ليبيا ... الخيارات المحدودة والإكراهات المفروضة

 

تجتاز ليبيا مرحلة من أصعب مراحل تاريخها الحديث حيث فشلت نخبها بعد سقوط النظام السابق سنة2011 في إيجاد توافق وطني أدنى حول خيارات لدولة حديثة موحدة وتمتلك مؤسسات حيث انتشرت المظاهر المسلحة في كل مدينة وقبيلة خاصة في الغرب الليبي. والنسيج الاجتماعي شهد تمزقا كبيرا في صراعات مغانم ومكاسب لم تسلم منها مؤسسات الدولة . ويعاني المواطن الليبي الذي تعود على ترف العيش من ضنك في عيشه تمثل في غياب سيولة في المصارف التي يرابط أمامها المئات للحصول على جزء محدد من معاشاتهم. وتضاعفت أسعار المواد الأساسية عديد المرات مع تهاوي الدينار الليبي الذي أصبح لا يساوي شيئا يذكر أمام العملات الأجنبية .
تميزت السلطات التي حلت محل المجلس الوطني الانتقالي باستقطاب ايديولوجي وقبلي ومناطقي وصل إلى حد رفض نتائج انتخابات مجلس النواب وعودة المؤتمر الوطني للحياة ، بعد أن حسمت المعركة بين أطراف فجر ليبيا لصالح التيار الإسلامي ومدينة مصراطة وطرد مليشيا الزنتان وتمكن المجموعات الإسلامية عمليا من السيطرة على الغرب الليبي ما عدى جهة الجبل الغربي .

أما في الشرق الليبي فقد خاضت نواة الجيش الليبي التي تكونت حول الضابط المتقاعد خليفة بلقاسم حفتر سنة 2014 بعد موجة من الاغتيالات طالت نشطاء سياسيين وقضاة وضباط حربا ضروسا مع مليشيا «غرفة شورى بنغازي» حتى أطردتهم من المدينة وخاصة جهات القوارشة وقنفودة والصابري .كانت معركة سقط فيها مئات من الجيش وحلفائه ومن خصومهم الذين كانت نواتهم الصلبة مجموعة «أنصار الشريعة»بسطت قوات» الكرامة» سيطرتها على الهلال النفطي من غرب جدابيا حتى أقصى الشرق. ما عدى بعض الجيوب في درنة وتمددت في الجنوب ولها أنصار في الغرب الليبي وبين القبائل. مما يعني عمليا سيطرة خليفة حفتر على أكثر من 70في المائة من التراب الليبي ، مما يجعل منه لاعبا محليا قويا ، وهو معطى أخذته القوى الإقليمية والدولية بعين الاعتبار، وهو أحد المعطيات التي فرض مراجعة اتفاق الصخيرات وخاصة المادة الثامنة المتعلقة بالتسميات في المواقع العسكرية وفي حل عقدة القائد الأعلى للجيش بعد تسليم الجميع تقريبا بمنصب القائد العام للمشير حفتر .

يظهر أن المجتمع الدولي حسم أمره بتولي غسان سلامة بعد المبعوثين ليون وكوبلر بعد فشلهما في تفكيك الأزمة وفي فرض حل توافقي قابل للتطبيق على الأرض . وصلت رئاسة السراج وحكومته رغم كل الصخب إلى مأزق حقيقي خاصة بعد أن فشلت في الحصول على ثقة البرلمان وابتعاد بعض أعضاء المجلس الرئاسي . تتقاتل المليشيات في طرابلس في الازقة والشوارع وفقدان لأدنى مقومات الأمن . يمكن القول ان المبعوث الأممي الجديد مطلع على التضاريس السياسية والاجتماعية للمشهد الليبي والإقليمي ويملك تفويضا أمميا عالي السقف حتى لا نقول تفويضا مطلقا من القوى الفاعلة خاصة الاتحاد الأوروبي ممثلا في ايطاليا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة ، ولم تعترض عليه روسيا الاتحادية والصين وذلك لعدة عوامل أهمها:

تنامي ظاهرة الهجرة السرية المنطلقة من السواحل التي يصل بمقتضاها الآلاف للسواحل الايطالية ،وأصبحت تشكل عبئا ثقيلا على الأوروبيين، بعد ان فشلت كل محاولات «التصدي التي أدعت فعلها القوى الليبية التي تلقت دعما سخيا من ايطاليا دون جدوى ولا فاعلية تذكر . اضافة لحرص الغرب على مصالحه الاقتصادية وعلى منابع الغاز والنفط بعد أن تجاوز تهديد الارهابيين لمناطق التوتر ووصل لقلب العواصم الأوروبية . وهناك عامل آخر هو تبدل الخارطة الإقليمية وانحصار مد ما يسمى «الإسلام السياسي» واستبعاد ورفض الحسم العسكري دوليا مما جعل الفاعلين في الغرب والشرق الليبي أكثر تقبلا لحد أدنى من الوفاق بعد تبدل ميزان القوى على الأرض داخليا وخوف غربي من دور روسي متوثب في المنطقة ربما يلقى تقبلا اقليميا من الجزائر ومصر وبقية الجيران الذين ضاقوا ذرعا بتداعيات الأزمة الليبية على امن واستقلال بلدانهم .السؤالي الجوهري ماهي آفاق وامكانيات الحل ؟

هناك توجه لاقتصار المجلس الرئاسي على رئيس من الغرب الليبي ( عبدالرحمان السويحلي او السراج) ونائب عن الشرق( علي القطراني او عقيلة صالح) واخر على الجنوب يتولى بصفة جماعية القيادة العامة للقوات المسلحة ويعرض على مصادقة البرلمان قرارته وسيمى رئيس حكومة الذي يعرض تشكيلة فريقه على مجلس النواب للمصادقة والاعتماد. تدوم هذه الفترة سنة للوصول للانتخابات التشريعية والرئاسية وتعمل السلطات المؤقتة بدفع عجلة الاقتصاد وتوحيد أجهزة الدولة والتحضير للمرحلة الدائمة مع تبني دستور بداية الخمسينات بعد تعديل بعض فصوله للتأقلم مع المرحلة وطبيعة السلطات الجديدة حتى يقع سن دستور دائم لدولة مستقرة .

يعكس هذا السيناريو التغيرات الداخلية والاقليمية في موازين القوى حيث يعطي لمجلس النواب أهمية مركزية في ادارة المشهد السياسي الليبي المقبل وفي التحكيم بين مكونات السلطات الجديدة بل في رسم خطوط الفترة الدائمة . يعترض هذه الوصفة السياسية عديد العقبات في التطبيق على الأرض و أولها وضع المليشيات المسلحة خاصة في طرابلس ومصراتة هل ستدمج في المؤسسة العسكرية والأمنية أم لا؟

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115