ترامب يفجّر زلزالا مدويا في الشرق الأوسط: انسحاب الولايات المتّحدة من الاتفاق النووي .. الأبعاد والسيناريوهات المتوقعة

• باحثون عرب لـ « المغرب»: المنطقة أمام منعرج خطير والقادم سيكون أكثر تعقيدا
اعداد : روعة قاسم و وفاء العرفاوي

فجر الرئيس الامريكي دونالد ترامب امس زلزالا مدويا في الشرق الأوسط والعالم بإعلانه انسحاب بلاده من الاتفاق النووي مع ايران ..ليخلط بقراره الجديد الأوراق السياسية والعسكرية مجددا ويعيد تشكيل المحاور في لعبة الأمم الكبرى التي تجري في المنطقة.كل المؤشرات كانت تنذر بإقدام ترامب على هكذا قرار خطير، مثل اعلانه قبل اشهر نقل سفارة بلاده الى القدس المحتلة لأول مرة ضاربا عرض الحائط كل المواثيق الاممية والدولية الحقوقية ، اضافة الى مواقفه المتأرجحة في اكثر من ملف ساخن في قارات العالم من ازمة كوريا الشمالية وغيرها .. وكذا تعجيله بإعلان موقفه مساء اول امس بشأن نووي ايران،بعد ان كانت المهلة النهائية لتحديد موقف واشنطن يوم 12 من شهر ماي الجاري..
لقد طغى هاجس الخوف ، من ارتفاع حدة التوتر والتوجه نحو حرب كونية شاملة وانفجار في الشرق الأوسط، على ابرز الردود الدولية الصادرة امس ردا على القرار الامريكي ..
ويمكن القول ان ترامب بقراره هذا وضع نفسه وجها لوجه امام الارادة الدولية الرافضة لمزيد تأجيج هذا الملف الصعب ..ولعل ابرز المواقف جاءت على لسان وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان امس قائلا إن الاتفاق النووي الإيراني الذي جرى إبرامه عام 2015 «لم يمت» رغم قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانسحاب منه مضيفا أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيجري اتصالا بنظيره الإيراني حسن روحاني.

وقد عبر رئيس مؤتمر ميونخ الدولي للأمن امس عن خشيته من تفاقم الوضع في الشرق الأوسط عقب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، قائلا إن الوضع هناك شديد الانفجار بالفعل بسبب النزاعات في سورية وبين إيران والسعودية أو إسرائيل، مضيفا أن وفاة محتملة للاتفاق النووي مع إيران لن تؤدي سوى إلى تفاقم هذا الوضع المتأزم. اما موقف الجامعة العربية فعبر عنه امينها العام احمد ابو الغيط داعيا الى مراجعة الاتفاق النووي الايراني .

وحقيقة الحال فان التوصل الى عقد اتفاق نووي مع ايران والغرب لم يكن سهلا وتم بعد مفاوضات ماراطونية صعبة بين ايران والدول الست اي (الصين وروسيا وأمريكا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا) وتم التوقيع على بنوده في افريل 2015 في مدينة لوزان السويسرية، حيث توصلت إيران والدول الست إلى بيان مشترك يتضمن تفاهماً وحلولاً بما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، على ان يتم انجازه نهاية جوان 2015. ووصف هذا الاتفاق بـ «التاريخي» وبانه فتح المجال لتسوية سلمية لاحدى اعتى الملفات في الشرق الاوسط ..وحظي حينها بمباركة دولية ..ونصت ابرز بنوده، على رفع العقوبات الأميركية والأوروبية بمجرد تحقق الوكالة الدولية للطاقة الذرية من أن إيران تحترم التزاماتها. لينهي بذلك ازمة استمرت 12 عاما حول برنامج إيران النووي. ولكن مجيئ دونالد ترامب الى سدة الحكم في البيت البيضاوي خلط كل الاوراق واعاد الازمة مع ايران الى نقطة الصفر ..وفسح المجال امام احتمالات عديدة - يرى المراقبون – انه من شأنها ان توسع كرة النار المتأججة اصلا في الشرق الاوسط منذ احداث 2011.

ويطرح القرار الامريكي التساؤلات حول مآلات الأزمة مع ايران وهل سنشهد انطلاق العد العكسي نحو اطلاق حرب شاملة قد تكون ساحتها سوريا او لبنان او غزة ..خاصة في ظل الحديث عن استنفار اسرائيلي استعدادا لأي مواجهة محتملة مع طهران مباشرة او غير مباشرة ، سواء عبر ضرب حلفائها في المنطقة وفي مقدمتهم حزب الله في لبنان وحماس في غزة ..او ضرب المنشآت والمواقع النووية الايرانية ..وهل تحتمل المنطقة حربا جديدة ؟

«المغرب» استقت آراء محللين وباحثين عرب حول أبعاد انسحاب الولايات المتحدة الامريكية من الاتفاق النووي مع ايران وتأثيرات هذه الخطوة على المشهد الدولي وأيضا تداعياته على الداخل الايراني ومنطقة الشرق الاوسط ككلّ.

