هل دخل «سحر» إيمانويل ماكرون مرحلة التلاشي؟

مصطفى الطوسة
كاتب ومحلل سياسي

يواجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حقبة عصيبة تتميز بظهور تساؤلات حول قدرته

على المضي قدما في مسلسله الإصلاحي بنفس الزخم الذي طبع السنة الاولى من ولايته وآلتي اظهر فيها حنكة ودهاء سياسيا غير مسبوق. ولعل أول مؤشر أوحى إلى الفرنسيين بإمكانية تبخر هذا السحر الذي اوصله إلى قصر الاليزيه كان انفجار فضيحة ألكسندر بن علا التي أظهرت أسلوبا خاصا في التعامل مع بعض القضايا الحساسة. وجاءت لجنتا تقصى الحقائق التي أطلقت من قبل مجلس النواب ومجلس الشيوخ لتجسد هذا التوتر بين الرئيس و الرأي العام الفرنسي. ترجم بانهيار قياسي في شعبية إيمانويل ماكرون وفي ظهور تيارات مشككة حتى داخل الأغلبية البرلمانية التي تساند العهد الجديد.

وفي خضم اندلاع هذه الفضيحة السياسية التي لوثت صيف إيمانويل ماكرون وعكرت صفو فوز الفرنسيين بكأس العالم لكرة القدم جاءت استقالة أيقونتين من المجتمع المدني كانت تشارك في الحكومة نيكولا هولو و لورا فليسل لتوجه ضربة موجعة للأداء الحكومي و لتمارس ضغطا قويا على الرئيس ماكرون حيث أرغمته على الأقدام على تعديل وزاري ساهم بشكل كبير في خلط أوراق اللعبة السياسية الفرنسية. ففي محاولته ايجاد شخصية وازنة لتحل مكان نيكولا هولو اختار ماكرون رئيس البرلمان الوسطي فرانسوا دو روجي الذي أخذ مكانه ريشار فيران الذي كان يتزعم المجموعة البرلمانية لحزب الرئيس الجمهورية إلى الامام.

أما التحدي الثاني الذي يواجه إيمانويل ماكرون فيكمن في الشرخ السياسي الذي بدأت المجموعة النيابية الموالية له في الجمعية الوطنية تعاني منه. فإحدى البرلمانيات المحسوبة على تيار ماكرون قررت الاستقالة من مجموعتها والالتحاق بمجموعة ثانية معللة خطوتها بأن هناك انطباع بان الجميع يعيش على بارجة التايتانيك وان غرقا حتميا ينتظرها. وتأتي هذه الاستقالة في أجواء برزت فيها بوادر تمرد من طرف بعض النواب الموالين للأغلبية الحكومية.

فبمناسبة البحث عن زعيم جديد للفريق يخلف ريشار فيران ارتفعت أصوات مجموعة من النواب تنتمي لهذه الاغلبية تهدد بانها قد تغير انتماءها داخل قبة البرلمان في حال لم يحدث توافق حول الشخصية التي ستترأس هذا الفريق البرلماني. وتأتي هذه المواقف لتعبر عن امتعاض وخيبة أمل في صفوف الأغلبية قد تؤشر إلى ولادة ما عرف في عهد الرئيس السابق فرنسوا هولاند بظاهرة الساخطين. ظاهرة كانت عقدت بشكل كبير العمل الحكومي ومنعت الرئاسية السابقة من تحقيق مشاريعها الاصلاحية.

