الجهل مع الدين... إرهاب فكري

«لا تهربوا من الجاهل واهربوا من الجهل ، لأنكم عندما تهربون من الجاهل لا تهربون

إلا من أنفسكم ، أمّا هربكم من الجهل فهو اقترابٌ من المعرفة «( ميخائيل نعيمة )

(هو أخطر أنواع الإرهاب وهو بطش بالوعي وبالفكر، وبالذاكرة ، وبالحلم ، كما أن الإرهاب الدموي الممارس يومياً هو بطش بالجسد وتخريب البيئة وقطع العلاقة مع الأرض والتاريخ والذاكرة. وبالإمكان القول إن هذا النوع من الإرهاب الفكري هو استخفاف بعقولنا. فمشاهد القتل والاغتيال والإبادة والتّفجير والتّخريب والتّدمير والاعتقال والإذلال والظّلم تفضي إلى حالة من الخوف والهلع والشّعور بالقلق وانعدام الأمن والاستقرار في النّفس. والإرهاب الفكري موجود في كل المجتمعات بنسب متفاوتة. وهو ظاهرة عالمية ولكنه ينتشر في المجتمعات المنغلقة وذات الثقافة المؤدلجة والشمولية ، ويتجسد في ممارسة الضغط أو العنف أو الاضطهاد ضد أصحاب الرأي المغاير أفراداً كانوا أم جماعات ، وذلك بدعم من تنظيمات سياسية أو تنظيمات دينية تحرض عليه وتؤججه ، والهدف هو إسكات الأشخاص وإخراسهم ليتسنى لهذه التنظيمات نشر أفكارها دون أي معارضة من التيارات الأخرى ، والويل لمن تسول له نفسه الخروج عن الخط المرسوم له)

الجهل يحمل صبغتين صبغة دينية وصبغة علمية، فالأول هم الناس الذين يركضون وراء الدين دون إدراك أو تفكير، وأصبح الدين عندهم عادة خرجت من طور العبادة؛ فلا يفكرون في شيء، وأخطرهم الذين تركوا الحياة وتفرغوا للزهد والتعبد. وأخطر أنواع الجهل لأنه جهل مجتمعي وليس فرديا، وأثاره تظهر على المجتمع بشكل عام، والدليل ما نراه في زماننا الآن من حروب وكوارث وصراعات مغلفة باسم الدين، فكل طرف يقاتل ويقول إن الله يقاتل معه وأنه يقاتل في سبيله...أما القسم الثاني فهو الجهل المغلف بالعلم والانبهار وراء الثورة العلمية والتكنولوجية والتي أخرجت الإنسان من إنسانيته واجتماعيته إلى مجرد آلة أو مستهلك، ومع انتشار وسائل التواصل لا يكاد يمر يوم دون أن نسمع أخبارا هناك دراسة تؤكد والباحثون توصلوا، وغيرها من القصص التي تشد الجهلة لكي يسبحوا في بحر جهل مصبوغ بلون العلم، فيشد إليه الهواة الباحثين عن أي إعجاز علمي أو بحثي دون أن يستندوا إلى أي دليل مادي أو أي دراسة موثوقة، وهذا من أسوأ أنواع الجهل، لأنه يجعل صاحبه لا يعترف بجهله، بل ويصر عليه بحجة العلم... والعولمة والحداثية سلبت شعوب العالم الثالث هويتها وثقافتها؛ بحجة العلم والتقدم، وراحت شعوب العالم الثالث تتهافت وراء كل ما هو حداثي وجديد، ونسوا هويتهم وثقافتهم، وهذا أظهر مفهوما جديدا وهو، الحرب العصرية هي أن تستطيع التحكم في الآخر دون إشعاره أنه ليس في حرب أو أنه حر في قراراته واختياره، لقد أصبحنا نفخر بكل ما هو غربي، وننتقد كل ما هو لنا، حتى ثقافتنا وهويتنا، وأصبحت شخصيتنا مهزوزة وهشة، أصبحنا فقراء فكريا وثقافيا.

إن الجهل أساس كل الشرور كما قال أفلاطون، فالجهل مع الدين إرهاب، والجهل مع الحرية فوضى، والجهل مع الثروة فساد، والجهل مع السلطة استبداد، والجهل مع الفقر إجرام، وهو أسوأ آفة قد تبتلى به أي أمة. والجهل ليس مجرد مشكلة فردية بل هو خطر ووباء يهدد مجتمعات كاملة وحضارات، فكم من حضارة قضت على الجهل وامتدت لعشرات السنين وكم من حضارة هزمها الجهل وأفناها.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115