Print this page

«مؤتمر الشعب السوري» أسباب التأجيل.. وفلسفة الحل!

سومر صالح: كاتب ومحلل سياسي سوري
تعددت التصريحات والأهداف ذاتها، بدءاً من تلميحاتٍ روسيةٍ بخطة(ب) سياسية في سوريا، لم يمض وقت طويل عليها حتى أعلن الرئيس بوتين مبادرته لعقد مؤتمر «شعوب سورية»

لتصبح التلميحات وقائع على الأرض، ومن حميميم القاعدة الروسية في سوريا استقر المنظمون على سوتشي مكاناً لعقد مؤتمر الحوار السوري والذي انتهت تسميته بمؤتمر الشعب السوريّ وذلك بعد انتقاداتٍ واسعةٍ جابهت تسمية المؤتمر بـ«شعوب سوريا»..، ونجحت موسكو في فرض هذا المؤتمر على الأتراك في سياق أستنة بجولته السابعة اواخر اكتوبر المنقضي، ليخرج البيان الختامي لهذه الاجتماعات محدداً الإطار العام لهذا المؤتمر بصيغةٍ شديدةٍ الدّقة والتوصيف حيث ورد حرفياً في نص الوثيقة الختامية على «موافقة الدول الضامنة على بحث في إطار عملية جنيف برعاية الأمم المتحدة مقترحات روسيا حول عقد مؤتمر الحوار الوطنيّ السوريّ».
وبهذا اصبحت الصورة من حيث الشكل واضحةً، فالمؤتمر ضمن إطار سياق جينيف وليس بديلاً أو موازياً له، والمؤتمر برعايةٍ أمميةٍ وليس روسيةً بحتة، وبالتالي هذا تبديدٌ استباقيٌّ من قبل روسيا لأيّ مخاوف محليةٍ أو إقليميةٍ معارضةٍ لهذا المؤتمر، ولكن، إذا كان الشكل واضحاً والإطار صريحاً لهذا المؤتمر فالغايات ليست بتلك البساطة والوضوح، ففي الأمر انعكاساتٌ في مرآة الصورة، وفيها أيضاً ثقوبٌ سوداء، وفيها تلويحٌ بعصا التسوية بمن حضر وإلّا التهميش، والكلام للداعم الإقليميّ قبل أن يكون موجهاً للمعارضة المتشددة.

غايات روسيا من المؤتمر
وقبل الدخول في غايات روسيا الحقيقية من هذا المؤتمر علينا استيضاح البيئة الجديدة التي هيأتها موسكو لنجاح مبادرتها، حتى لا تلقى مصير مبادرة لوزان المشتركة مع إدارة أوباما السابقة في اكتوبر 2015 ، فهي أتت بعد حدثين مهمين: الحدث الأول مبادرة الخارجية السورية المتمثلة بمبدأ قبول الحوار حول «إقامة نظام إدارة للأكراد في سوريا ولكن بشرط أن تكون في إطار حدود الدولة»، والحدث الثاني الفيتو التاسع الروسي الذي أسقط محاولة اتهام دمشق بحادثة الكيماوي في خان شيخون مسبقاً ومحاولة جعل الحكومة السورية تحت مقصلة القرار (2235)، هذان الحدثان بلورا مبادرة الرئيس بوتين لإنشاء ما سماه بدايةً «كونغرس سوريا».

وعلى ما يبدو أنّ مخاوف روسيا من مشاريع الكرد في «الشرق الأوسط» سرعان ما تبددت بعد حسم ملف استفتاء كردستان العراق، أمّا الحدث الثاني فقد عجّل في طرح تاريخ انعقاد المؤتمر ومكانه وطبيعته، وذلك رغم التأجيل الحاصل في عقده إلى ما بعد (18 الشهر الجاري) والذي مردّه سببان: افساح المجال من قبل روسيا لتركيا لمزيد من المشاورات حول مشاركة الكرد اثناء لقاء بوتين واردوغان المقبل، والأمر الثاني افساح المجال لمؤتمر الرياض2 لتشكيل وفد واسع للمعارضات السورية.

