الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الطوسة لـ«المغرب»: «البنيان الأوروبي تعرّض لضربات قوية من طرف حركات شعبويّة حقّقت اختراقات انتخابية وحكومية في أوروبا»

• «إيمانويل ماكرون يخوض معركة أوروبيّة حاسمة ومخاضا سياسيا داخليا عسيرا»

قال الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الطوسة لـ«المغرب» أنّ الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون يواجه تحديات سياسيّة داخلية وأخرى خارجية حادة في ظلّ تنامي القوى الداخلية المشككة في جدوى البيت الاوروبي الموحد .وأضاف الطوسة ان الاستقالات التي تهز حكومة فرنسا في هذه الآونة هي من ضمن سلسلة أزمات عاشها إيمانويل ماكرون منذ توليه الحكم في فرنسا .

• كيف ترون سياسة ايمانويل ماكرون الداخلية خاصّة في ظلّ الاستقالات التي انهكت حكومته في الآونة الاخيرة؟
بالرغم من تكاثر القضايا التي سممت الدخول السياسي للرئيس الفرنسي ومنحت المعارضة فرصة لإسماع صوتها ومحاولة إضعاف ولايته يحاول إيمانويل ماكرون فرض نفسه كرجل المعركة من اجل الدفاع عن البنيان الأوروبي الموحد خَصوصا وانه تعرض لضربات قوية من طرف حركات شعبوية حققت اختراقات انتخابية وحكومية في كل من إيطاليا والنمسا وألمانيا.... الرئيس ماكرون يواجه سنة مليئة بالتحديات الأوروبية ستتوج بانتخابات اوروبية في شهر ماي المقبل. ويعيش زعيم فرنسا نوعا من العزلة السياسية في هذا المجال على خلفية انهيار نفوذ المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل وتلاشي وجود البريطانية تريزا ماي بسبب البريكسيت وسقوط إيطاليا في سلة الشعبويين المناهضين لفكرة البيت الأوروبي الموحد.
انطلاقا من هذه المعطيات بقي الرئيس الفرنسي من بين الاصوات القليلة الأوروبية التي تناضل من اجل تقوية البنيان الاوروبي في الوقت الذي يتعرض فيه هذا الاخير لهجمات مدمرة سواء على مستوى المحافل الدولية أو فيما يخص تنامي القوى الداخلية المشككة في جدوى البيت الاوروبي الموحد والذي تعتبره مصدرا لمشاكلها الاقتصادية والأمنية.

• كيف كانت اصداء استقالة وزير البيئة وتأثيراتها على الوضع السياسي الداخلي في فرنسا؟
جاءت استقالة نيكولا هولو أيقونة الدفاع عن القضايا البيئية ورمز المجتمع المدني واهتماماته لتعيد خلط الأوراق وتضع الرئيس ماكرون في أزمة حكومية لم يسبق لها مثيل. وقد تميزت هذه الاستقالة بصفتين أساسين منحتها زخما كبيرا جعلت منها حدثا مفصليا في ولاية ماكرون. الميزة الأولى ان نيكولا هولا أعلن استقالته مباشرة على اثير إذاعة فرنسية دون ان يخبر الرئيس ايمانول ماكرون الذي كان في الدانمارك في إطار جولة أروبية أو رئيس الحكومة ادوار فليب الذي تعرف على الخبر المفاجأة كأي مواطن فرنسي. بعض الاصوات ارتفعت لتنتقد الظروف التي أحاطت بهذا الإعلان وتعتبره إهانة لكل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة و تؤشر الى توتر العلاقات مستقبليا مع نيكولا هولو بالرغم من تصريحات ماكرون بأنه لايزال يعول عليه أينما كان لمساعدته في الدفاع عن قضايا البيئة والإشادة بحصيلته خلال تواجده في الحكومة.
الميزة الثانية أن هذه الاستقالة تفرض على ايمانويل ماكرون تعديلا وزاريا او حكوميا استعجاليا لمحاولة ايجاد خلف لنيكولا هولو يملك نفس المواصفات السياسية ويحتل نفس المساحة داخل الهرم الحكومي علما آن نيكولا هولو يتبوأ المنصب الثاني بروتوكوليا في الهرم الحكومي. فمع خروج هولو من التشكيلة الحكومية يكون ماكرون قد فقد توازنا سياسيا سيؤثر على نظرة الفرنسيين له ولمشاريعه الاصلاحية. الرئيس ماكرون الذي تعتقد انه قادر على التحكم في الوقت والأجندة يجد نفسه مرغما تحت ضغط الاحداث على القيام بتعديل وزاري عبر خيارات استعجالية.

