيرة حيث دعت حركات متمردة -أهمها «جبهة التناوب والوفاق»- والتي تشنّ هجوما ضد النظام الحاكم مقاتليها للتقدم باتجاه العاصمة نجامينا ورفضت «بشكل قاطع» تركيز هذا المجلس الإنتقالي العسكري بما يؤكد أن المشهد المقبل سيكون متفجّرا.
النفوذ الفرنسي وعملية «برخان»
في سياق ردود الأفعال الدولية أعلن قصر الإليزيه في بيان له أنّ فرنسا «فقدت صديقا شجاعا»، مشددا على أهمية «الانتقال السلمي» و«التزامها الراسخ باستقرار تشاد ووحدة وسلامة أراضيها» . ودعا وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إلى فترة انتقالية عسكرية محدودة تؤدي إلى «حكومة مدنية وشاملة». من جهتها، أكدت وزيرة القوات المسلحة الفرنسية فلورنس بارلي أن فرنسا «خسرت حليفا أساسيا في مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل».
وتعدّ علاقة ديبي بفرنسا علاقة وثيقة منذ سنوات طويلة إذ يصفه متابعون بـ«مُدلّل فرنسا»، إذ طالما راهنت باريس على نظام إدريس ديبي الذي يعتبره الإليزي شريكا هامّا وأساسيّا في إطار معركتها لتسجيل حضورها وتوسيع نفوذها وضمان أمنها في السّاحل الإفريقي . وكان لمقتل ديبي يوم أمس الأول قراءات متعددة وصلت الى حد الإشارة إلى فرضية تخلي الجانب الفرنسي عن دعمه لديبي من خلال عدم حمايته. والتي طالما وفرتها باريس له لوجستيا أو من خلال منع محاولات الإنقلاب على حكمه خلال السنوات الفارطة ومن بينها كبح لجام الحركات المتمردة في الداخل التشادي وفي خارجه -ليبيا والسودان- حيث تتخذ بعض الحركات المسلحة التشادية من الجنوب الليبي مركزا لها. وطالما دعمت فرنسا نظام ديبي عبر شن ضربات مسلحة جوية ضد مواقع تابعة للمتمردين، كما نجحت في منع انقلاب عسكري عام 2019 كان يتهدده آنذاك، ويُذكر أن للجيش الفرنسي طائرات حربية وأسلحة حديثة مرابطة بقاعدة «انجامينا» الجوية، في إطار عملية «برخان» العسكرية التي تقودها «باريس» ضد الجماعات المسلحة في شمالي «مالي» ودول الساحل والصحراء.
وعملية «برخان» عملية جارية لمكافحة التمرد في منطقة الساحل الأفريقي، بدأت في 1 أوت 2014. وهي تتألف من 3000 إلى 4500 جندي فرنسي وهي دائمة ومقرها في نجامينا عاصمة تشاد. وقد تم تشكيل العملية مع خمسة بلدان، والمستعمرات الفرنسية السابقة، التي تمتد في منطقة الساحل الأفريقي: بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا و النيجر. هذه البلدان المشار إليها إجمالا باسم «جي 5 الساحل». العملية سميت على شكل هلال الكثبان الرملية في الصحراء.
الحدود مع ليبيا ... نقطة ضعف
وكان لتوتر المشهد الليبي لسنوات طويلة تأثيرات من المشهد المتفجر في التشاد، إذ أثار تمركز حركات مسلحة إفريقية تشادية وسودانية في الجنوب الليبي مخاوف العالم من تزاوج مصالح هذه الجماعات المسلحة مع تنظيم «داعش» الإرهابي الذي اتخذ من بعض أجزاء صحراء ليبيا مستقرا له، إذ يعتبر مراقبون أن الجنوب الليبي ذا الطابع الصحراوي بات ملاذا خصبا للجماعات المسلحة سواء منها التابعة لتنظيم «داعش» الإرهابي أو القاعدة أو حتى التنظيمات المسلحة التشادية او السودانية والنيجيرية أيضا نظرا للقرب الجغرافي لهذه الدول من الحدود الجنوبية الليبية.
فمنذ اندلاع الحرب في ليبيا بات الجنوب الليبي مرتعا للجماعات الإرهابية من مختلف الجنسيات ومناخا ملائما لتفريخ الإرهاب، إذ شهد الجنوب ذو الطبيعة الصحراوية نشاطا متزايدا لمجموعات مسلحة محلية وأخرى تشادية وسودانية استغلت الفراغ الأمني وحالة الانفلات السائدة لتحويل المنطقة الى بؤرة جديدة من التوتر تشهد أنشطة متعددة منها تهريب البشر والسلع وتجارة الأسلحة والمخدرات وغيرها من الأنشطة الممنوعة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115