الباحث الاردني المتخصص في الشؤون الايرانية د. محمد الزغول لـ «المغرب»: إيران مقبلة على تحولات داخلية وخارجية

تطرق الباحث الاردني المتخصص في الشؤون الايرانية

د.

محمد الزغول في هذا الحديث لـ «المغرب» الى الوضع في ايران اليوم بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الايراني . معتبرا ان خروج ترامب حقق لأوروبا مصلحتين اي الضغط لتحسين الاتفاق، والبقاء في السوق الإيرانية بعيدا عن المنافسة الأمريكية. اما فيما يتعلق بالاحتجاجات الحالية التي تشهدها إيران فقد اعتبر انها مختلفة شكلا ومضموناً عن سابقاتها في 1999 و2009، لكن هناك اختلاف في تقدير نتائجها المحتملة، واتجاهاتها المستقبلية. يشار الى ان د. الزغلول هو باحث أردني مهتم بالشؤون الإيرانية والإقليمية، ورئيس وحدة الدراسات الإيرانية في مركز الإمارات للسياسات، حاصل على درجة الدكتوراه في الأدب المقارن من جامعة طهران سنة 2004، ودبلوم عالي في العلوم السياسية عام 1996، يكتب باللغات العربية والفارسية والإنجليزية. له عدد من المصنفات والترجمات باللغتين العربية والفارسية، وعدد كبير من المقالات والدراسات والأبحاث في الأدب السياسية والشؤون الثقافية في إيران والعالم العربي. عمل مستشاراً في الشؤون الإيرانية مع عدة مؤسسات عربية ودولية.

• قراءتكم للوضع في إيران بعد اسبوع من بداية الاحتجاجات؟
ظهرت إيران منقسمة على نفسها، ومضطربة، خلال الشهور القليلة الماضية، كما لم تكن طوال أربعة عقود من عمر «الثورة الإسلامية»، وذلك بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الانسحاب من «خطة العمل الشاملة المشتركة» المعروفة بالاتفاق النووي. ولم يتوافق المسؤولون سوى على انتقاد ترامب، واختلفوا فيما وراء ذلك. وبدت القيادة الإيرانية بعد إعلان ترامب، وكأنها ليست متأكدة من الاحتمالات المطروحة.

وتسارعت وتيرة وقوّة نزعة التشكيك في قدرة النظام الإيراني على إصلاح نفسه من الداخل، نتيجة الإخفاقات المتتالية في إحداث أي انفراج في أزمات النظام المركّبة داخلياً وخارجياً. وتفاقم الصّراع داخلياً تحت السطح بين شبكات النفوذ، ومراكز القوّة، والتيارات المختلفة، داخل النظام الإيراني، حول سبُل مواجهة الضغوط الأمريكية-الإسرائيلية الجديدة في ظل استمرار اتساع نفوذ «الحرس الثوري» بشكل تدريجي ومطرد، وتراجُع مؤشرات قوّة كل من قائد الثورة علي خامنئي، ورئيس الجمهورية حسن روحاني.

وقد حاول قائد الثورة علي خامنئي، ومن خلفه كبريات المؤسسات الاقتصادية، والتيارات السياسية المُقرّبة منه، التودُّد إلى الشارع، واسترضاء الناس، عن طريق اتخاذ قرارات توصف بأنها تصالُحيّة، أو شعبويّة. وحاولَ الرئيس حسن روحاني تعويض النقاط السياسية التي خسرها مؤخراً لصالح «الحرس الثوري» بالاقتراب من «الجيش» النظامي تارةً، والاقتراب من القائد خامنئي تارةً أخرى، سعياً للاحتماء بهما نتيجة الضغوط المتصاعدة من «الحرس الثوري»، بعد أن خسرت الحكومة أو كادت، المنجز الوحيد الذي تحقق لها خلال ولايتين، والمتمثل بالاتفاق النووي.

