عانت كثيراً من السياسات الطائشة والعمياء لواشنطن، فالإدارة الأمريكية في حركتها كالأخطبوط ، ما أن تدخل في أزمة وتخرج منها حتى تصنع أزمة جديدة وهدفها تدمير سوريا وإدخالها في صراعات سياسية من أجل تقسيمها .
ومن هذا المنطلق فالأحداث التي تشهدها المنطقة لعبت الإدارة الأمريكية دوراً رئيسياً في صناعتها وتطويعها لصالحها ولصالح حليفتها إسرائيل» ولا يمكن للضبابية التي تلف الساحات والميادين العربية والإقليمية وعدد الضحايا الذي يتزايد هنا وهناك وجبل الأوهام الذي يتراكم باسم الحرية والديمقراطية أن تحجب حقيقة أساسية مفادها أن المنطقة دخلت فعلاً لتفتيتها إلى دويلات عنصرية وطائفية وزعزعة أمنها واستقرارها، وهنا لا بد من القول أن السياسة الأمريكية في أنحاء الشرق الأوسط عبارة عن فوضى تامة لن تنتج سوى مزيد من العنف والموت والدمار والخراب والتي باتت تهدد الأمن الإقليمي والدولي.
على خط مواز، إن عملية الانتقال الديمقراطي للسلطة في الولايات المتحدة لن تكون ذات تأثيرات جوهرية على مجمل السياسة الأمريكية، فالبيت الأبيض يمتلك المسطرة لكل القضايا والملفات في منطقة الشرق الأوسط التي لا تغيير فيها على المدى البعيد، بعد وصول بايدن إلى السلطة، لذلك فان سلوك الإدارة الأمريكية تجاه الملف السوري لن يتغير إذا علمنا أن بايدن كان من أنصار هيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية الماضية، الأمر الذي يضعنا أمام واقع وهو أن الإدارة الأمريكية لن تغير من سياستها في القضايا التي تعتبرها إستراتيجية وأهمها امن «إسرائيل»، فستحتفظ بوجود عسكري أمريكي شمال شرق سورية كوسيلة ضغط ضد الحكومة السورية، إضافة الى تقديم المشورة لـ«قسد»، إلى جانب السيطرة على منابع النفط هناك، ومواصلة سياسة العقوبات القاسية على دمشق.
وسط هذا الزخم من الإدعاءات حول سوريا يبدو أن الرئيس الأسد، مازال واثقاً من ذاته، ومقتنعاً بأن أوراق اللعبة مازالت في يديه مع حلفائه وخاصة أنه لا يمكن لأحد أن يتنبأ بتبعات الحرب إذا قررت أمريكا ضرب سورية، لأننا لا نتحدث عن منطقة واحدة، فثمة مناطق أوسع، إذا ضربت في مكان ما، فعلينا أن نتوقع التبعات في مكان آخر، وبذلك إذا حصلت ضربة فستكون هناك تبعات ضد الولايات المتحدة، ويبدو أن استخدام أمريكا لأكذوبة محاربة داعش مستمرة حتى تحقق أمريكا مآربها في المنطقة.
قد أستطيع القول أن الدول الغربية لا تتدخل في الشؤون الداخلية الخاصة بالدول العربية من اجل عيون العرب، وإنما للقضاء على قوة هذه الشعوب لمصلحة «إسرائيل»،.ما حدث ويحدث للعالم العربي ليس من قبيل الصدفة بل هو نتيجة مخطط استعماري صهيوني حتى تكون «إسرائيل» هي السيد المطاع في الشرق الأوسط فضلاً عن حماية أمنها في المنطقة، إنهم لا يريدون لنا الوحدة بل يريدون أن ننشغل بالخلافات فيما بيننا وبالتالي التغافل عن خطر الكيان الإسرائيلي الذي لا يعرف الحدود ولا يتوانى عن تمزيق المسلمين والتطاول على مقدساتهم، وبالتالي فإن الهدف الآخر للغرب من إثارة الخلافات بين المسلمين هو تسويق أسلحته، وقد أعلنت فرنسا أن مبيعاتها من الأسلحة بلغت 4 إضعاف مبيعاتها في السنوات السابقة.
في إطار ما سبق يجب على أمريكا وحلفائها أن تبدأ في وقف تهريب الإرهابيين القادمين من الخارج ووقف الدعم اللوجستي والأموال، والشروع في حوار وطني تجلس فيه جميع الأطراف السورية وتناقش مستقبل سورية، لأن الحرب قائمة بسبب الدعم المقدم من خارج سورية لكلا الطرفين.
فالحقيقة التي يجب أن ندركها بيقين إن استمرار شلال الدم في سورية مصلحة أمريكية -إسرائيلية يريدونها مقسّمة وملغاة من دورها في الصراع العربي الإسرائيلي حتى ينجح مشروع الشرق الأوسط الكبير ضد الوجود العربي، لذلك لا بد أمام هذا الواقع من صحوة الضمير من قبل الشعوب العربية وأن تعي خطورة ما تقوم به الدول الاستعمارية من أهداف سعياً لتعزيز أمن «إسرائيل» والسيطرة على مقدرات البلاد.