الكاتب والمحلّل السياسي اللبناني حمزة الخنسا لـ«المغرب» «استقالة الحريري تأتي في سياق التوجه السعودي لتأجيج المواجهة مع إيران»

• «هذه الخطوة نسفت كل الهدوء السياسي الذي شهدته لبنان منذ انتخاب عون»

شدّد الكاتب والمحلل السياسي اللبناني حمزة الخنسا في حديثه لـ«المغرب» على مدى حساسية المرحلة المقبلة التي سيعيشها لبنان بعد اعلان سعد الحريري رئيس الحكومة استقالته . واكد الخنسا ان هذه الاستقالة تندرج في اطار الحرب السعودية ضد ايران في المنطقة ، مضيفا ان المملكة دخلت مرحلة الحرب ضد حزب الله من الداخل اللبناني . واضاف محدّثنا أنّ السعودية بدات بتنفيذ أجندة تتعلق بمرحلة ما بعد الانتصارات على «داعش» الارهابي في سوريا والعراق.

• أولا لو تقدّمون لنا تعليقكم على استقالة رئيس حكومة لبنان سعد الحريري ؟
بدا واضحاً أنّ سعد الحريري ينفّذ أجندة سعودية صرفة تتعلّق بمرحلة ما بعد انتصار محور المقاومة على ‘’داعش’’ في سوريا والعراق.دأبت السعودية على توجيه الرسائل تلو الاخرى إلى اللبنانيين بضرورة مواجهة حزب الله، وكتب وزير الدولة لشؤون الخليج ثامر السبهان أكتر من مرة على حسابه على تويتر، محرّضاً اللبنانيين، وفريق رئيس الحكومة سعد الحريري، بضرورة طرد حزب الله من الحكومة، تمهيداً لمواجهته.
كان الحريري على الدوام يستمهل السعوديين ويحاول ثنيهم عن المضي قدماً في المخطط التفجيري في لبنان، انطلاقاً من يقينه بحتمية فشل هذا المشروع، وهو الذي اختبر مثله على مدى عشر سنوات، أدّت إلى إسقاطه من الحكومة وابتعاده عن لبنان وخسارة جزء كبير من شعبيته.

• هل تعني استقالة الحريري رضوخا للسّعودية ؟ ولماذا اختار إعلان استقالته من الرياض في هذا التّوقيت؟
أن يعلن الحريري استقالته من السعودية، هو إعلان واضح وصريح بأنه حجراً تحرّكه السعودية تنفيذاً لمصالحها وسياساتها في المنطقة.واللافت أن استقالة الحريري التي أتت من الرياض، جاءت في مرحلة وفاق وهدوء سياسي لبناني، أثمر انجازات فريدة على مستوى العمل الحكومي.
أما بخصوص التوقيت، فهو واضح لناحية أن استقالة الحكومة، والتهجّم والتهديد الذي جاء على لسان الحريري، يأتي في سياق التوجه السعودي العام المتعلّق بتأجيج المواجهة مع إيران في المنطقة. الكلام الذي ورد على لسان الحريري من السعودية، والذي شبّه فيه المرحلة اليوم بالمرحلة التي تلت اغتيال والده رفيق الحريري، كما تهديده بأن السعودية ستواجه «أذرع إيران» في كل مكان كما واجهتها في اليمن والعراق، ينطوي على تهديدات واضحة، وإشارات تدل على ملامح المرحلة المقبلة على لبنان. وهذا الكلام أيضاً ينطبق مع تهديدات السبهان، الذي توعّد اللبنانيين بمفاجآت وصفها بـ«السارّة».

• مالذي تصبو إليه السعودية في لبنان وهل حقا ستفتح استقالة الحريري باب الحرب ضد ايران وحزب الله ؟
السعودية أعلنتها صراحة أنها تريد مواجهة حزب الله، ودعت على لسان أكثر من مسؤول فيها، إلى تشكيل تحالف دولي لضرب حزب الله، على غرار التحالف الدولي الذي شكّلته أمريكا لمواجهة ‘’داعش’’ في سوريا والعراق.
تعمل السعودية، سياسياً وإعلامياً، على تشبيه حزب الله بداعش والنصرة والجماعات الإرهابية الأخرى، وهي تعمل منذ مدّة على تشكيل حلف سياسي واسع في لبنان، يضم الأفرقاء من كافة المذاهب والمشارب، لتشكيل جبهة عريضة ضد الحزب.
وهي باستقالة الحريري، تعلن البدء عملياً بتشغيل هذا الحلف ضد الحزب من الداخل. وسنشهد في المرحلة المقبلة في لبنان، الكثير من الاحتقان السياسي والإعلامي تنفيذاً للمخطط السعودي هذا.تفجير الوضع السياسي في لبنان، ويمكن أن ينسحب التفجير الى الأمن لاحقاً، تضعه السعودية في خانة المواجهة المفتوحة مع إيران وأذرعتها في المنطقة.
ومن الواضح أنّ فشل الرّهانات السّعودية على العصابات الإرهابيّة في سوريا والعراق، وبعد هزيمة هذه الأذرع، تسعى السعوديّة الى الانتقال الى مرحلة متقدّمة من المواجهة عنوانها «محاربة المدّ الإيراني».
لكن جوهر المواجهة يكمن في القضاء على كل حركة مقاومة في المنطقة، تحضيراً للمشهد للتسوية الكبرى مع العدو الصهيوني والتي ترعاها السعودية، وتدفع حلفاءها في الدول العربية باتجاهها.ونحن شاهدنا وتابعنا خطوات التطبيع السعودية - الإسرائيلية الممهّدة لمرحلة سيادة «الاعتدال» العربي على المشهد العام في المنطقة، والذي تأتي العلاقة المباشرة والصريحة مع إسرائيل، كأولى مهامه.

