Print this page

الكاتب والمحلّل السياسي اللبناني حمزة الخنسا لـ«المغرب»: «نتائج الانتخابات اللبنانيّة ستُحدّد وجهة سياسة البلاد الخارجية للمرحلة المقبلة»

قال الكاتب والمحلل السياسي اللبناني حمزة الخنسا لـ«المغرب»

أنّ الانتخابات النيابية التي ستجرى في لبنان غدا الاحد تعيد للبنانين حقهم الديمقراطي باختيار ممثلين في البرلمان بعد تعطّل الانتخابات في لبنان لنحو 9 سنوات . واضاف الخنسا ان الانتخابات الحالية هي امتحان أحجام غير مسبوق لأحزاب وتيارات سياسية كبيرة في البلاد.

• أوّلا لو تقدّمون لنا قراءتكم للاستحقاق الإنتخابي الّذي سيعيشه لبنان الأحد بعد سنوات من التّعقيدات السياسيّة ؟
يعود اللبنانيون الأحد إلى ممارستهم حقهم الديمقراطي باختيار ممثلين في الندوة البرلمانية بعد تعطّل الانتخابات في لبنان لنحو 9 سنوات، كان التمديد خلالها للمجلس النيابي سيّد الموقف، بعد تعذّر الاتفاق على قانون للانتخابات بين الفرقاء. ويتميّز قانون الانتخابات لهذه السنة بأنه ساهم في إنهاء الانقسام العمودي الذي كان سائدا منذ لحظة اغتيال الرّئيس رفيق الحريري عام 2005 وتداعيات هذا الاغتيال السياسي وما نتج عنه من معسكرات سياسية متعادية، أبرزها فريقا «8 و14 آذار››.

يخوض المجتمع الحزبي والسياسي اللبناني هذه الانتخابات بتداخل مصلحي - انتخابي فرض تحالفات هجينة بين قوى ظلّت إلى الأمس القريب متصارعة في ما بينها. فنجد قوى سياسية تتحالف في بعض الدوائر وتتنافس في أخرى. وهذه الحال هي بالطبع ثمرة لقانون الانتخابات الذي لقي الكثير من الانتقادات، لكنّه في هذه الظروف سيساهم في تحديد أحجام القوى السياسية. إذ تبدو أحزاب وتيارات كبيرة في البلاد أمام امتحان أحجام لم تختبر مثله من قبل، ولعل المعركة التي تنتظر تيار المستقبل في بيروت خير دليل.
وشجّع القانون الانتخابي أحزابا وتكتلات صغيرة نسبياً، إضافة إلى ناشطين في المجتمع المدني، على تشكيل لوائح لخوض الانتخابات، مستفيدين من تلاشي الاصطفاف المزمن بين معسكري «8 و14 آذار»، وتبَدُّل التحالفات والشعارات الانتخابية والسياسية بشكل عام، وفتْح الباب عريضاً أمام القوى والأحزاب لنسج تحالفات مصلحية تؤمّن لها أكبر عدد ممكن من المقاعد النيابية.
إذاً، فإنّ العنوان العريض للانتخابات النيابية التي سيشهدها لبنان الأحد، يتلخّص في تداخل المصالح الانتخابية بين القوى السياسية المختلفة، ما خلق مشهداً جديداً من التحالفات، بعضها يمكن أن يستمر إلى ما بعد السابع من ماي (يوم إعلان النتائج)، وبعضها تنتهي مدّة صلاحيته ومفعوله.

• وفي مصلحة أيّ القوى السياسية سيصب قانون النسبيّة الذي ستجرى على أساسه الانتخابات وذلك للمرة الأولى في تاريخ البلاد؟
من المعروف في لبنان أن القوى المنضوية تحت لواء فريق 14 آذار الموالي للسعودية والغرب، كانت ترفض قانون النسبية، وهي عملت قدر إمكانها على وضع هوامش وضوابط لأي قانون يعتمد النسبية لتضمن ما أمكن من مكاسب ووجود وازن. وكما هو معروف، فإن أي قانون انتخابي يتم إقراره إنما يعبّر عن موازين القوى بين الأطراف الحاكمة، وهو يأتي كثمرة لتوافق هذه القوى ولو على الحدّ الأدني، وهذا ما شهدناه في لبنان بحصيلة الاتفاق على القانون الانتخابي الحالي.
كما تشير الإحصائيات المنشورة في لبنان، فإنه في آخر انتخابات جرت في لبنان عام 2009 وفق القانون الأكثر، حصلت قوى 8 آذار على 150 ألف صوت أكثر من قوى 14 آذار، لكنها حصدت مقاعد أقل بـ15 مقعداً، وهذا يفسّر أن القانون النسبي هو يعبّر عن الحجم التمثيلي الحقيقي لقوى 8 آذار.وهذا ما يفسّر التداخل الكبير الحاصل اليوم بين هذه القوى، والتحالفات الهجينة التي ظهرت. ما يعني أن الجميع يسعى للحفاظ على ما أمكنه من حجم.إلا أن حزب الله يبدو الأكثر ارتياحاً حتى الساعة. فهو كان من أوائل القوى التي أعلنت عن لوائحها وتحالفاتها الثابتة وفي مقدمتها التحالف الأساسي مع حركة أمل.