طلال العتريسي أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية لـ«المغرب»:
«خيار الانسحاب كان متوقّعا وهو عودة الى نقطة الصفر مع ايران»
قال طلال العتريسي أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية لـ«المغرب» أن قرار الرئيس الامريكي دونالد ترامب بخصوص الانسحاب من الاتفاق النّووي يعني بالنسبة الى الادارة الامريكية الحالية العودة الى نقطة الصفر مع ايران . مضيفا أنّ تداعيات القرار بيد إيران والدول الأخرى الّتي وقّعت على هذا الاتفاق باعتبار أنّ الدول الأوروبية الأخرى لا تزال متمسّكة بالاتفاق ومنها الاتحاد الأوربي وإيران والصين وروسيا .

هل كان قرار ترامب متوقعا ؟
كل المؤشرات تدل على ان خيار الانسحاب بالنسبة لترامب كان متوقّعا ، خصوصا وأنه اقدم على تقديم الموعد من 12 الشهر إلى يوم 8 ..كان يعني أن ترامب يريد اعلان مفاجأة تنسجم مع شخصيته التي تحب هذا النوع من المفاجآت. ثانيا الفريق الذي يحيط بترامب من وزير الخارجية الى جون بولتون هم من الفريق المتشدّد ..بولتون كان من صخور المحافظين الجدد أيام جورج بوش الابن لهذا السبب كانت المؤشرات تقول أن الخيار الأقوى هو خيار الانسحاب. كان هناك احتمال لخيار آخر تحدّث عنه البعض هو ان يبقى ضمن الاتفاق ويفرض عقوبات جديدة ويطالب بمفاوضات ليكون هناك ملحق للاتفاق وهذا كان رأي الفرنسيين والأوربيين والألمان ..لكن ترامب ذهب في هذا الاتجاه لكي يثبت بأنه متميز عن سلفه اوباما الذي يعتبره ترامب ضعيفا.

ماذا يعني هذا القرار ؟وهل نسير إلى حرب في الشرق الاوسط؟
هذا القرار يعني ان الولايات المتحدة الامريكية لا تفي بالتزاماتها اولا ، ويعني بالنسبة الى الادارة الامريكية الحالية عودة الى نقطة الصفر مع ايران ..وكان كل المفاوضات التي حصلت طوال السنوات الماضية والاتفاق الذي اعلن وأيدته واشنطن كأنّه لم يكن هذا يعني ان كل الاتفاقيات التي عقدت سابقا كأنها لم تكن . اما عن تداعيات القرار ،فالكرة في ملعب ايران والدول الاخرى التي وقعت على هذا الاتفاق فالسؤال ليس فقط ماذا ستفعل ايران بل ماذا ستفعل الدول الاخرى التي لا تزال متمسكة بالاتفاق ومنها الاتحاد الأوربي وإيران والصين وروسيا .. موغريني ممثلة الاتحاد الأوروبي مباشرة بعد خطاب ترامب عبّرت عن موقف حازم وغير متردد بالتمسك بالاتفاق وبان طرفا واحدا لا يستطيع الغاؤه.

ماذا يمكن ان يفعل هؤلاء؟
من جهة ثانية ، ايران ايضا لم تذهب للانسحاب من الاتفاق مباشرة ، لأنها برأيي تريد ان تعطي هذه الدول المتمسكة بالاتفاق فرصة لاختبار هل تستطيع ان تفعل شيئا وان تشكل بيئة دولية ضاغطة وهل تستطيع ان تعمل مع هذه الدول لتطبيق الاتفاق دون الولايات المتحدة .وهذه اسئلة مطروحة بالنسبة للمرحلة المقبلة.

ماذا عن القواعد الامريكية التي يمكن ان تكون هدفا لأي رد ايراني؟
القواعد الامريكية موجودة في اكثر من دولة في المنطقة، في قطر ، البحرين، الإمارات وكان هناك قاعدة في السعودية تم نقلها الى الكويت ..لكن لا اعتقد ان ايران ستستعجل الرد على القواعد الأمريكية فإذا اندلعت الحرب الكبرى حينها تصبح هذه القواعد اهدافا عسكرية للصواريخ الايرانية ..ولهذا السبب تحدث ترامب عن الصواريخ الباليستية الايرانية فهو يعتبر ان هذه الصواريخ هي التهديد والبرنامج النووي ليس تهديدا ولا يمكن لأحد ان يستخدم القوة النووية كما ان كل التقارير الدولية للوكالة النووية تؤكد ان ايران اوقفت برنامجها العسكري النووي .لأن الصواريخ يمكن ان تطال القواعد الامريكية وإسرائيل هم يريدون ان تكون الصواريخ جزءا من الاتفاق النووي ..

