منبر: عن فشل المؤتمرات الخارجية بشأن ليبيا

يجمع جل الخبراء و المحللين والعارفين بالشأن الليبي على أن مؤتمر باليرمو الذي عقد مؤخرا بعاصمة جزيرة صقلية

الإيطالية بشأن الحل في ليبيا هو مؤتمر فاشل بكل المقاييس ولم يجعل الحل بشأن الأزمة الليبية يتقدم قيد أنملة. فما تمخض عنه، لن يجد طريقه إلى التطبيق على غرار اتفاقيتي الصخيرات و باريس اللتين بقيتا إلى اليوم حبرا على ورق، و تواصلت رغم التوقيع عليهما معاناة الليبيين و توقهم إلى حل طال انتظاره.

و لعل من أسباب فشل هذه المؤتمرات التي تعقد خارج ليبيا هو اقتصار الحضور فيها على فئة من الليبيين دون سواهم و عدم تشريكها لكل الفاعلين في المشهد الليبي و ذلك على غرار ما حصل في الصخيرات و في باريس و باليرمو و غيرها. و لعل ذلك ما يفسر بأن أطرافا فاعلة في الساحة الليبية، توجه لها الدعوات، و تمتنع عن الحضور، و أصدق مثال هو خليفة حفتر، الذي لا يتصور أنه يمكن التوصل إلى حل للأزمة الليبية من دونه، و الذي غاب عن مؤتمر باليرمو الأخير رغم توجيه الدعوة اليه و الإصرار الإيطالي على حضوره.

و تجدر الإشارة إلى أن إيطاليا التي تمثل أيضا وجهتي النظر الأمريكية و البريطانية و المدعومة من هذين البلدين الأنغلوسكسونيين، هي في منافسة مع فرنسا حول ليبيا لنيل أوفر نصيب من «كعكة المحروقات». و بالتالي فإن الأمر لا يعدو أن يكون سوى «تنافسا استعماريا» بين المستعمرين السابقين لشمال ليبيا و جنوبها و لا يتصور أن يجد المستعمر الطامع في ثروات البلد حلا لمشاكل أهله في إطار البحث عن مصالحهم.

و بالنهاية فإن مؤتمر باليرمو هو رد إيطالي على مؤتمر باريس و سعي من حكومة روما لإسكات الداخل، سواء المعارضة أو الرأي العام الذي انتقد الحكومة بشدة حين عقد مؤتمر باريس و اتهم حكومة بلاده بالتقصير و ترك الساحة الليبية للفرنسيين. كما أنه محاولة من الإيطاليين لكسب المزيد من الأوراق على الميدان و سحب البساط من تحت أرجل الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، لكن محاولتهم يبدو أنها باءت بالفشل.

و لعل من مظاهر فشل مؤتمر باليرمو مشهد الأعلام الإيطالية وهي تحرق في المظاهرات في شوارع ليبيا التي نفت إيطاليا منذ عقود أبناءها من مقاومي الإستعمار في هذه الجزيرة التي جرت فيها المفاوضات. فهناك شعور عام داخل ليبيا مفاده أن مؤتمرات حل الأزمة الليبية يجب أن تعقد في ليبيا و ليس خارجها، لا في الصخيرات و لا في روما أو باليرمو أو حتى باريس.

و تذهب أطراف ليبية فاعلة إلي حد لوم البعثة الأممية التي يرأسها اليوم غسان سلامة على حضورها هذه المؤتمرات «العبثية» باعتبارها الجهة الوحيدة المخول لها حل الأزمة الليبية و ما كان عليها أن تتنازل عن دورها لصالح أطراف أخرى. فإيطاليا و فرنسا بالنسبة لكثير من الليبيين، و بالإضافة إلى كونهما مستعمرين سابقين، هما أيضا قوتان أطلسيتان ساهمتا في تدمير ليبيا للهيمنة على ثرواتها بتعلة إسقاط النظام السابق.

لذلك يرى طيف واسع من الليبيين أن مؤتمرات الحل في ليبيا يجب أن تتم داخل ليبيا و بحضور كل الليبيين دون استثناء أو إقصاء لأي طرف وبعيدا عن أي شكل من أشكال التدخل من أية قوة خارجية. فالتنافس بين القوى الأطلسية يعرقل الحل ناهيك عن أن كل طرف يسعى إلى عرقة جهود الطرف الآخر وهو ما تجلى من خلال غياب إيطاليا عن مؤتمر باريس وغياب خليفة حفتر عن مؤتمر باليرمو الإيطالية بضغط من الفرنسيين على ما يبدو.

لكن بالمقابل، فإن عقد مؤتمر للحل في ليبيا بمشاركة كل الأطراف الليبية و دون تدخلات خارجية يبدو أمرا صعب التحقق في الوقت الراهن بالنظر إلى أن القضية الليبية، إن جاز التعبير، قد تم تدويلها و خرجت عن سيطرة الليبيين أنفسهم. فلا حل يبدو في الأفق إلا ببروز شخصية ليبية فذة و توافقية أو تيار سياسي يحظى بالقبول من اغلب الأطراف على الساحة يسعى جاهدا إلى التوفيق بين مصالح مختلف هذه القوى الخارجية المتصارعة وهي شروط لا تتوفر في أي من القوى الليبية الموجودة حاليا على الميدان خاصة و أن عصر الزعامات قد ولى منذ فترة.وتؤكد عديد الأطراف الفاعلة في المشهد الليبي على أن الحل النهائي لم يجهز بعد وهو ما يتوافق مع تصريحات السفير الإيطالي الذي تحدث عن إمكانية تأجيل الإنتخابات.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115