في القمة الروسية الفرنسية: «ضمان مواصلة الحوار» بين باريس وموسكو: الاتفاق حول «آلية تنسيق» في الملف السوري

«لا يزال أمامنا طريق طويل للتوصل إلى تسوية، فنحن نأخذ مسارين مختلفين تماما» ..هذا ما اكده وزير الشؤون الخارجية الألماني،

هايكو ماس، خلاله لقائه بنظيره الامريكي مايك بومبيو اول امس ويؤشر الى ان دائرة الخلاف تتسع أكثر فأكثر بشأن النووي الايراني بين واشنطن والاتحاد الاوروبي .

زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى روسيا يومي 24 و 25 ماي بدعوة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لحضور المنتدى الإقتصادي الروسي كضيف شرف كانت مناسبة لمواصلة الحوار بين الطرفين التي فتحها ماكرون خلال استقبال بوتين بقصر فرساي في ماي 2017. حسب تصريح للرئيس الفرنسي لصحيفة «جي دي دي» يوم 6 ماي الهدف من زيارته هو «الحوار الإستراتيجي والتاريخي مع فلاديمير بوتين، وربط روسيا بأوروبا حتى لا تنغلق على نفسها» وهو يرغب في «تدعيم نظام عالمي متعدد الأقطاب» تجد فيه فرنسا موقعا في اتخاذ القرار على المستوى الدولي. الحوار الذي دار بين الزعيمين شمل المسائل الحارقة: الإبقاء على البرنامج النووي الإيراني، المسألة السورية، قضايا أوكرانيا والقرم والتعاون الاقتصادي.

في كل هذه المسائل حاول الرئيس الفرنسي، بعد عدم نجاحه في إقناع دونالد ترامب بالإبقاء على الاتفاق النووي الإيراني خلال زيارته الأخيرة لواشنطن، إقناع بوتين بوجهة النظر الفرنسية الرامية لإرساء نظام عالمي متعدد الأقطاب لم تتبلور بعد ملامحه و آلياته. لكن رغبة ماكرون في إبراز الصوت الفرنسي على الساحة الدولية تدخل في إطار ضمان تواجدها في المسائل الدولية المتعلقة بالأمن الدولي ومقاومة الإرهاب وبضمان تدفق النفط والغاز بعيدا عن أي ضغط يمكن أن يعيق قدرة أوروبا على النمو. وهو نفس الموضوع الذي درسته المستشارة أنجيلا ميركل، الحليف الأول للرئيس الفرنسي، في زيارتها لسوتشي خلال شهر ماي للقاء الرئيس الروسي.

صعوبة الإبقاء على الإتفاق النووي
ركز ماكرون في حواره مع بوتين على فتح حوار جديد مع طهران في شأن مواصلة الاتفاق ما بعد 2025 وبرنامج الصواريخ البالستية والتدخل الإيراني في المسائل الإقليمية. واتضح أن بوتين تمسك باتفاق 2015 ولم يستثن حوارا إضافيا مع إيران لا يمس بالاتفاق المبرم ولا يشكل شرطا مسبقا.
لكن المرشد الروحي الإيراني علي خامنئي وضع عديد الشروط للبقاء في الاتفاق منها وفاء الدول الأوروبية بتحملها عبء شراء النفط الإيراني ومواصلة بنوكها تمويل المشاريع مع إيران لمقاومة العقوبات الأمريكية. الموقف الإيراني يريد الضغط على أوروبا من أجل أن تتحرر من القيود المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة و خاصة العقوبات المحتملة ضد الشركات الأوروبية المتواجدة في الولايات المتحدة أو تلك التي تتعامل مع إيران بالدولار. لا يرى الملاحظون ،في هذه الظروف ، إمكانية لنجاح التحرك الفرنسي بدون طرح مسألة العقوبات الأمريكية على أوروبا وبدون التحرر منها. لكن ذلك يبقى مسألة معقدة من جراء الانقسام الأوروبي حول المسألة وعدم رغبة الدول الأوروبية في الدخول في حرب باردة مع الولايات المتحدة خاصة أنها لا تملك قدرة على الحفاظ على أمنها القومي خارج الإتفاق الأطلسي.