المحلل السياسي العراقي منتظر ناصر لـ«المغرب»
«طهران أمام مفترق حاسم»
قال الكاتب العراقي منتظر ناصر لـ«المغرب» أنّ القرار الامريكي الذي اتخذه ترامب مهد له منذ فترة بدأت منذ انسحابه من اتفاقية المناخ الدولية والتي احدثت ضجة انذاك وقد كانت تمهيدا للقرار الذي اطلقه ترامب امس الاول بخصوص ايران .وأضاف ان القرار مهم جدا للولايات المتحدة الامريكية من جهة الضغط على ايران وإعادة العقوبات المفروضة عليها من اجل تحقيق اهداف امريكا السياسية في منطقة الشرق الاوسط.

وتابع ناصر «بعد صدور القرار يبدو ان هناك شبه اتفاق خفي بين امريكا والدول الاوروبية وأولها فرنسا وألمانيا يقضي بانسحاب واشنطن والتزام الدول الاوربية منها ، وهو ما سيشكل ضغطا كبيرا على طهران من باب انها امام مفترق طرق اما الانسحاب او تعلن الالتزام بهذا الاتفاقية وبذلك ستخسر ايران «.
وتابع محدثنا ان ايران ربما ستحاول التدخل او اظهار مزيد من الاضطرابات في مناطق نفوذها سواء في سوريا او لبنان او اليمن او غيرها من البلدان ، لكن ذلك سينعكس سلبا على طهران باعتبار ان ذلك سيظهرها بالمظهر الذي يتهمها به الامريكان بأنها راعية الاضطرابات والتنظيمات الارهابية في المنطقة كالقاعدة و«داعش» وفق تعبيره.
وأضاف الكاتب العراقي ان «هذا ربما ستنتبه له السياسة الايرانية وقد تمنعه البراغماتية الايرانية العالية ، وذلك عبر لجم توجهات الحرس الثوري الايراني في محاولة الضغط على مصالح أمريكا وحلفائها في المنطقة من وجهة نظري ايران سترضخ بعد مخاض عسير لشروط ترامب الملزمة». وأكد محدّثنا الرئيس الامريكي دونالد ترامب يقود مشروعا بدعم خليجي واضح ودعم اوروبي خفي لإعادة ايران الى حجمها الطبيعي في المنطقة . وأضاف « نحن نعرف ان مستوى ايران الطبيعي قبل 2003 كان مختلفا لان القوة العراقية الهشة في عهد صدام تحافظ على التوازن بين القوى الاقليمية الفاعلة في المنطقة ، السعودية من جهة ايران من جهة تركيا من جهة لكن بعد سقوط النظام العراقي اصبحت المعادلة مختلفة وتمكنت ايران من التمدد في مناطق أخرى مثل سوريا والعراق واليمن».

الكاتب السوري أنور السالم لـ«المغرب»
«مرحلة مابعد الانسحاب ستكون حاسمة»
قال الكاتب والمحلّل السياسي السّوري أنور السالم لـ«المغرب» انّ خطوة ترامب الاخيرة بخصوص الانسحاب الامريكي من الاتفاق النووي مع ايران تأتي كنتيجة حتمية ومتوقعة للتهديدات التي اطلقها دونالد ترامب منذ انطلاق حملته الانتخابية قبل اكثر من عام .
واعتبر الكاتب السوري أنّ الأخطر من الانسحاب الأمريكي هو ما سيلي هذا القرار سواء على الصعيد الدولي أو الإقليمي والشرق الاوسط بصفة خاصة معتبرا ان ماحصل من تراجع امريكي عن تنفيذ التزاماتها يأتي في اطار محاولاتها كبح جماح ايران في المنطقة وفي عدة دول من بينها سوريا والعراق ولبنان خشية تنامي نفوذ طهران فيها وهو مايٌقلق واشنطن بدرجة اولى وحلفائها في المنطقة وفق تعبيره.

وتابع محدّثنا انّ «سياسة أمريكا تجاه إيران ستشهد تحولا وتصادما كبيرين في الاونة المقبلة بمساندة كل من «اسرائيل’’ وايضا دول الخليج واولهم المملكة العربية السعودية على اساس المصالح المتبادلة للطرفين في منطقة الشرق الاوسط ، والذي بدأت ملامحها تتضح من الزيارات الدبلوماسية المتبادلة بين البلدين وأيضا تقارب وجهات النظر بين السلطتين ازاء عدد كبير من الملفات الدولية والإقليمية وأهمها النفوذ الايراني الذي يؤرق دول الخليج».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115