واليوم، يمكن القول بأنه توجد «أربع إيرانات» متباينة، لديها أربع مقاربات مختلفة، في كيفية الرد على الضغوط الأمريكية؛ إيران خامنئي والمحافظين، وإيران الحرس و«أحزاب الله»، وإيران روحاني وحكومة الاعتدال، وإيران البازار، والطبقة الوسطى.
وبينما تبدو «إيران خامنئي» محرجة، ومضطربة، وباحثة عن مخرج يحفظ ماء الوجه، ويمنع انهيار الاتفاق النووي، والاقتصاد الإيراني، تريد «إيران الحرس» الردّ بالخروج من الاتفاق والتصعيد مع السعودية وإسرائيل، أما «إيران روحاني» فتسعى إلى تجاهل انسحاب ترامب، ومواصلة العمل مع الأوروبيين، أملاً في الإبقاء على منجزها اليتيم، وأخيراً تفضّل «إيران البازار» الخضوع لإعادة التفاوض مع الإدارة الأمريكية الجديدة، وحل الملف جذرياً. ويبدو أن هذا الرأي يمثل وجهة نظر أغلبية ساحقة من الشعب الإيراني الذي أنهكته مطاردة النظام لأوهامه الرساليّة والتوسعيّة، أو على الأقل هكذا تُظهر لنا مُسوحات الرأي في وسائل التواصل الاجتماعي.

• وما أسباب الاحتجاجات بحسب رايكم؟
لم تكن الاحتجاجات الأخيرة في طهران، هي الأولى التي تشهدها إيران خلال الآونة الأخيرة، فخلال العام الميلادي الماضي 2017، شهدت إيران أكثر من 50 احتجاجا كبيراً (عدد المشاركين فيه يفوق الألف)، وشهدت بعض هذه الاحتجاجات تدخل الشرطة، واشتباكها مع المحتجين مثل ما رأينا في احتجاجات العمال في مدينة أراك، واحتجاجات المستثمرين في المؤسسات المالية في العاصمة، واحتجاجات الأكراد في مدينتي سنندج وبانة على خلفية مقتل ثلاثة من عمال حمل البضائع؛ حيث شهدنا في كل منها استخدام العنف من جانب قوات الأمن. ولذلك يمكن وصف العام المنصرم بأنه عام ساخن من حيث الاحتجاجات الشعبية. ومع انطلاقة العام الجاري 2018 شهدت أكثر من 50 مدينة إيرانية موجة احتجاجات بدأت في مدينة مشهد في أقصى الشمال الشرقي لإيران. وبينما يجمع المختصون على أن الاحتجاجات الحالية التي تشهدها إيران مختلفة شكلا ومضموناً عن سابقاتها في 1999 و2009، لكنهم يختلفون في تقدير نتائجها المحتملة، واتجاهاتها المستقبلية.

ويمكن تقديم تفسيرات مختلفة للاحتجاجات التي تعصف بإيران منذ أواخر عام 2017، والتي عادت بحلة جديدة هذه الأيام. لكن ثمة منطلق مهم قد يكون أكثر إقناعاً، وربما منطقية في وضع الأحداث المذكورة ضمن إطار طبيعي ومُقنِع؛ ما يساعد على فهم أسبابها وتداعياتها بشكل موضوعي.
وفق هذا المنطلق، فإن الاحتجاجات التي حدثت مؤخرا لم تكن احتجاجات سياسية، بقدر ما كانت اعتراضا من طبقات اجتماعية بعينها على «السياسات النيوليبرالية» التي يطبقها الفريق الاقتصادي للرئيس روحاني، والتي قادت إلى موجات من التضخّم، وتسريح أعداد كبيرة من العمال، وتقلبات في سعر العملة الوطنية.
وكان يمكن للإصلاحات النيوليبرالية أن تمضي قدماً دون كل هذه الأعراض الجانبية الخطرة، لولا وجود اختلالات عميقة في مختلف هياكل الاقتصاد الإيراني. ولعلّ أحد أهم مواطن هذه الاختلالات يكمن في النظام المالي الهشّ، والمفتقر للتوازن، والشفافية. وهو ما أنتج ظاهرة هروب رؤوس الأموال من الداخل إلى الخارج، وأسهم في تراجع التدفقات المالية والاستثمارات الأجنبية القادمة إلى الداخل. مع ذلك، يمكن التمييز بين مرحلتين من الاحتجاجات الإيرانية الأخيرة؛ الأولى، مرحلة الشعارات الاقتصادية؛ حيث أغلب الشعارات التي طرحت في بداية الاحتجاجات كانت لها مناحٍ اقتصادية،. طبعا هذا لا يعني خلو المظاهرات من شعارات سياسية شاملة، إلا أن غالبية الشعارات كانت اقتصادية. أما المرحلة الثانية، فهي الهتافات السياسية.
ويبدو أن المحافظين كانوا يرغبون في إقامة احتجاجات من النوع الأول، لكنهم كانوا يفكرون في أن تكون محدودة ومركزة ضد أداء الحكومة الاقتصادي. وذلك من أجل ضرب حكومة روحاني. وكانت رغبتهم في ذلك واضحة من خلال دراسة خطاباتهم على منابر الجمعة في مختلف المدن الإيرانية.