• هل نسفت خطوة الحريري هدوء المشهد السياسي في لبنان وما مصير الانتخابات المقررة؟
استقالة الحريري هذه، نسفت كل الهدوء السياسي الذي ساد البلد منذ انتخاب الرئيس ميشال عون رئيساً للجمهورية، والاتفاق الذي تلاه بانتخاب سعد الحريري رئيساً للحكومة.في الأساس، كان انتخاب الرئيس عون بمثابة خسارة سياسية للسعودية في لبنان. لكنها تعاملت معه كأمر واقع وحاولت احتواءه تارة وإغراءه تارة أخرى، لتحويله إلى نموذج الرئيس السابق ميشال سليمان.

لكن لاحقاً، أيقنت السعودية فداحة خسارتها عندما برهن الرئيس عون عن التزامه الجدي والكبير بالوفاق الداخلي والمصلحة اللبنانية العليا، ولم يتخلَ عن علاقته بمكوّن أساسي من مكونات الطيف اللبناني ولم يقطع علاقته بالمقاومة، بل نسّق معها لدحر الارهاب عن الحدود الشرقية، وعبّر في أكثر من مناسبة عن إيمانه بها كإضافة نوعية مهمة في مواجهة العدوان الاسرائيلي.

من ناحية أخرى، حاول الحريري وفريقه تأجيل الانتخابات النيابية في أكثر من مرة، فهو يخشى، في ظل القانون الانتحابي الجديد، من نتائج الانتخابات التي أثبتت الاستطلاعات أنها لن تؤمّن له اكثرية نيابية تسمح له بالتحكم في المسارات التشريعية والتنفيذية في البلاد.
وبالتالي، فإن تطيير الانتخابات هو هدف ثانوي من أهداف استقالة الحريري، لكنه مهم من زاوية لعبة الاحجام والتوازنات الداخلية بالنسبة لتيار المستقبل.
غير أن الحريري بخطوته هذه، وإعلانه الاستقالة والتلميح الى انه كان هدفاً لعملية اغتيال، يمهّد لإقامة طويلة خارج لبنان، وهذا بالضبط ما سيسبب له مشاكل إضافية على مستوى شعبيته المتهالكة. لكنه بلا أدنى شك يراهن على نجاح المشروع السعودي الجديد ضد لبنان، للعودة من جديد وبقوة أكبر، من دون أية شراكة قوية من الرئيس عون وتياره ولا من حزب الله وحلفائه.

• كيف ستؤثر التطورات في لبنان على واقع المنطقة والحرب ضدّ الارهاب ؟
بالطبع، هي في أساسها جهود سعودية انتقامية من محور المقاومة الذي انتصر على الارهاب. لكن هذا المحور المتجذّر والأصيل في محاربة الإرهابَين الصهيوني والتكفيري والمدعومَين من السعودية، يمتلك كل الوسائل والإمكانيات لمواجهة موجة جديدة من الجنون السعودي، إنْ كانت طبيعتها سياسية أم أمنية وعسكرية.
لبنان بفعل استقالة الحريري المدفوعة سعودياً، دخل في نفق طويل من الارتباكات والاشكالات، التي قد تشكّل فرصة سانحة للعدو الإسرائيلي لاستغلال الفوضى الداخلية، وما يعتقدونه أنه «تشتت» اهتمامات المقاومة، لشنّ عدوان إسرائيلي جديد على لبنان، سيكون مدعوماً بشكل صريح وعلني من السعودية وكل أدواتها في لبنان والمنطقة.
لكن، وفي نفس القدر، سيكون المشروع السعودي الجديد للبنان، والذي أعلن الحريري عن انطلاقه عبر هذه الاستقالة، مناسبة هامة لمحور المقاومة، لقلب الطاولة على السعودية وإسرائيل وأدواتهما في لبنان، وسدّ الطريق هذه المرة أمام أية تسوية جديدة معهم تعيدهم إلى السلطة بالشكل الذي حصل بعد العام 2006.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115