الكاتب والمحلل السياسي اللبناني حمزة الخنسا لـ«المغرب›› : «مواجهات إيران ذات بعد سياسي مطلبي شأنها شأن عديد الدول لكن الخطير أن يتم استغلالها من أطراف خارجية»

قال الكاتب والمحلل السياسي اللبناني حمزة الخنسا في حوار لـ«المغرب» أنّ ‹›الاحتجاجات الشعبية الدائرة في إيران قامت على خلفية مطلبيّة محقة شأنها

في ذلك شأن ما يجري في دول كبرى كالولايات المتحدة الأمريكية››،مضيفا انّ رفع بعض المتظاهرين سقف المطالب بشكل مبالغ فيه وتحوّله إلى مطالب سياسية بسقف عالٍ وصل إلى حدّ المطالبة بإسقاط النظام الإسلامي هو ماجعل الامور تتطور بشكل متسارع. واكد الخنسا ان الطرف الامريكي والسعودي يحاولان استغلال التحركات الحاصلة في إيران كورقة في حرب النفوذ التي تقودانها ضد طهران .

ماهي قراءتكم لما يحصل اليوم في ايران ؟
بعيداً عن الصورة النمطية للأنظمة الديكتاتورية التي يحاول الإعلام الخليجي والغربي تعمميها على إيران، فإنّ حقيقة الوضع السياسي - الاجتماعي في إيران مختلف كلياً عمّا هو عليه في دول إقليمية بارزة في المنطقة مثل السعودي تحديداً.
فالحياة السياسية في إيران تتميز بحركية عالية وتنافس حيوي يستفيد من الهامش الواسع للحريات السياسية والدينية التي يوفّرها نظام الجمهورية الإسلامية للجماعات السياسية والدينية في البلاد. وعليه، فإن هذه الحركية والتنافسية تولّد في كثير من المفاصل الأساسية من حياة إيران، مواجهات على أساس سياسي - مطلبي تُترجم في كثير من الأحيان على شكل مظاهرات في الشارع لا تخلو من العنف. شأنها في ذلك شأن ما يجري في دول كبرى كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وغيرهما.
وعليه، فإن الاحتجاجات الشعبية الدائرة في إيران منذ أيام، قامت أساساً على خلفية مطلبية محقة، احتجّ المتظاهرون الذين خرجوا في محافظة مشهد في بادئ الأمر على سياسات حكومة الرئيس روحاني الاقتصادية وغلاء الأسعار والتضخّم والبطالة، وهي مطالب وشعارات مطلبية اجتماعية كانت في الأساس تشكّل ركائز برنامج الرئيس روحاني الانتخابي، شكّلت العنوان الرئيس لمعسكر الإصلاحيين الذين رشّحوا روحاني وأعطوه أصواتهم في الدورتين الرئاسيتين اللتين فاز بهما على التوالي.
منطلقات الاحتجاجات اليوم تختلف جذرياً عمّا حصل عام 2009 بعد إعادة انتخاب الرئيس نجاد، حيث خرجت في حينه مظاهرات مؤيدة للإصلاحيين. على العكس من ذلك، خرج معسكر الإصلاحيين ضد الرئيس روحاني، لأسباب اقتصادية - معيشية، خشية خسارتهم الانتخابات المقبلة، فضلاً عن تعارض وجهات نظرهم في العديد من القضايا الداخلية الأخرى.

ماهي حقيقة المشهد المتفجر اليوم في ايران وماهي اسبابه وأبعاده داخليا وخارجيا ؟

على الأرض، تطوّرت الأمور بعدما رفع بعض المتظاهرين سقف المطالب بشكل دراماتيكي، وتحوّل إلى مطالب سياسية بسقف عالٍ وصل إلى حدّ المطالبة بإسقاط النظام الإسلامي. وعلى الفور لاقت هذه الأطراف دعماً إعلامياً غير محدود من وسائل الإعلام الغربية والخليجية التي بدأ ببث التقارير المضخّمة وذهبت في كثير من الأحيان إلى استخدام صوَر ومقاطع فيديو من مظاهرات وأحداث جرت في البحرين وسوريا والعراق.
ترافق الاداء الإعلامي هذا مع اهتمام أمريكي من أعلى الهرم، حيث عبّر ترامب ونائبه عن دعمهما للمظاهرات على الأرض واستعدادهما لفعل المزيد من أجل إنجاحها في تحقيق أهدافها. هذه التصريحات والتدخلات دفعت أعداداً كبيرة من المتظاهرين الى ترك الشارع، الذي بقي الآن حكراً على جماعات باتت معروفة التوجه والإدارة لدى السلطات الإيرانية، التي سارعت إلى الربط بينها وبين تصريح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي قال فيه: «لن ننتظر حتى تصبح المعركة في السعودية، بل نعمل على أن تكون المعركة لديهم في إيران». فقد اعتبر أمين مجلس الأمن القومي الايراني ​علي شمخاني​ أن «السعودية​ تنفق الأموال وأنشأت أجهزة ووظفت خبراء ووجهتهم ضمن خطة سياسية ضد إيران».
وفقاً لهذا، من المتوقع أن تصبح السلطات الإيرانية أكثر حزماً في التعاطي مع أي تحرّكات مماثلة على الأرض، خصوصاً وأن أكثر من مسؤول رفيع فيها قد حرص على التمييز بين المظاهرات السلمية وأعمال الشغب المرتبطة بأجندات خارجية. وكون المتظاهرين العشوائيين الذين لا يُعرف لهم قائد أو زعيم سياسي كان أم شعبي، قد تسرّعوا في رفع سقف مطالبهم وصولاً إلى إسقاط النظام، إلا أنهم لم يُجمعوا على مطلب واحد، ما يدل على عشوائية التحرّكات وفوضويتها. هذا الوضع جعل حكومة الرئيس روحاني في موقع الدفاع عن النظام بشكل عام، لا عن وجودها كسلطة حاليّة، ما سيساهم في توحيد الموقف السّياسي العام خلفها إلى حين عبور هذه المرحلة.

