Print this page

ليبيا اليوم ... المجتمع والسياسة: في أسباب فشل الانتقال السياسي وتدويل الأزمة

عشرات الباحثين الليبيين والمختصين في الشأن الليبي اجتمعوا على مدى يومين في المكتبة الوطنية في تونس بدعوة من معهد

البحوث المغاربية المعاصرة من اجل دراسة الحالة الليبية بكل ابعادها الاجتماعية والسياسية وغيرها ..واكد المشاركون ان تناول الازمة الليبية بشكل دقيق يستدعي عودة الى مختلف الاسباب التي ادت الى تفجر احداث فيفري 2011 وكذا فشل المسار الانتقالي ..وتدويل الازمة وعسكرتها على مدى الثماني سنوات الماضية ...

لماذا اصبح الصراع عسكريا ولماذا فشلت المرحلة الانتقالية؟
د. علي عبد اللطيف احميدة استاذ العلوم السياسية في جامعة نيوانغلاند من الولايات المتحدة لديه العديد من المؤلفات والكتب التي تناولت الوضع الليبي بمختلف جوانبه وخاصة التاريخية والجغرافية ، حاول في محاضرته الاجابة عن اسباب ما يحدث اليوم في ليبيا من خلال التعرض للابعاد التاريخية والهيكلية التي ساهمت في اندلاع احداث2011 والى الازمة الانتقالية الحالية التي برزت منذ عام 2013 ..ويؤكد ان فشل نظام القذافي في معالجة قضية الاصلاح السياسي واحساس جزء هام من النخبة بحالة من الاغتراب وتأثير الحركة السكانية ونسبة التحضر ونجاح قيادة متمردة كانت قادرة على تأمين الدعم الدبلوماسي والعسكري من الامم المتحدة والجامعة العربية وحلف شمال الاطلسي كل ذلك ادى الى ان يصبح الصراع عسكريا اي عندما وجد كل فصيل حليفا خارجيا مما ادى الى دعم نفوذ الفصائل المختلفة بعد عام 2014 ..وقال ان هناك صراعا اجتماعيا ديناميكيا ونظاما سياسيا جامدا عجز عن التعامل مع قوى اجتماعية جديدة وخاصة الشباب العاطل عن العمل وعن تلبية مطالبه الخاصة..وأكد انه ما لم يقع ايجاد حل لتدفق السلاح والمال الى ليبيا والقبول بتسوية للإصلاح السياسي لجمع الليبيين وايجاد حل مبتكر لنزع سلاح الميليشيا وارساء لجنة للحقيقة والمصلحة ، سيستمر الصراع وقد يزداد ويتعقد وحذر من ان تصبح ليبيا عراقا او صومالا آخر ..

القوى الأجنبية ..ومشكلة المهاجرين
من جانبه ركز محمود الديك استاذ التاريخ الحديث بكلية الآداب جامعة طرابلس على مختلف مراحل التنافس والنزاعات بين القوى العظمى للسيطرة على ليبيا منذ بداية القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين . ورأى ان ليبيا اليوم قد ورثت تركة مثقلة تتعلق برسم الحدود والمهاجرين ومشكلة التهريب وهي مسائل يصعب فصلها عن تداعيات المرحلة الاستعمارية ويضيف :«منذ تأسيس الخلافة الاسلامية في بداية العصور الوسطى والتي امتد نفوذها الى المغرب الاقصى والاندلس حتى سقوط الخلافة العثمانية سنة 1924 ...وقال انه حينها لم تكن هناك حدود ظاهرة ومعروفة او مطروحة ولكن مع مجيء القوى الاستعمارية على اجزاء واسعة تمّ آليا وضع خطوط للفصل بين مناطق سيطرة هذه القوة او تلك وقال ان هزيمة ايطاليا في الحرب العالمية الثانية ادى الى تغيير في المواقف وخرق لاتفاقيات الحدود من الجانب الفرنسي وهذا ما ادى الى زحف فرنسا سنة 1913 نحو منطقة فزان ولم ينتهي الامر الا باعلان استقلال ليبيا من طرف الامم المتحدة سنة 1951».
ماتيو ايليس يشرف على كرسي كريستيان جونسون في الشؤون الدولية ودراسات حول الشرق الاوسط بكلية سارة لورانس بنيويورك تحدث عن امكانية تصور جديد للاقليمية والمحلية اي «الدولة الامة» في المنطقة الحدودية المصرية الليبية ..وقال انه اعتمد على فكرة مفادها ظهور مصر وليبيا كدولة قومية حديثة وذلك في العقود التي سبقت الحرب العالمية الاولى على الرغم من وجود ممارسات موثقة تكون اساسا لترسيم الحدود .

