الأزمة السياسية تدخل عامها الثامن دون أن تلوح بوادر انفراجها: أين القبائل حيال ما يجري في ليبيا وأية أدوار قد تلعبها لبلوغ برّ الأمان ؟

لعبت القبائل الليبية عبر تاريخ البلاد المعاصر دورا محوريا في الحفاظ على وحدة ليبيا ، وحتى عندما كانت البلاد مقسمة لثلاثة اقاليم برقة

طرابلس وفزان كانت القبائل في الواقع تحمل مفاتيح الحلّ، وبعد توحّد البلاد واصلت القبائل ايضا لعب دورها الفاعل لكن تقلص نفوذها نسبيا.

حسابيا تضم ليبيا حوالي 160 قبيلة وعادة ما تتواجد في المدينة الواحدة قبيلة كبيرة تحتكر السلطة وتتقاسم في مدن أخرى قبيلتان فأكثر السلطة،وباستيلاء معمر القذافي على الحكم قام بدعم القبائل والعمل على اغراء الاعيان بالمناصب والأموال .وكان من النّادر جدا ان لا يذكر القذافي في خطاباته دعم قبيلة او اكثر وطيلة عقود حكم القذافي لم يعين أيّ مسؤول رفيع من خارج القبائل الكبيرة ورفلة المقارحة ورشفانة العبيدات الربايع العواقير وغيرها .

وبسقوط نظام القذافي في 2001 يتساءل المراقبون اين القبائل وأعيانها وكيانهم الرسمي المعروف بالمجلس الاعلى للقبائل والمدن الليبية ،ما الذي يجري في البلاد وأية ادوار سياسية يمكن ان يلعبها الاعيان وهل حقا مازال بإمكانهم الاسهام في تنفيذ التسوية السلمية للازمة الليبية ؟

قبل الاجابة عن هذه الاستفهامات جدير بالتنويه أنّ المبعوث الأممي الحالي غسان سلامة سبق أن أكّد أنّ ليبيا يحكمها نموذج قبلي ويجب أخذه بعين الاعتبار وعدم القفز عليه، وما ذكره سلامة يحتوي على اجابة عن جزء من السؤال وهو المتعلق بالدور الممكن للقبائل الليبية التي تقف مكتوفة الايدي حيال الاحداث المتسارعة على الساحة المحلية .فبعد سقوط راس النظام وانهيار اجهزة الدولة تباعا وانقسام وتشرد المؤسسة العسكرية ، اندلعت الحرب الاهلية التي صورها الاعلام المحلي والدولي بالصراع المسلح بين المدن وبين اطراف قبلية داخل المدينة الواحدة والحال والواقع ان الحرب والمواجهات التي عرفتها الزاوية ورشفانة والزنتان والمشاشية ومصراتة وتاورغاء، هي حرب اهلية بأتم معنى الكلمة وفيها بذل اعيان القبائل دورا كبيرا لوقفها ولو لم تبذل تلك القبائل الجهود لكانت في ليبيا اليوم اكثر من تاورغاء .

بمعنى اخر لا يمكن لعاقل ان يتجاهل اهمية دور مشايخ القبائل في تفعيل المصالحة الوطنية الشاملة كما انه لا يمكن الحديث عن تطبيق اي اتفاق تسوية سياسي دون تسوية القبائل، وانطلاقا من هذا تعثرت مساعي تنفيذ مخرجات حوار الصخيرات حتى بعد تعديله. وتتهم القبائل الليبية المنظمة الاممية من قبل تعيين المبعوث الحالي بإقصائهم من اي اتفاق تسوية سلمية للازمة.وعلى مدى سنوات الازمة رفضت القبائل حضور اية اجتماعات تعقد خارج ليبيا ونظمت القبائل ما لا يقل عن ثلاثة ملتقيات للمجلس الاعلى للقبائل دون حضور البعثة الاممية وهذا الانقطاع للتواصل ما بين الاعلى للقبائل والبعثة الاممية انعكس بالسلب على تقدم الحل السلمي للازمة الراهنة .

مع ان هذا التنافي بين المجلس الاعلى للقبائل والبعثة الاممية الطرف الراعي للحوار انما هو في غير صالح لليبيين وممثلو القبائل اذ ارادوا صنع السلام في وطنهم فما عليهم سوى التعاون مع الامم المتحدة من خلال بعثتها لدى ليبيا .

خطوط حمراء
يرى متابعون لمسار الحلّ السلمي وخاصة خارطة الطريق الاممية بان حديث سلامة عن المصالحة الوطنية الشاملة وانجاز الاستفتاء عن الدستور بعيد عن الواقع الذي يؤكّد بأنّ مسودة الدستور مرفوضة من قبائل برقة بالكامل ،بالإضافة الى أنّ قبائل جبل نفوسة وزوارة الامازيغ يرفضون الدستور وقاطعوا هيئة الصياغة منذ انتخابها كما ان المجلس الاعلى للقبائل له تصوّر خاصّ بالمُصالحة ويشترط تفعيل العفو العام في حين يعرقل تيار الاسلام السياسي تفعيل العفو العام نكاية في انصار القذافي .

لاءات وخطوط حمراء رفعها المجلس الاعلى للقبائل تقريبا افرغت خارطة طريق الامم المتحدة من مضمونها ،ولم تترك منها غير عنصر واحد وهو الانتخابات العامة هذه حقيقة يدركها غسان سلامة نفسه ولربما لذلك لم يعد يتحدث كثيرا عن الاستفتاء على الدستور والمصالحة الوطنية.واضحى يتحدث عن الاتفاق بين مجلس الدولة ومجلس النواب وعن تعديلات الاتفاق السياسي ثم الذهاب الى بعث حكومة وحدة وطنية.

