الباحث اللبناني في أكاديمية باريس للجيوبوليتيك فيصل جلول لـ«المغرب»: بايدن سيرمم الطبقة الوسطى في الداخل وسيطوي معظم صفحة ترامب الانعزالية في الخارج

تطرق الباحث اللبناني في أكاديمية باريس للجيوبوليتيك فيصل جلول لـ«المغرب» الى أهم ملامح سياسة الرئيس الأمريكي جو بايدن داخليا وخارجيا .

مشيرا الى ان المواقف التي يتبناها الساكن الجديد للبيت الأبيض قد تحل محل السياسة الانعزالية والمتفردة في عهد ترامب وقد تساعد أمريكا على الانسحاب العسكري من الشرق الأوسط وترسي قواعد لعبة جديدة في المنطقة.
كما تطرق الى تأثيرات انتخاب بايدن على عديد الملفات الحارقة مثل الملف النووي الإيراني والعلاقة مع الأوروبيين والصين وروسيا وكذلك القضية الفلسطينية وملف التطبيع العربي .
• في البداية ما قراءتكم للانتخابات الأمريكية وماذا عن اتهامات التزوير وهل يؤثر ذلك على مصداقيتها ؟
هناك اجماع على وجود تزوير في الانتخابات الامريكية. وهناك اجماع على وجود تزوير في كل الانتخابات الديمقراطية وفي كل البلدان ولا توجد انتخابات ملائكية دون تزوير، لكن حجم التزوير يتفاوت بين بلد واخر. في فرنسا حيث أعيش يقدر الحجم بـ اقل من 5 %. في احدى المقاطعات الفرنسية سجلت حالة اقتراع لشخص عمره 138 سنة .ينتخب امواتا في أمريكا أيضا . ولان الانتخابات الديمقراطية تنطوي على احتمالات التزوير فإنها تستدعي المراقبة عبر وفود منتدبة ومحايدة. في الانتخابات الامريكية كان حجم المراقبين ضعيفا لكن بعثة أوروبية مراقبة لم تذكر مخالفات وخروقات كبيرة بالقدر الذي وصفته حملة ترامب. ذلك ان حدوث مخالفات بحجم بسيط لا يؤثر على مصداقية الاقتراع . في بنسلفانيا كان الفارق بين بايدن وترامب 50 الف صوت. هذا يعني ان حجم الخروقات مهما كان كبيرا لا يصل الى خمسين الف مخالفة. أقول هذا مع الإشارة الى وجود كاميرات مراقبة في لجان الفرز في بعض الولايات يمكن لأي مواطن ان يطلع من خلالها على تصنيف الأصوات وترتيبها واحصائها، هذا فضلا عن وجود ممثلين لكل مرشح في لجان الفرز وأحيانا مراقبين أجانب. كل ذلك يحملنا على الافتراض على ان الانتخابات تمت بقدر كبير من الانضباط وبمخالفات محدودة وبالتالي فان جو بايدن فاز فيها بمصداقية طبيعية .
• ما أبرز أوجه التغيير داخليا وخارجيا في الولاية الجديدة؟
اذا استندنا الى برنامج بايدن الانتخابي الذي اختير على أساسه رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، نرى ان أشياء كثيرة ستتغير في الداخل. فهو سيرفع نسبة الضرائب على الثروات الكبيرة الى مستوى ما بين 37 و39 % . سيرتفع الحد الأدنى الفدرالي للأجور في الساعة الواحدة من 7 ونصف دولار الى 15 دولار. وسيعاد العمل بقانون «اوباما كير» الصحي الذي يستفيد منه الفقراء ومحدودو الدخل. وستخصص مقاعد مجانية في الدراسات العليا لذوي الدخل المحدود . سيتم تحديد حجم المهاجرين الى الولايات المتحدة بـ 125 الف مهاجر سنويا كما سيتم الغاء القانون الذي يحظر تأشيرة الدخول على عدد من مواطني الدول الإسلامية ويبقى العاجل إعطاء الأولوية لمكافحة الكورونا ناهيك عن مكافحة التسرب الحراري وبالتالي تمويل برنامج عملاق تكون فيه الولايات المتحدة آمنة بيئيا في منتصف هذا القرن ... الخ . هذه الإجراءات يمكن ان تحدث انفراجا مهما في الداخل وتخفف من حدة التوتر الذي دام خلال السنوات الترامبية السيئة شرط ان يتم التخلص من جائحة كورونا وان يستمر النمو الاقتصادي الذي تحقق في عهد ترامب .
على الصعيد الخارجي أعلن بايدن انه سيعود الى اتفاقية باريس المتصلة بالمناخ وسيعالج الملف النووي الإيراني .وسيعيد الولايات المتحدة الى المنظمات الدولية التي قاطعها ترامب كاليونسكو ومنظمة الصحة العالمية ... الخ. ستكون العلاقات مع الصين قوية مع الإصرار على توازنها و حماية المصالح الامريكية ولعل تسليح تايوان واستفزاز الصين في بحرها لن يحتل الأولوية في عهد بايدن .اما روسيا فقد كانت تراهن على فوز ترامب لكنها لن تتعثر في التكيف مع السياسة التي يعتمدها الرئيس المنتخب . والملفت في هذا الصدد ترحيب فنزويلا بانتخاب بايدن ودعوة مادورو للتفاوض من اجل حل سلمي للمشاكل بين البلدين.
