صفقة القرن بين مؤتمر كامبل بانرمان وإعلان ترامب

منال غزواني: باحثة في القانون العام والعلاقات الدولية

يقول ديل كارنيجي تذكر ان اليوم هو الغد الذي كنت قلقا عليه بالامس فبالامس قام المؤتمرون والمتآمرون على المنطقة العربية في مؤتمر كامبل بنرمان سنة 1905 بتقسيم العالم الى ثلاث فئات ، بما يضمن عدم تهديد الحضارة المسيحية الغربية والعمل على تفتيت هذه المنطقة بشكل يمنع تحركها في شكل وحدة بعدما استشعرت القوى الاستعمارية المجتمعة حينها الاهمية الاستراتيجية للمنطقة التي يقطنها العرب وخطورة تلك الشعوب التي لها نفس الدين واللسان والثقافة والتاريخ .

وتبعا للأهداف الكبرى للقوى الاستعمارية جاءت فكرة البحث عن زرع حاجز بشري غريب بتلك المنطقة، يمكنها من السيطرة على الثروات فيها وعلى الموقع المانع للتطور الامبراطوري الالماني والامبراطوري العثماني بل المفكك لهما ، والموصل لهذه القوى وعلى رأسها بريطانيا لأسيا ولإفريقيا في ان واحد ، وهذا الحاجز بين المغرب والمشرق يتمثل بزرع كيان غريب يلعب دور المخل بمجمل التوازنات الاستراتيجية لمجمل نسيج هذه المنطقة ويمنعها من كل اسباب التطوّر والإمساك بتوازنها الذاتي ، ويكون هذا الكيان حليفا لبريطانيا وحلفائها ، وعدوا للعرب بصفة خاصة والمسلمين بصفة عامة.

ولكن بعد ذلك كانت هناك عقبة كبيرة امام انفاذ هذه التوصيات على الارض تتمثل في وجود الامبراطورية العثمانية والألمانية،فلعبت بريطانيا على اوتار القومية العربية وعلى اطماع الشريف حسين وعلى الخلافات التي كانت تسود العلاقة بين الاتراك والعرب حينها للتحريض عن عدة ثورات عرفت فيما بعد بالثورة العربية الكبرى التي ادت الى اضعاف الامبراطورية العثمانية في الداخل مقابل وعود قدمتها بريطانيا في ما عرف ببروتوكول دمشق. ولكنها لم توف بوعودها وغدرت بالعرب والدليل على ذلك ابرام اتفاقية سايكس بيكو التي عقدت سنة1916 وتم بموجبها تقسيم منطقة الهلال الخصيب بين بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية .كذلك معاهدة سان ريمو سنة 1920 التي حددت مناطق النفوذ الفرنسية والبريطانية في المشرق العربي وخاصة وعد بلفور سنة 1917 الذي ما هو إلا تجسيد للهدف الثاني الذي اتفق عليه المؤتمرون في مؤتمر كامبل بنرمان والذي رتب اوراق الاقليم لمدة قرن كامل ادى الى قيام اسرائيل بالشكل التي هي عليه اليوم وادى الى تهاوي بعض الدول العربية.

ولكن اسرائيل اليوم لم تعد ترضى بأسرلة فلسطين وتهويدها وإنما بأقلمة اسرائيل ، لذلك فاليوم وبعد مرور قرن كامل على وعد بلفور نفس القانون الذي حكم المنطقة بالأمس يعيد ترتيب الاوراق في الاقليم اليوم لقرن جديد، ترغب اسرائيل ان تكون فيه اسرائيل الكبرى او التوراتية التي تفرض ان تكون اسرائيل لليهود فقط اي خالية من المسلمين ومن المسيحيين كما تفرض ان تكون عاصمتها هي القدس الكبرى الممتدة حتى البحر الميت على حدود الاردن والمقسمة للضفة الغربيه بما يمنع قيام اي دولة فلسطينية قابلة للسيادة والحياة ،مما يستوجب تطبيق صفقة القرن في شكل الوطن البديل للفلسطينيين في شبه جزيرة سيناء الذي طرحه جيورا ايلاند من قبل سنة2004 وهو ما يعني ان غياب ‹›داعش›› من سوريا و العراق وظهوره فجأة في سيناء ليس مصادفة و انما هو في اطار تنفيذ مهمة جديدة اوكل له القيام بها هناك.