ولفرام لاخير وهو باحث متعاون بالمعهد الالماني للشؤون الدولية ببرلين اعتمد على مقاربته في تحليله للواقع الليبي بالتاكيد على خصوصية الهيكلية الاجتماعية وتشكيل الدولة في ليبيا ..فكيف يمكن تفسير التجزئة على انها نتيجة للتحول الاجتماعي في ظل ديناميكيات الصراع ؟ قال ان الصراعات التي برزت سنة 2011 كانت مدفوعة الى حد كبير بتصاعد عمليات المحاصصة . فبرزت الخلافات وتضاربت المصالح بين مختلف القوى بشكل يمكن ان يفسر ديناميكيات الصراع . وقال انه في ظل نظام القذافي لم تكن المجموعات متماسكة ولم تظهر كقوى فاعلة على الساحة السياسية .

المسألة العرقية
اما المسألة البربرية فتطرقت اليها الباحثة كيارا باجانو من جامعة روما مشيرة الى كيفية ترسيخ الفئات العرقية العربية والبربرية بالنظر الى المرحلة الاولى من الاستعمار الايطالي ..وقالت انه تم التلاعب بها كاداة سياسية في منطقة طرابلس من قبل السلطات الايطالية والجماعات المحلية. وركزت الباحثة على دور الاستعمار الايطالي في تنمية الدراسات البربرية التي تهدف الى السيطرة الاستعمارية وترسيخ واستمرار التمييز العرقي بين العرب والبربر مع استغلال ثنائية اللغة والتميز الديني بين المسلمين الاباضيين والمسلمين المالكيين . واضافت بالقول :« لقد تم دعم وتوجيه سياسة خاصة تجاه البربر بما يضمن للسلطات الاستعمارية الايطالية السيطرة على المناطق التي كان ينظر اليها على انها استراتيجية للسيطرة الايطالية .ولفتت الى انها شكلت الحدود الداخلية( التي تربط مناطق طرابلس وفزان) والاستعمارية (الفصل الطرابلسي مع الحماية الفرنسية في تونس ) ..وقالت انه رغم كل ذلك شكلت هذه المناطق الحدودية مصدرا رئيسيا للقوة المحلية للوجوه العربية والبربرية في منطقة طرابلس ..وقالت «رغم ان النزعة العرقية لم تكن بارزة من خلال المطالبة بحقوق الاقليات الا ان علماء البربر عرفوا كيف يوظفون السياسة العرقية للسلطات الاستعمارية الايطالية ...

دور القبيلة
من جانبه، شدد المنصف وناس الاكاديمي التونسي ومدير عام مركز الدراسات والبحوث الاقتصادية والاجتماعية على دور القبيلة مؤكدا ان القبيلة الليبية بسبب اهميتها الاجتماعية والسياسية كانت دائما حليفا للسلطة زمن الملكية او زمن حكم الجيش .وقال هناك عاملان متكاملان ساهما في فرض هذا التحالف هو اتساع نطاق الجغرافيا الليبية وغياب الهياكل السياسية وانه بفعل هذه الحقيقة الانثروبولوجية اضطر النظام الملكي والجيش ايضا الى دعوة الخبرات المحلية من القبائل لملء الفراغ من ناحية وتشريكها في مهام معقدة من ناحية اخرى مرتبطة بالسلطة .وقال انه بعد ثورة 17 فيفري تغير الوضع لان القبائل الليبية خاصة في الشرق اضطرت للانضمام الى التمرد في مواجهة هذا الوضع السياسي الجديد الذي تسيطر عليه مصراتة واجبرت القبائل على اكتساب ذكاء سياسي جديد لانتاج اشكال اخرى من التأقلم لضمان الحماية والامن والتوازن .

معضلة الهجرة
لا يمكن اليوم فهم ما يحدث في ليبيا وتداعيات الحرب الاهلية دون الحديث عن اهم المعضلات التي تواجه الليبيين وهي تفاقم الهجرة غير النظامية في هذا السياق اكد حسن بو بكري استاذ الجغرافيا ودراسات الهجرة بجامعة سوسة وباحث متعاون مع معهد البحوث المغاربية المعاصرة ان الازمة الليبية ادت الى ان تصبح ليبيا اكبر بلد للهجرة الوافدة على الضفة الجنوبية للمتوسط وباتت في قلب المعطيات الهجرية ليس فقط في هذا البلد بل ايضا في جواره المغاربي والمتوسطي وفي جنوب الصحراء الكبرى. واضاف ان الميليشيات والجماعات المسلحة تمكنت من احكام قبضتها على الارض الليبية وخرجت مراقبة الحدود الخارجية عن سلطة الدولة الليبية لتقع بين ايادي مجموعات وفقا لمنطق المصالح المحلية او الفئوية ..

وقال ان ذلك حول ليبيا الى مرتع اكبر مهربي البشر وقال ان هذه الازمة لم تنحصر على الساحل الجنوبي للبحر المتوسط بل امتدت الى التراب الاوربي وكانت لها تداعيات سياسية متعددة وعميقة ...وان هذا ما يجعل من تحويل مراقبة الحدود الخارجية للاتحاد الاوروبي الى دول الجوار الجنوبي امرا واقعا».

المشاركة في هذا المقال