• وما تأثير ما يحصل على سياسات إيران في المنطقة؟
تتعرّض إيران مؤخراً إلى ضغوط سياسية وعسكرية واقتصادية كبيرة، دولياً، وإقليمياً، وشعبياً، بما أشاع اعتقاداً عاماً في المنطقة بأن إيران مقبلة على تحولات داخلية وخارجية. وكرّس اعتقاداً واسع النطاق في الداخل بأن النظام غير قادر على إصلاح نفسه. وقد أثبتت الأحداث الأخيرة أيضاً، مدى صعوبة أن تقرّ القوى الدولية بالنفوذ الإيراني في المنطقة؛ إذ ليس لدى إيران أي سبب مفهوم في العلاقات الدولية للخروج بهذا الاندفاع خارج حدودها.

• ما مستقبل الاتفاق النووي الايراني بعد انسحاب الولايات المتحدة؟
اليوم تتردّد في طهران شكوك على المستوى الشعبي حول مكتسبات البرنامج النووي برمّته، مقارنةً بالكُلَف المرتفعة التي تحملها الإيرانيون بسببه، ومؤخراً بدأت أيضاً الشكوك تحوم حول جدوى البرنامج الصاروخي الإيراني.
وبالنظر إلى محدودية خيارات إيران الظاهرة في مواجهة انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، يمكن القول بأن طهران فعلاً في موقف ضعيف، لكن مع ذلك، لا يجب التقليل من قيمة الأوراق التي تمتلكها، أو تجاهل قدرتها على التصعيد في ملفات أخرى عديدة.
تبدو إيران عالقة في الاتفاق النووي، وعلى الرغم من أن الإيرانيين والأوروبيين أعلنوا مبدئياً استعدادهم للتعايش مع اتفاق نووي بدون أمريكا، لكن الطرفين يدركان حجم التصدع الذي أصاب الاتفاق. ولدى الأمريكيين دراية تامّة بخيارات طهران المحدودة في المواجهة، سواء في المسألة النووية، أو المسألة الإقليمية، ولذلك يضاعفون من الضغوط السياسية والعسكرية عليها، كلما لزم الأمر، لتذكير الإيرانيين بحجمهم الواقعي، وضبطهم في حدود الدور المسموح لهم إقليمياً.

من جانب آخر حقق خروج الرئيس ترامب من الاتفاق مع ضمان عدم انهياره، لأوروبا مصلحتين؛ الضغط لتحسين الاتفاق، والبقاء في السوق الإيرانية بعيدا عن المنافسة الأمريكية. ولكن أوروبا تخشى أيضاً، من أن تؤدي العقوبات على إيران، إلى إدماج إيران في الاقتصاد الروسي، وبما يُمكِّن قوى الشرق (روسيا والصين والهند) من الاستفادة القصوى من السوق الإيرانية على حساب أوروبا.

وبينما يبدو أن طهران تحتمي بروسيا في مواجهة ترامب، يظهر أن لروسيا مصلحة اقتصادية كبيرة في عودة العقوبات على إيران، وبالتالي لم يكن مفاجئاً أن تساهم روسيا في تأزيم الموقف من خلال دعوة طهران إلى تقديم مزيد من التنازلات، بدعوى أن الحفاظ على الاتفاق غير ممكن دون أن تقدم طهران تنازلات حقيقية.
كل ما سبق يشير إلى أن الاتفاق النووي دخل غرفة الإنعاش، ولم يعد لديه الكثير من الفرص للبقاء، ولعل السبب الأوحد الذي يبقي عليه حتى الآن هو عدم وجود بديل واضح أو قابل للتصور عنه، لكن الولايات المتحدة تصرّ على أن لديها خيارات عديدة، وأن انصياع طهران للشروط الأمريكية ليس إلا مسألة وقت.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115