• كيف استغلت المعارضة هذه الاستقالات التي طالت حكومة ماكرون؟
المعارضة الفرنسية بشقيها اليميني واليساري استغلت هذه الاستقالة لتوجيه سهام مسمومة لولاية ماكرون محاولة إقناع الراي العام الفرنسي بأن هذه الاستقالة تكشف الخطاب المزدوج لحكومة ايدوار فليب حول قضايا الدفاع عن البيئة. فهي علنا تعبر عن عزمها الانخراط في هذه المعارك المصيرية حول البيئة و في واقع الامور لا تمنحها أولوية.
جاءت ازمة نيكولا هولو لتضاف إلى سلسة أزمات عاشها إيمانويل ماكرون عبر وزراء في حكومته او مقربين منه في قصر الاليزيه. وفي الوقت الذي عبر فيه الرئيس عن عزمه المضي قدما في مسلسل الاصلاحات الذي باشره منذ وصوله الى السلطة يتساءل المراقبون حول قدرته على الخروج سالما من هذه المِحنة والاستمرار في ديناميكية الاصلاحات للاقتصاد والمجتمع الفرنسيين.

• كيف تقيمون الموقف الفرنسي فيما يتعلق بالصدام الاوروبي الامريكي ؟
على المستوى الخارجي شاءت الصدف ان تستهدف الاتحاد الأوروبي سهام مدمرة جاءته من الولايات المتحدة الامريكية بزعامة دونالد ترامب والتي اصبحت تنظر اليه لا كحليف يجب الحفاظ على علاقاته الثمينة والإستراتيجية بل كمنافس يجب تشجيع عملية إفلاسه. تزامن ذلك مع استمرار العلاقة العدوانية الباردة التي تمارسها روسيا بزعامة فلاديمير بوتين والتي تسعى عبر عقيدتها الامنية الى اضعاف الاتحاد الأوربي و كسر علاقاته مع الحلف الأطلسي.

ولمحاولة هزم هذه القوى التي تستغل اشكالية الهجرة وتبعاتها لفرض وجودها على المنظومة الحكومية الأوربية يبدو ان ايمانويل ماكرون سن استراتيجية هدفها احداث مواجهة مباشرة وشرخ حاد بين ما نعته بالقوميين الحاملين للفكر المخرب للوحدة الأوروبية والتيار التقدمي الذي يسعى الى تقوية البناء الأوروبي وجعله قوة نافدة تؤثر في المشهد العالمي.
وقد ترجمت هذه المعادلة عبر مواجهة سياسية وإعلامية أمام الرأي العام الاوروبي بين قطبين ...قطب يتزعمه الهنغاري فكتور اوربان والايطالي ماتيو سالفيني وقطب يجسده ايمانويل ماكرون. الرئيس الفرنسي يراهن على انخراط الشارع السياسي الاوروبي في عملية رفض هذه الأفكار المخربة والحاقدة على الأجانب والداعية الى غلق الحدود والتقوقع على الذات. ماكرون يراهن على ان أغلبية الأوروبيين سيتخوفون من الحقبة المجهولة التي تريد هذه القوى أخذ الأوروبيين اليها عبر تفكيك كل ما تم انجازه وفتح الباب أمام المجهول خَصوصا وان هذه التيارات الشعبوية تقترح حلولا راديكالية فيها من المغامرة ما قد يدفع العديد من الأوروبيين الي الانتباه لأي قوة سيمنحون ثقتهم في الانتخابات الاوروبية المقبلة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115