فروسيا التي توجست نوايا واشنطن لتمديد عمل لجنة التحقيق في أحداث خان شيخون وأسقطته بفيتو تاسع أدركت أنّ نوايا واشنطن عدائيةٌ وليست في وارد التسويات السياسية، الحدثان كانا سبباً في إعادة صياغة المبادرة ومضامينها، إضافةً إلى جملة النقاشات التي دارت في زيارة بوتين إلى تركيا، وزيارة الملك سلمان إلى روسيا في اكتوبر المنقضي، فالرئيس بوتين كان واضحاً منذ البداية فهو القائل أنّ «مساعدة الدول الضامنة والقوى الإقليمية مثل السعودية ومصر ضرورية لنجاحها»، وأصبح واضحاً أنّ فلسفة روسيا للحل تقوم على مبدأ تشبيك كلّ مرحلةٍ من مراحل الحل أو التسوية السورية بقواعد اقتصاديةٍ واستراتيجيةٍ مع الأطراف الإقليمية تتناسب مع طبيعة التفاهمات المنجزة فقواعد التشبيك الاقتصادي والاستراتيجيّ مع تركيا هي ٌنتيجة لتفاهمات أستنة(6) وما قبلها وتمثلت بمنظومات (s400)، وقواعد التشبيك بين روسيا وايران(بنتيجة تفاهمات أستنة(7) وما قبلها كانت تشبيكٌ اقتصاديٌّ وحيويٌّ تمثّل بممر (شمال/جنوب)، إضافةً إلى تفاهماتٍ حول بحر قزوين، ومستوى التفاهمات مع مصر كانت قُرب توقيع اتفاقية الضبعة النووي والإبرام على ما يبدو مرتبطٌ بقدرة مصر على إيفاء تعهداتها لروسيا بشأن الازمة السورية.

وكذا الأمر في العلاقات الروسية السعودية والتي بدأت بمرحلة بناء القواعد الاقتصادية من بوابة الأزمة في سورية، إذاً النتيجة المباشرة لهذه المساعي الروسية هي وجود مناخٍ إيجابيٍّ لعقد مؤتمرٍ سوريّ يبحث مقترحاتٍ روسيةٍ تتمثل في (أفكار في الدستور والانتخابات ومقترح حكومة وحدة وطنية..)، مع التذكير أنّ مصطلح «الكونغرس السوري» ظهر إلى العلن بداية العام الجاري مع اجتماعات استنة(1) عندما أُثيرت مسألة المقترحات أو الأفكار الروسية لمسودة دستور جديد في سوريا.

المستهدفون الحقيقيون في هذا المؤتمر
يوجد في سوريا نظامان للهدنة ووقف الأعمال العدائية سارييّ المفعول وهما نظام فيفري 2016 ونظام ديسمبر 2016 والمعروف بأستنه، تنضوي تحتهما العشرات من الفصائل والمجاميع المسلحة (2263) قرية و(234) فصيلاً مسلحاً، هؤلاء أغلبهم غير ممثل بصيغة جينيف للمعارضة السورية.
وعلى اعتبار أنّ مسار جنيف معطّل وبطبيعته الراهنة هو عقيمٌ في التقدم خطوةً باتجاه العملية السياسية وفق القرار (2254) فقد بدأت تتبلور لدى روسيا فلسفة خاصة للحل في سوريا تقتضي بنقل تلك المناطق الخاضعة للتنظيمات المسلحة تحت أحد النظامين إلى العملية السياسية مباشرةً دون وسيطٍ من الهيئة العليا للمفاوضات، وبالتالي يمكن اعتبار هذا المؤتمر هو المرحلة الثانية من فلسفة خفض التصعيد، وهيّ الاندماج بالعملية السياسية الجديدة وبدء اجراءات بناء الثقة، بانتظار المرحلة الثالثة وهي تحول تلك المناطق إلى مناطق استقرارٍ دائم. وبالتالي إذا كان مسار فيينا الذي أتى بعد دخول روسيا إلى سوريا كان متضمناً مسارين أحدهما سياسيّ تجلى في اكمال عملية جينيف بعد الجولة الثالثة، ومسار سياسي كان قد أنتج نظام وقف الأعمال القتالية ، فالواقع الجديد يقول أنّ سياق أستنة سحب البساط العسكري لهذا المسار والذي تمثلّه مجموعة الدعم حول سوريا، وحالياً مؤتمر سوتشي يسحب البساط تدريجياً من المسار السياسيّ إن استمر بحالته العقيمة الراهنة.