«آلية تنسيق» في الملف السوري
في الملف السوري، وبالرغم من الخلافات القائمة ومن اصرار الجانب الفرنسي على فرض «خطوط حمراء» تتعلق باستخدام الأسلحة الكيماوية، فإن الجانبين اتفقا على ارساء «آلية تنسيق» جديدة بين مفاوضات أستانا و«مجموعة الدول المناصرة لسوريا» تحت راية الدول الغربية. إلى حد الآن لم يفلح الطرفان في إرغام النظام السوري على قبول الحوار المباشر مع «المعارضة السورية». وتواصل هذه الدول الصراع على الأرض عبر مجموعات مأجورة. لكن ضربات التحالف الدولي ضد تنظيم «داعش» والجيش السوري النظامي لم تمنع دمشق من استرجاع أكثر من 70 % من الأراضي المحررة وفتح مجالات جديدة لاسترجاع ما تبقى منها من التنظيمات المسلحة المختلفة و في مقدمتها تلك التي تسلحها وتمولها الدول الغربية ودول الخليج.

هل تنجح آلية التنسيق الجديدة في دعم التمشي نحو حل سياسي؟ سوف نرى في المستقبل إن كانت هذه الخطوة ترمي فعلا إلى التوصل إلى حل سياسي يستثني من الحوار الجماعات الإرهابية والمجموعات المسلحة ، كما ترغب فيه روسيا ودمشق، أو أن ذلك مجرد خطاب دبلوماسي يكرس ساسية «في آن واحد» التي يتوخاها الرئيس ماكرون والتي تريد أن تحافظ «في آن واحد» على التحالف مع الولايات المتحدة، مع تبعات ذلك، والحفاظ على حوار مع روسيا على محدودية جدواه الإستراتيجية.

تعاون اقتصادي ثنائي
زيارة ماكرون لروسيا لها كذلك بعد اقتصادي بحكم أنه ضيف شرف مع شينزو آبي الوزير الأول الياباني للمنتدى الإقتصادي الروسي. فرنسا تأتي في المرتبة الخامسة من الدول الأوروبية التي لها علاقات اقتصادية مع روسيا بقيمة 6،13 مليار يورو سنويا بعد ألمانيا وهولندا وإيطاليا وبولونيا. ويرغب ماكرون في تطوير العلاقات التجارية والإقتصادية مع روسيا. لذلك اصطحب في زيارته 50 رجل أعمال فرنسي للمشاركة في المنتدى.

و تم الإعلان عن توقيع 50 اتفاق مع الشركات الفرنسية دون الإفصاح عن محتواها و قيمته المالية. وهي خطوة إيجابية بالنسبة لقصر الإيليزي الذي يعمل على تنمية الاقتصاد الفرنسي الذي بدأ يتعافى خلال عام 2017. تأخر فرنسا في سلم التبادل مع روسيا يضع الرئيس ماكرون في موضع طالب الإعانة و ليس في موقع قوة على الصعيد الإقتصادي وهو ما يضعف موقفه الإستراتيجي بالرغم من الإرادة الصلبة التي يظهرها في علاقاته الدولية.

خلافات قائمة و إقرار بالدور الروسي
خلافا للأجواء الحميمية التي طغت على زيارة ماكرون لواشنطن، اتسمت القمة الروسية الفرنسية بالجدية لما للعلاقات بين البلدين من خلافات قائمة، اولها العقوبات المسلطة على موسكو من قبل أوروبا من جراء ضم القرم من قبل فلاديمير بوتين وعدم احترام اتفاق مينسك في الشأن الأوكراني و كذلك مساندة فرنسا لبريطانيا في ملف تسميم الجاسوس سرغاي سكريبال. هذه الخلافات لم تمنع الرجلين من الحوار. وتمسك بوتين بمواقفه دن التراجع على أي من الملفات التي طرحها الرئيس الفرنسي والتي تعتبرها موسكو في صلب أمنها القومي.

في الأخير يخرج بوتين مدعما من القمة الروسية الفرنسية. تبقى روسيا القوة الإقليمية العسكرية والاقتصادية التي ترغب أوروبا في بقائها في الفضاء الأوروبي الواسع، من ناحية، وفي ربط علاقات متينة معها تبعدها عن الصدام و الحرب الباردة. ويبقى بوتين المحاور الأساسي مع أنجيلا ميركل وماكرون، الثنائي القيادي في أوروبا، في شأن قضايا المنطقة الشرقية. ومع تمسكه بمواقفه في الشأن الأوكراني وفي قضية القرم، أكد بوتين أن السلم والنمو في المنطقة الأوروبية يمران عبر موسكو في ظروف أصبحت فيها واشنطن «غير مضمونة».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115