ولكن بالأمس القريب كان هناك حاجزان اخران امام اسرائيل الكبرى الاول هو حاجز تقليدي تمثل في وجود دول عربية، بقيت ماسكة بإقامة توازن استراتيجي في الصراع العربي مع اسرائيل وهي ليبيا وسوريا وحلف الممانعة ككل والجزائر واليمن ومن قبلهم العراق ولبنان وهي دول تحسب لها اسرائيل الف حساب فكان الواجب تجاه هذه الدول اما العمل على اضعافها من الداخل واختراقها بالتركيز على الانقسامات بشكل يؤدّي الى تطبيق نظرية الفوضى الخلاقة بالنسبة لهم او الهدامة بالنسبة للعرب و اما بتوريطها في حروب خارجية استنزافية فاستعمل نفس القانون الذي اسقط صدام حسين بالأمس لإسقاط معمر القذافي اليوم وبنفس القانون الذي ورط به جيش جمال عبد الناصر في اليمن وسوريا وادى الى هزيمة 1967 هو نفسه القانون الذي ورطت به قوى اقليمية اما محالفة او معادية لاسرائيل في حروب استنزاف في المنطقة اما في اليمن او سوريا لتتمكن اسرائيل في النهاية من قطف الثمار.

اما الحاجز الثاني فكان يتمثل في الادارة الامريكية لمشاكل الشرق الاوسط تحت حكم اوباما هذا الاخير الذي كان متوجسا ومترددا من مسالة اعلان القدس عاصمة لإسرائيل والذي عمل على احتواء ايران وليس ردعها ،كذلك الاتفاق النووي الايراني وقانون جاستا ،كل هذه السياسات اعتبرتها اسرائيل تصب ضد مصالحها في المنطقة لذلك عملت اسرائيل بمساعدة اللوبي الصهيوني في امريكا على ايصال ترامب وصهره كوشنر الذي تجمعه علاقة قريبة مع بنيامين نتنياهو الى البيت الابيض لتمرير المشاريع الصهيونية من هناك اولها اعلان القدس عاصمة لإسرائيل كخطوة اولى لتحقيق صفقة القرن التي تمهد لقيام اسرائيل الكبرى ولكن هل ستنجح اسرائيل غداة الاجابة عن سؤال كهذا تستوجب ضبط مجال حركة اسرائيل في محيطها الاقليمي والدولي.

فإقليميا وبعد ان اقتسمت اسرائيل نقاط الربح والخسارة من موجة التحولات السياسية التي عصفت بالمنطقة العربية إلا ان نقاط الربح اقل بكثير من نقاط الخسارة فقد كان هدف اسرائيل من وراء كل هذه الموجة توجيه ضربة قاسمة لحلف الممانعة ،ولن تنجح في ذلك بل على العكس فبخسارتها في سوريا اصبح التحالف بين ايران سوريا حزب الله ليس مجرد تحالف استراتيجي وانما التزام بالحياة او بالموت. كما توسع هذا الحلف للعراق واليمن ،وبالتالي فان اسرائيل الكبرى لا يمكن لها ان تتم في ظل وجود تركيا العثمانية او ايران الفارسية فلا مجال لتبادل ولا لاقتسام النفوذ بين هذه القوى الاقليمية الثلاثة لان هذه تنفي قيام تلك فكل واحدة ستقام على حساب المجال الحيوى للدول الأخرى اما دوليا فان موازين القوى دوليا هي ايضا ليست في مصلحة اسرائيل فنحن لم نعد نعيش في اطار نظام دولي تحكمه الاحادية القطبية بقيادة الولايات المتحدة التي طالما ساندت اسرائيل.

فاليوم تجد واشنطن نفسها وجها لوجه مع روسيا فلادمير بوتين والصين شي جين بينغ وكوريا الشمالية كيم جونغ اون،وكل هذه القوى الدولية تستهدفها اسرائيل الكبرى في مصالحها القومية ،وما جاء دفاعها المستميت في منطقة الشرق الاوسط ضد الولايات المتحدة الامريكية إلا لحماية مصالحها التي تعتبرها خطا احمر .

وأخيرا فان وجود اسرائيل في وضع ضعف يمكن ان يدفعها الى توريط القوى الدولية في حرب عالمية ثالثة تأتي على الاخضر واليابس وتقطف الثمار كالعادة في الوقت المناسب، وتتحقق بذلك نبؤات بريجنسكي تبقى هذه سيناريوهات اما المؤشرات اليوم على الارض توضح ان اسرائيل الكبرى لن تجسم حقيقة وستبقى مجسمة فقط على العلم الاسرائيلي.
أن قرار ترامب ماهو إلا بداية لمجموعة من القرارات الصهيونية الامريكية الاسرائيلية بشأن القدس ومجموع الاراضي الفلسطينية المحتلة والإقليم،لذا وجب الحذر الشديد وتفعيل كافة اشكال وأدوات المقاومة المشروعه وعلى كافة المستويات فلسطينيا وعربيا وإسلاميا ودوليا بشكل مدروس ودقيق مبني على الفعل وليس مجرد ردات الفعل ... حتى انجاز المشروع الوطني الفلسطيني وإحباط المخطط الصهيوني واسع النطاق والمرحلي والبعيد المدى ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115