هل يتحول سوتشي إلى سياقٍ سياسيّ بديلٍ لجنيف؟
إذا كان مؤتمر حوار السوريين في سوتشي أقرب ما يمكن لتوصيفه بخطة (ب) روسية، لجهة فشل جينيف في أهدافها، فالسؤال المطروح معه هل يتحول هذا المؤتمر إلى سياقٍ سياسيّ مكمّلٍ لأستنه سياسياً، رغم التصريحات الروسية النافية لاعتباره مساراً موازياً او بديلاً لمسار جينيف.
الجواب يكمن في مستقبل جينيف 8 وما بعده، فروسيا ليست من السذاجة لتفكر بمساراتٍ بديلةٍ عن جينيف مباشرةً وهّي التي خاضت مفاوضاتٍ إقليميةٍ ودوليةٍ معقّدة لإنجاح مناطق تخفيف التصعيد الأربع القائمة مع إمكانية توسيعها مستقبلاً، وبالتالي هيّ تدرك أنّ ذات الأطراف هم داعمو سياق جينيف، ولكن أرادت موسكو خلق مسارٍ سياسيٍّ مكمّلٍ لجينيف وبعبارةٍ أدق على ذات الطريق من ناحيتي الإطار و المضمون، وتحت نفس السقف السياسيّ وهو القرار 2254.

ولكن بعجلاتٍ دافعةٍ جديدةٍ تتمثل في كسر احتكار الطرف الأمريكي وحلفائه الإقليميين مفهوم تمثيل المعارضات السورية ورعايتها، فمؤتمر سوتشي يضع بيد روسيا أوراق قوةٍ تفرض بل تحتّم على واشنطن والسعودية تعديل مبدأ «الهيئة العليا للمفاوضات»، والعجلة الثانية هيّ طبيعة المفاوضات وبلوغ أرضيةٍ مشتركةٍ للجميع حول طبيعة العملية السياسية وأطرها الدستورية الحاكمة.

وهنا تصبح المعادلة بسيطة إن انطلق جينيف مجدداً فسوتشي قوةٌ دافعةٌ له لأنّه الإطار الأشمل والأكثر حضوراً للسوريين من أيّ سياقٍ آخر، وإن استمر عُقم مسار جينيف وتعطيله من قبل بعض المعارضات التي احتكرت مفهوم المعارضات السورية فسياق سوتشي مستمرٌ على ذات الطريق لبلوغ الإطار السوري للتسوية تحت سقف القرار الدولي (2254)، فعلى ما يبدو أنّ روسيا تبحث في سوتشي عن «الكتلة التاريخية» لبلوغ التسوية السورية، تحت نقاطٍ استراتيجيةٍ واحدةٍ تتمثل في انهاء الصراع ووحدة أراضي الدولة السورية والإصلاح الدستوري الهادف لضمان حقوق الجميع في دولةٍ مدنيةٍ تعدديةٍ.. وخير ما يمكن الختام به أنّ نجاح المؤتمر حال انعقاده متوقفٌ على ثلاثة أمور: مدى النوايا التي يبديها ممثلو مناطق تخفيف

التصعيد ومناطق الهدنة، والأمر الثاني هو ثبات أنظمة الهدنة بعد هذا المؤتمر لأنّ الولايات المتحدة قد تعمد إلى تحريك بعض الفصائل وإشعال بعض الجبهات، الأمر الثالث قدرة الرئيس بوتين على فرض حضور «الكرد» في المؤتمر وذلك خلال اجتماعه مع أردوغان بعد أيام قليلة....أما إذا لم ينعقد المؤتمر وربما سحب من التداول حالياً لأسباب متعددة فروسيا رسمت مسار ما بعد جينيف، فإما أن ينتظم هذا المسار أو أنّ فلسفة «سوتشي» للحل أصبحت واضحة ومرسومة المعالم ومكرسة بنتائج استانة (7).

المشاركة في هذا المقال