الى اي مدى يرتبط تفجّر المشهد الإيراني الداخلي بالهجمة الدوليّة والإقليمية المستمرة ضد طهران ؟
من المعروف أن المحاولات الغربية لاستهداف إيران بسبب دعمها المتواصل للمقاومة، مستمر منذ نشأة الجمهورية الإسلامية عام 1979، وفي هذا الإطار تأتي محاولات إدارة ترامب استغلال التحركات الحاصلة على الأرض في أكثر من منطقة في إيران.
وواضح أن إدارة ترامب منذ وصولها إلى البيت الأبيض تحرص على إبقاء أعلى درجات التوتر هي الحاكمة في التعامل مع إيران. ووضعت هذه الإدارة إيران على «لائحة الانتظار» منذ أن تبنى ترامب في خطابه في أكتوبر الماضي نهجاً أكثر مواجهةً مع إيران متهماً إياها بدعم الإرهاب ومتوعداً بمزيد من الخطوات ضدّها، لن يكون إلغاء الاتفاق النووي آخرها. بالطبع نهج ترامب الصدامي مع إيران غير منفصل عن توجّهات السعودية وبعض الدول الخليجية التابعة لها، وهو أيضاً غير منفصل عن ثوابت السياسة الإسرائيلية تجاه إيران. هذه العوامل كلها تجمّعت وتبلورت في القمة السعودية الأمريكية التي عُقدت في الرياض وجمعت الملك سلمان بالرئيس ترامب، ووضعت ملامح المرحلة المقبلة للمنطقة برمّتها، بدءًا من فلسطين وصولاً إلى إيران.

كيف ترون مستقبل المنطقة وهل ستنجح حكومة روحاني في تطويق التوتر مثل 2009 ام سنشهد تطورات اخرى ؟
وعليه، فإن السعودية بصفتها أكبر المتحمّسين لأي جلبة قد تحدث في إيران، فإنها تجد نفسها من أكثر المعنيين في لعب دور ما في هذه المرحلة، إن كان عبر تسخير إعلامها وعلاقاتها لتأجيج الموقف في إيران أو لجهة التورّط بالقدر الذي تسمح به قدراتها، وبحسب تطوّرات الموقف، ومدى تفاعله على الأرض.
الحديث عن أوجه «الاستفادة» الأمريكية والسعودية مما قد يحدث على الأرض في إيران يبقى ضمن السيناريوهات التي ترسمها الدولتان لمثل هذا الموقف، غير أن للحكومة الإيرانية حسابات أخرى وردود فعل مبنية على حقيقة الأمر على الأرض. فطهران إلى الآن تنظر إلى ما يحدث من زاويتين:
- الأولى: الاعتراف بوجود مشاكل اقتصادية ومعيشية دفعت بالعديدين الى النزول إلى الشارع للتعبير عن غضبهم من ضمن الآليات الديمقراطية التي يكفلها الدستور الإيراني.
- الثانية: محاولات خارجية باتت مكشوفة لاستغلال التحركات على الأرض من أجل تأجيج الموقف تمهيداً للاستفادة من تداعياته. وبالتالي، فقد كوّنت السلطات الأمنية المختصة فكرة شاملة عن الأطراف المحرّكة لبعض أعمال الشغب على الأرض وباشرت فعلاً بتوقيف عدد منهم.
إلا أن الأهم من ذلك، وعلى الرغم من أن الأخذ بعين الاعتبار تهديدات ترامب وتصريحات ابن سلمان، فإن السلطات الإيرانية لاتزال إلى اللحظة تتعامل مع الموقف، بحسب حجمه، كأي عمل احتجاجي تشهده أي دولة في العالم.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115