Print this page

بعد قرار إعادة فرز بعض نتائج الانتخابات البرلمانية: العراق أمام ماراطون سياسي طويل يُعطّل تشكيل الحكومة الجديدة

قرّرت السلطات العراقية امس منع مسؤولي مفوضية الانتخابات (التابعة للبرلمان)

من السفر إلى خارج البلاد، الى حين انتهاء التحقيق في اتهامات تزوير الانتخابات البرلمانية التي جرت في 12 ماي المنقضي ، ولئن رحب شق من الشارع السياسي العراقي بالخطوة فقد اعتبره شق اخر تهديدا وضربا لنتائج الانتخابات البرلمانية باعتبار ان نتائجها كانت مفاجئة وغير متوقعة لدى الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي ايضا .
وقال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إن «خروقات جسيمة» وقعت في الانتخابات البرلمانية مقررا منع أعضاء في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات من السفر للخارج وذلك في إجراء قد يعطل عملية تشكيل حكومة جديدة.

وفاز بالانتخابات كتلة يتزعمها رجل الدين مقتدى الصدر غريم الولايات المتحدة والذي يعارض أيضا نفوذ إيران في بلاده.وقال العبادي في مؤتمر صحفي إن تقريرا أعدته لجنة تحقيق أوصى الحكومة بإعادة فرز جزء من الأصوات يدويا وإلغاء نتائج انتخابات الخارج والنازحين. وأوضح أن معظم اللوم يقع على عاتق مفوضية الانتخابات.وقال رئيس الوزراء إنه كان يؤيد في بادئ الأمر المضي قدما في العملية السياسية بعد الانتخابات لأن العراق له تاريخ في المخالفات الانتخابية.

وكانت النتائج المفاجئة التي حققتها مكونات سياسية على حساب اخرى في الانتخابات البرلمانية العراقية في الـ12 من ماي الماضي قد رجّحت كفة التيّار الصدري والحشد الشّعبي المدعوم من إيران على حساب قائمة رئيس الوزراء حيدر العبادي وهو مايفرض-وفق مراقبين- تحالفات رغم غرابتها إلاّ أنها باتت أمرا واقعا بحكم ماتفرضه طبيعة المشهد السياسي الراهن في بلاد الرافدين.

وهذه هي الانتخابات التشريعية الرابعة منذ الإطاحة بصدام حسين من سدة الحكم عام 2003،ووفق تقارير رسمية عراقية غير نهائية فقد حققت قائمة تحالف «سائرون» المدعومة من رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر تقدما ملحوظا وفق ما افرزته النتائج الأولية لعدد من المحافظات الرئيسية في البلاد في حين تحصل «تحالف النصر» الذي يقوده رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي على المرتبة الثانية من حيث نتائج التصويت تليه قائمة «الفتح» الّتي تضمّ فصائل الحشد الشعبي المدعومة من إيران بقيادة هادي العامري في المرتبة الثالثة.

من جهته قال الكاتب والمحلل السياسي العراقي ثائر عبطان حسن لـ«المغرب» أنّه ‘’فيما يخص الانتخابات ، وقبل حدوثها بأيام عديدة ، تجمعت عدة عوامل كنت قد اشرت اليها في سيناريو كامل لما سوف يحدث من نتائج ومن تدني نسبة المشاركة التي تم التلاعب بها ورفع سقفها الى 44 ٪‏ وهي لم تتجاوز في رأيي ال 30 ٪‏، اما عن إلغاء نتائج الانتخابات فهذا امر غير وارد قطعا كون الفائزين هم الأقوياء الذين تتعارض مصالحهم مع فكرة الإلغاء».

محاولة امتصاص الغضب
وبخصوص منع اعضاء مفوضية الانتخابات من السفر ، وماتعنيه الخروقات الجسيمة التي تحدث عنها رئيس الوزراء حيدر العبادي قال محدّثنا ان منع أعضاء المفوضية من السفر هو اجراء ذَر الرماد في العيون لتهدئة غضب الشارع والمحتجين في كركوك وفِي مراكز إيواء اللاجئين ومراكز الخارج، بعد أن تم فضح عمليات تزوير بالصورة والصوت والفيديو توضح تورط بعض موظفي المفوضية ببيع مراكز انتخابية كاملة ودس ألاف البطاقات الانتخابية المزورة فيها.

وحول تداعيات ذلك على المشهد السياسي ومشاورات تشكيل الحكومة قال الكاتب العراقي ‹›لن تكون هناك اَي تداعيات على المشهد السياسي في المدى المنظور ، لأن أحزاب الاسلام السياسي الحاكمة عودّت العراقيين على مثل هكذا أزمات وهي تمسك بخيوط اللعبة من كل جوانبها ، ولَم تتشكل أي حكومة سابقة بأسابيع ، بل بشهور طويلة ، والحكومة القادمة سوف لن تَر النور بأقل من سابقاتها ، كون ايران ، وهي اللاعب الأقوى في الساحة ، وكعهدها في تأثيرها على تشكيل الحكومات السابقة ، تمتلك « الوصفة» الحكومية القادمة ، وستجبر الأحزاب الكبيرة الموالية لها بالائتلاف ومن ثم يلتحق بركبهم أكراد الطالباني، وشيعة كركوك ، والسنة الذين يطلق عليهم «سنة المالكي» ، وهذا يعني عزل واستبعاد مقتدى الصدر الحائز تكتله على المركز الاول من عدد المقاعد البرلمانية، وبهذا ستتشكل الكتلة الأكبر من تحالف «النصر» برئاسة العبادي وكتلة «فتح» الممثلة للحشد الشعبي بزعامة هادي العامري ، وكتلة «دولة القانون» بزعامة نوري المالكي ، وكتلة «الحكمة» برئاسة عمار الحكيم وهذا العدد سيتجاوز المائة وأربعين مقعدا ، والعدد المتبقي المطلوب هو خمسة وعشرون مقعدا سيتم الحصول عليها من الأكراد والسنة المهرولين للانضمام للحكومة بغية الحصول على الحقائب الوزارية في هذا الصراع المحموم على المغانم والمكاسب المالية والإدارية دون أدنى اهتمام بمصالح الناخبين ومصلحة البلاد كما حدث في السابق ، ويحدث الآن».

سيناريوهات مطروحة
وتابع محدثنا القول ان هذا السيناريو يتضمن اعادة ترشيح العبادي الى رئاسة الوزراء كونه مقبولا محليا وإقليميا ودوليا، ويمسك عصاه من الوسط في التعامل مع أمريكا وإيران والاهم من كل ذلك هو تأييد السنة والأكراد لطريقته في إدارة الدولة على حد تعبيره .
واضاف «السيناريو يتضمن أيضا محاولات مقتدى الصدر افشال هذا المخطط باستخدام ضغط جماهيره في الشارع ، لكن ربما ستجبره ايران على الانضمام الى التحالف الشيعي وإغرائه ببعض الوزارات الهامة والتي سيوافق عليها في النهاية ، لترسم ايران في النهاية شكل الحكومة التي تناسب ظرفها الشائك الحالي بعد انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي ، ولتُفشل مساعي أمريكا والسعودية في وضع موطئ قدم لأيٍ منهما على الساحة العراقية ، هذا الماراثون السياسي سيكون الأطول في تاريخ تشكيل الحكومات العراقية وسيأخذ اسابيع طويلة ، قبل ان يلتئم شمل الأخوة الأعداء تحت سقفٍ واحد’’ .

المشاركة في هذا المقال