• هل سيتغير موقف أمريكا من أوروبا في عهد بايدن ؟
سيكون الموقف الامريكي أقل تشددا من موقف ترامب في الحلف الأطلسي. ومن المرجح ان يعمل بايدن مع فرنسا وألمانيا وأوروبا عموما في العديد من الملفات الدولية ويلاحظ ان الأوروبيين كانوا الأكثر ابتهاجا بانتخابه ما عدا رومانيا وبولونيا وهنغاريا وهي دول متعلقة مباشرة بالحماية الامريكية من الاطماع الروسية.
والواضح ان الأوروبيين سيستأنفون الشراكة مع الولايات المتحدة في الملفات الدولية ولاسيما ملف اتفاقية باريس للمناخ والملف النووي الإيراني وسيعملون مع واشنطن في المؤسسات الدولية التي عطلها ترامب او جمدها او قاطعها. وتراهن فرنسا بصورة خاصة على الضغوط التي يمكن ان يمارسها بايدن على تركيا ورجب طيب ايران ولن يحزن ماكرون اذا ما نفذ بايدن وعده باسقاط اردوغان عبر الانتخابات ذلك ان باريس كانت ومازالت تشتبك مع الرئيس التركي في شرق المتوسط وليبيا وفي الصراع بين ارمينيا وأذربيجان ناهيك عن تدخل الرئيس التركي في قضية الرسوم المسيئة للرسول ورد اردوغان العنيف على خطاب الرئيس ماكرون عن الإسلام الانعزالي او الانفصالي في بلاده.
من جهتها ستتنفس ميركل الصعداء جراء بلطجة الرئيس الأمريكي السابق وقراراته المؤذية وتهميش المانيا واوروبا .
• هل سيتوقف الضغط الأمريكي الجنوني من اجل التطبيع القسري بين إسرائيل والعرب كيف سيكون الموقف من القضية الفلسطينية ؟
المؤكد ان بايدن سيوقف ضم أراضي الضفة وسيعيد المكتب التمثيلي لمنظمة التحرير الفلسطينية الى واشنطن وقد يعيد الاعتبار لحل الدولتين . ومن المرجح ان يعيد القنصلية الامريكية الى القدس الشرقية لخلق توازن مع السفارة الامريكية في القدس وقد يعيد المساعدات المالية للفلسطينيين وقد يعيد دعم هيئة الاونروا لتشغيل اللاجئين ولن يتخلى عن صفقة القرن ولن يسحب السفارة من القدس. وسيعمل على استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين. ومن غير المستبعد ان يواصل الضغوط من اجل المزيد من التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل ولربما بمجاملة واحترام اكثر للعرب المعنيين من سلفه المتغطرس .
اذا تغيرت السياسة الأمريكية في هذا الاتجاه يمكن ان يعود الأوروبيون الى المشاركة في مفاوضات السلام بعد ان يوافق الرئيس عباس على استئناف المفاوضات ووقف مقاطعة الاتصال بالإدارة الامريكية. .
• هل سيتغير الموقف الأمريكي من ايران وسوريا وليبيا ؟
قد يعود بايدن الى المعادلة التي انبثقت خلال ولاية أوباما الثانية حيث تم الاتفاق على مشاركة السعودية وايران للنفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط تماما كما هي الحال مع اثيوبيا. لهذا وافقت واشنطن على توقيع الصفقة حول الملف النووي الإيراني. وكانت ايران قد باشرت بمساعدة واشنطن الانسحاب من أفغانستان ومن العراق الا ان السعودية ودول الخليج كانت تفضل التقارب مع إسرائيل لقاء عزل ايران لذا راهن السعوديون على ترامب الذي عمل في الاتجاه الذي يفضلونه وتفضل «إسرائيل» التي لا تريد اعترافا دوليا وشرعيا بالقطب الإيراني في الشرق الأوسط .
من غير المستبعد ان يستأنف بايدن العمل وفق تلك المعادلة، خصوصا ان الحرب اليمنية التي اندلعت على هامش التقارب الخليجي الإسرائيلي والتباعد العدائي مع ايران ، لم تحقق النتائج المرجوة وهي مرشحة للتصاعد بما يضعف الخليج ويزيد ايران نفوذا وقوة . من جهة أخرى يلاحظ ان «الاخوان المسلمين» في مصر ابتهجوا بانتخاب بايدن واصدروا بيانا يثمن هذا الخيار ولعلهم يراهنون على استئناف الدور الذي لعبه التنظيم في «الربيع العربي» وبالاتفاق مع إدارة أوباما.
وثمة حديث غير مؤكد عن نية بايدن العمل على وقف الحربين الليبية والسورية بالتوازي مع وضع حد لسياسة اردوغان التوسعية بل العمل على اسقاطه بواسطة الانتخابات التركية كما أشار بايدن خلال حملته الانتخابية. ان مجمل هذه المواقف التي قد تحل محل السياسة الانعزالية والمتفردة في عهد ترامب وربما تساعد أمريكا على الانسحاب العسكري من الشرق الأوسط وترسي قواعد لعبة جديدة في المنطقة .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115