المبعوث الاممي غسان سلامة يدرك ما تريده كل الاطراف وتبعا لذلك بإمكانه فعلا دعم الحل السلمي لكنه في المقابل لا يستطيع فعل ما يتطلبه الموقف من خطوات وإجراءات.

المشهد القبلي والمؤسسة العسكرية
يمكن اعتبار -وباعتراف اغلب الدول- ان الضابط المتقاعد خليفة حفتر نجح في تكوين خبراء جيش شبه نظامي .وفي اقليم برقة الذين ينتمون حاليا لقوات حفتر هم من القبائل الكبيرة في برقة العبيدات العواقير البراعصة المنفى المغاربة الدرسة، نفس الصورة تنطبق على المجموعات المسلحة في طرابلس وغرب البلاد النموذج القبلي في البلاد يطبع كل المجالات والأنشطة ومن الصعوبة بمكان ان نشهد خلال السنوات القادمة القريبة تخلص ليبيا من القبليّة .

والاستثناء الوحيد في الوقت الراهن هو تواجد فائز السراج على راس المجلس الاعلى الرئاسي لحكومة الوفاق دون ان يكون له قبيلة وهو مدعم من المجتمع الدولي والشرعية الدولية ،وفي هذا السياق يولد سؤال من رحم الازمة الليبية اذا كان رئيس حكومة اخر غير السراج وكان ينحدر من احدى قبائل ليبيا الكبيرة هل كان سيحظى بدعم داخلي محلي وكيف سيكون تأثير ذلك على الاتفاق السياسي ؟

يشار الى ان بعض الاطراف لا تدعم السراج لعدم وجود غطاء قبلي لديه وهو مادفع بالسراج للرهان على المجتمع الدولي بدل الاتجاه للداخل الليبي والاتصال المباشر بالشعب. وهو مايجعل الفجوة كبيرة بين السراج والأعلى للقبائل فالرجل لا يعترف بالقبيلة ويعمل على دعم بناء دولة مدنية يسودها القانون، في حين يصمم الاعلى للقبائل على الحفاظ على مكاسب ومنافع اعتاد النظام السابق منحها اياه مقابل الولاء والطاعة العمياء

قبائل حلّت محلّ الجيش
انهارت الدولة وتم حل الجيش وسادت حالة من الدمار بسبب ضربات الناتو مما جعل عملية اعادة بناء المؤسسة العسكرية صعبة جدا في ظل الانقسام السياسي والنزاعات القبلية، فصعود 3 حكومات موازية وكذلك انتشار السلاح والجريمة حيث نجد قبائل مصراتة الترهونة الى الزنتان من اكثر القبائل التي تمتلك عددا كبيرا من الاسلحة الثقيلة من دبابات وصورايخ الجراد والمدفعية وتعارض تلك القبائل دخول اية قوات اخرى الى مناطقها بقوّة هذا السّلاح.

كل هذا زاد من تعقيد مساعي توحيد الجيش الجارية منذ اشهر في القاهرة وبدعم دولي ، اذ ان سلطة القبائل لا تعترف بحدود في ليبيا ما بعد 2011 ففي اغلب المدن تتقاسم القبائل النفوذ على المؤسسات السياسية المصارف القضاء الامن النفط وغيره،اذ اصبحت تلك المؤسسات السياسية تحت حماية القبيلة الفلانية، ولسنوات طويلة سيطرت قبيلة المغاربة في اجدابيا على قطاع النفط من خلال شخص ابراهيم الجضران امر حرس المنشآت النفطية ومنع المعني بقوة السلاح حكومة طرابلس من الاستفادة من ايرادات النفط، واجبر رئيس الحكومة حينها علي زيدان على القدوم الى طبرق والتفاوض حول تصدير النفط.

الثابت ان المشايخ من خلال المجلس الاعلى للقبائل يتحملون جزءا من المسؤولية ازاء تواصل حالة الفوضى والانقسام السياسي الحاصل وسيطرة المليشيات المسلحة الخارجة عن القانون ،وكان الأجدر أن ترفع القبائل الغطاء الاجتماعي وإتاحة المجال للحكومة لفرض القانون وردع المخالفين وصمت القبائل عن خروقات المليشيات بلغ درجة اختطاف واحتجاز مسؤولين سياسيين رسميين ومثال ذلك علي زيدان والنوري ابو سهمين .

ويرى متابعون انه بإمكان المجلس الاعلى للقبائل التدارك من خلال ملتقى وطني يمثل جميع قبائل البلاد بحضور البعثة الاممية وكل من بعثة الجامعة العربية والاتحاد الافريقي ،ويخرج الملتقى بميثاق وطني ملزم لكل من فيهم الفرقاء السياسيين والعسكريين وتضمن الامم المتحدة تنفيذه بالشراكة مع الاعلى للقبائل ويتم في الميثاق الدمج بين مضمون خطة غسان سلامة التي تبناها مجلس الامن الدولي وما تتفق عليه القبائل في الملتقى المقترح من نقاط مثل تفعيل قانون العفو العام وفي هكذا حال وخطوة سوف لن يعرقل لا البرلمان ولا مجلس الدولة التعديلات على الاتفاق السياسي كما يمكن للميثاق المذكور ان يقر اليات جمع السلاح تحت رعاية المجلس الاعلى للقبائل .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115