• ماهي توقعاتكم لنتائج الانتخابات؟
تعيش الأحزاب وماكيناتها الانتخابية حالة من الغموض غير المعتادة عشية إنطلاق الاستحقاق الانتخابي. فعلى عكس القانون الانتخابي القديم، لا يسمح القانون النسبي مع الصوت التفضيلي للماكينات الانتخابية بمعرفة النتائج مسبقاً، خصوصاً وأن المنافسة على الصوت التفضيلي تشتد بين المرشحين على اللائحة الواحدة.
إلا أن بعض التقديرات الصحافية تتحدّث عن ان القانون الجديد سيعيد تحجيم كتلة «المستقبل» النيابية من 34 نائباً إلى نحو 24 نائباً. وتشير تقديرات أخرى الى أن الثنائي حزب الله وحركة أمل سيحصد بين 26 و27 مقعداً، فيما من المتوقع أن تنخفض كتلة «التغيير والإصلاح» التابعة لـ«التيار الوطني الحر» من 27 نائباً إلى دون 22 نائباً. فيما من المتوقع أن تحصل كتلة «القوات اللبنانيّة» على كتلة نيابية مؤلفة من نحو 12 نائباً كحد أقصى، بعد أن كانت تضم 8 نواب. في حين من المتوقع أن تنخفض كتلة النائب وليد جنبلاط من 11 نائباً إلى 8 نواب. ومن المرتقب أن تتشكّل تكتلات نيابية تجمع عدداً من الكتل والأحزاب، على غرار ما كان حاصلاً في برلمان 2009.

• ماذا على الصعيد الدولي هل سيكون لتموقع لبنان الخارجي اقليميا بالخصوص تأثير على سير الانتخابات في الداخل ؟
تُشكّل الانتخابات النيابية محطة مهمة في المرحلة الحالية التي يمرّ بها لبنان. ولم يعد خافياً على أحد حجم التدخّل السعودي في الانتخابات عبر تيار المستقبل وبعض التيارات والشخصيات التابعة لها في لبنان. فالسعودية تحاول جاهدة محاصرة حزب الله تمهيداً لمواجهته في الداخل. واحتجاز الرئيس سعد الحريري في الرياض، وما ظهر لاحقاً من تفاصيل حول طريقة احتجازه والشروط والطلبات والضغوط السعودية، تكشف حجم التوجّه السعودي لمواجهة الحزب.

ستشكل الانتخابات حلقة جديدة من مسلسل المواجهة السياسية مع السعودية وأتباعها في لبنان، لذا تحرص الرياض على ممارسة ما أمكنها من ضغوط للتأثير على نتائج هذه الانتخابات.
لكن ووفقاً لما هو متوقع، فإن نتائج الانتخابات المقبلة ستخلق مشهداً سياسياً لا ترغب السعودية به كثيراً. فالتوازن الموجود حالياً في البلاد مرشح للإستمرار إلى فترة جديدة، مدعوماً من المشهد الجديد الذي سيظهر بعد 6 ماي. وتكتسب الانتخابات النيابية أهمية خاصة، لأن نتائجها ستحدّد وجهة سياسة البلاد الخارجية للمرحلة المقبلة، وهي مرحلة دقيقة ترتبط

بمسارات دولية حسّاسة على علاقة مباشرة بملفات بالغة الأهمية «صفقة القرن» ومتفرعاتها، وملف النفط والغاز.
أما بخصوص الأمن، فلا يبدو ان ثمة قرار كبير بتفجير الوضع الأمني في لبنان. فالسعودية، ومعها بعض العواصم المهتمة بالشأن اللبناني، لم تتخذ بعد مثل هكذا قرار، لقناعتها بعدم جدواه في المرحلة الحالية. فالتوازنات المتحكمة بالوضع اللبناني لا تسمح بنجاح أي مغامرة أمنية،وهذا ثبت بالتجربة والبرهان لدى بعض الذين كانوا متحمّسين لإدخال لبنان مرحلة «التسخين الأمني».

المشاركة في هذا المقال