كل هذه العوامل تعني في رأي المراقبين تفاقم التحديات وتعقيد التناقضات التي يواجهها ايمانويل ماكرون وهو يباشر سنته الثانية من ولايته خصوصا وهو يواجه سنة انتخابية حاسمة بالنسبة لمستقبل الاتحاد الاوروبي. فالسؤال الذي يطرح حاليا بحدة ماهي الخطوات التي يمكن لماكرون اتخاذها لاستعادة السحر وقوة الاستقطاب التي مارسها اتجاه الفرنسيين؟

نهاية فضيحة دولة و بداية محنة
الى جانب كل تلك التحديات التي تواجه ماكرون في هذه الفترة فقد شكلت جلسة الاستماع التي فرضها مجلس الشيوخ على ألكسندر بن علا منعطفا حادا في مسار هذه الفضيحة التي سممت بتداعياتها ولاية الرئيس ماكرون وجعلته يفقد بريقه لدى الفرنسيين. لجنة مجلس الشيوخ لتقصي الحقائق في هذه القضية التزمت باسم مبدأ فصل السلط التشريعية والقضائية عدم التطرق لأحداث الفاتح من ماي الماضي التي تظهر فيها أشرطة فيديو مسربة ألكسندر بن علا وهو يعنّف متظاهرين متقمصا شخصية شرطي.

خلال أجوبته على أسئلة اللجنة بدا ألكسندر بن علا واثقا من نفسه وأجاب ببرودة دم وسيطرة على الاعصاب تتناقض مع الصورة النمطية التي يملكها الرأي العام الفرنسي على شاب عمره سبعة وعشرين سنة لا يملك من التجربة السياسية سوى الاشهر المعدودة التي قضاها الى جانب الرئيس ماكرون منذ بدأ حملته الانتخابية إلى وصوله الى قصر الإليزيه.
ومن خلال الاستراتيجية التي تبناها ألكسندر بن علا يبدو أن الإستشارة السياسية التي استفاد منها مبنية على عنصرين. الأول ان ينفي تماما صفة الشرطي التي التصقت به خلال احداث عيد الشغل. ومن تم يسحب البساط من تحت اقدام من يتابعونه بتهمة تقمص الشخصية التي يعاقب عليها القانون. والعنصر الثاني ان ينفي وضعه كحارس شخصي للرئيس ايمانويل ماكرون وهدف هذا الخيار أن يبعد عنه الاتهامات بانه كان يتبوأ منصبا ويقوم بأدوار أمنية في قصر الاليزيه عادة ما تعود مسؤوليتها إلى الجيش الفرنسي والمنظومة الامنية الفرنسية الرسمية. ومن خلال هذا النفي يحاول ألكسندر بن علا ان ينسف الفرضية التي توحي بأنه كان يشتغل على اعادة بلورة المقاربة الامنية لحماية الرئيس وقصر الاليزيه و هو اتهام رفعت شعاره بقوة المعارضة السياسية لماكرون عندما اتهمته بمحاولة خصخصة الامن الرئاسي و إقامة شرطة موازية ذات اجندة سياسية.

خلفيات الفضيحة
وفي خضم هذه الجلسة ركز المتتبعون لخلفيات هذه الفضيحة على تصرف بعض المسؤولين والوزراء قبل انعقادها. فوزيرة العدل نيكولا بلوبي حذرت من تسييس هذه الفضيحة وقدمت دعما مباشرا لبن علا عندما رفض المثول أمامها. اما كريستوف كاستنر فقد ذهب الى حد إلصاق اتهامات انقلابية لمجلس الشيوخ الذي بحسب رأيه يبحث عن أهداف أخرى غير البحث عن حقيقة ما جرى. وما زاد الطينة بله و الوضع تعقيدا ان الرئيس ماكرون شخصيا اتصل هاتفيا برئيس مجلس الشيوخ جرّار لارشي....ما اعتبره تابعة انتهاكا صارخا لفصل السلطات و محاولة للتأثير على مجريات هذه اللجنة والنتائج التي قد تتمخض عنها...
ظهور ألكسندر بن علا أمام مجلس الشيوخ وضع حدا لمفهوم فضيحة الدولة الذي استعملته المعارضة لمحاولة اضعاف ماكرون لكن فتح الباب أمام محنة سياسية للرئيس وفريقه الحاكم طويلة الامد لن تخمد شعلتها مادام الرئيس لم يقدم للرأي العام الفرنسي شرحا منطقيا يشفي غليله ويُطفئ غضبه وامتعاضه.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115