بعد فشل فرص الحوار .. الحرب تشتعل بين «بغداد» و«أربيل» العبادي يختار الحلّ العسكري والجيش العراقي يستعيد «كركوك»

تزايدت حدّة الصّدام بين بغداد وأربيل امس الاثنين ، بعد ان بسط الجيش العراقي سيطرته بشكل كامل على مدينة كركوك التابعة لإقليم كردستان، في خطوة خطيرة على مسار الازمة بين بغداد واربيل، خصوصا ان العلاقة بين الجانبين شهدت توترا غير مسبوق عقب استفتاء الانفصال الذي اجرته سلطات الاقليم بهدف الانفصال وإقامة دولة كردية مستقلة .

ففي 25 سبتمبر اجرت اربيل استفتاء على استقلال إقليم كردستان كسبت خلاله تأييدا للانفصال بنحو 93 % من الاصوات. ونظم الاستفتاء في إقليم كردستان (شمال) الذي يضم محافظات أربيل والسليمانية ودهوك وأيضا في مناطق متنازع عليها مع الحكومة المركزية في بغداد. ورغم منع السلطات العراقية انذاك مشاركة كركوك المتنازع عليها في التصويت على استفتاء الانفصال إلا انّ سلطات اربيل اشركت المحافظة في التصويت رغم الرفض الرسمي العراقي.

وتزامن الاستفتاء انذاك مع تنامي حدّة الانتقادات التي وجهتها حكومة العراق اولا لسلطات الاقليم وسط دعوات داخلية للبرلمان العراقي بإلزام رئيس الوزراء حيدر العبادي بنشر قوات في كل المناطق المتنازع عليها مع الأكراد.بالاضافة الى العقوبات الاقتصادية التي تم فرضها على الاقليم سواء من جانب سلطات العراق المركزية او من الجانب التركي من اغلاق للمنافذ الحدودية ووقف للتعاملات النفطية وغيرها من الاجراءات التي ضيقت الخناق على حكومة مسعود بارزاني.

الخيار العسكري
ومنحت الحكومة المركزية في العراق الاحد قوات البيشمركة مهلة ( قوات تابعة لإقليم كردستان) مفادها الانسحاب من المدينة بعد 48 ساعة ، إلاّ ان عدم استجابة البيشمركة اشعل فتيل المواجهة بين الطرفين لتدخل قوات من الجيش العراقي وقوات من النخبة وأخرى تابعة للسلطات العراقية وفصائل «الحشد الشّعبي» الى المدينة ،وتفرض سيطرتها على اهم منشات المدينة المعروفة بثروتها النفطية وهي مطار كركوك العسكري حقول «باباكركر» النفطية وشركة نفط الشمال في كركوك بالإضافة الى القاعدة العسكرية «كي 1» وهي القاعدة العسكرية في محيط المدينة الواقعة شمالي العراق، نجحت قوات البيشمركة في السيطرة عليها قبل ثلاث سنوات في أعقاب سقوط الموصل في قبضة تنظيم ‘’داعش» الارهابي.
وأمر رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي امس برفع العلم العراقي في كركوك والمناطق المتنازع عليها مع اقليم كردستان مما يؤشر انّ المرحلة ستشهد تغيرات كبرى مابعد استفتاء الانفصال الذي اجرته اربيل . وفرضت القوات العراقية سيطرتها على مناطق استراتيجية في كركوك من بينها قواعد عسكرية وأمنية، ومنشآت حيوية ، وسط غضب كبير من الاكراد باعتبار ان هذه المدينة تمثل العصب الاقتصادي للإقليم الكردي الحالم بإقامة دولته المستقلة . هذا التعنت الكردي قابله رفض عراقي اقليمي دولي وتضييق اقتصادي كبير على سلطات الاقليم سواء اقتصاديا او سياسيا .
في الاثناء اكد مجلس الأمن القومي التركي صدور توصيات من الحكومة بتمكين بغداد من إدارة المعبر الحدودي بين تركيا وإقليم كردستان العراق ، في خطوة جديدة لإثناء اقليم كردستان عن المضي قدما في الانفصال عن السلطة المركزية في العراق
يشار الى ان الموقف التركي كان منذ البداية رافضا لأي محاولات كردية لإقامة دولة مستقلة على حدودها مع العراق خاصة وان تركيا تعيش منذ سنوات طويلة حربا مع الاكراد الحالمين بالاستقلال لما يحمله ذلك من تأثيرات على امنها الداخلي والاقليمي .

تعنّت كردي
من جانبه قال الكاتب والمحلّل السياسي العراقي ثائر عبطان حسين في حديثه لـ«المغرب» انّ «العراق لم يُعلن الحرب على كردستان، بل مسعود برزاني من بدأها بإصرارهِ على المضي قدما بموضوع الاستفتاء رغم الاعتراض الواسع من داخل الإقليم نفسهِ متمثلا بحركة التغيير ، وغريمهُ التقليدي الاتحاد الوطني الكردستاني أي حزب طالباني الذي كان يرفض بشدة توقيت الاستفتاء ».
واضاف محدّثنا ان «ذلك يضاف الى اعتراض دول الإقليم التي تحكم زمام الأمور في شمال العراق وهي تركيا بصفة خاصة والتي لا لن تسمح بإقامة دولة او كيان كردي مستقل في خاصرتها الجنوبية الغنية بالثروات والطاقة كون ساكنيها يشكلون أكثر من عشرين مليون كردي لا بد لهم أن يتأثروا بالدولة الكردية التي يطمح لها بارزاني ويأملون بقيام دولة لهم كونه حق مشروع ، ويجب أن لا ننسى ايران التي لا تقل حماسا ، ولا تتوانى في سحق أي مشروع لدولة كردية مجاورة لحدودها الغربية كما فعلت في السابق في اجهاض دولة «مهاباد» وسحقها منتصف ثلاثينات القرن الماضي .. ناهيكِ عن المعارضة الدولية للإستفتاء عربيا ودوليا .. بعد كل ما تقدم ، فإن البرازاني هو من يصرّ على الحرب بدفع من إسرائيل العلني والتشجيع الأمريكي بالخفاء».
واشار حسين الى ان الأحداث الجارية ، والقادمة تتسارع في خطاها لصالح الحكومة العراقية وكذلك لصالح الشعب العراقي بما فيه الشعب الكردي الذي لم يجنِ من حكم بارازانى غير الانفراد بالسلطة والتحكم بثروات الإقليم لعقدٍ ونصف من فترة حكمهِ ،مؤكدا ان «بارازاني مُقيّد ومكبّل بأوامر من أسيادهِ في الخارج ممن يرومون إشعال حربٍ جديدة في المنطقة بعد إقتراب نهاية الحرب مع داعش ، ومحاولة زُج أقوى قوتين عسكريتين في هَذِهِ الحرب المُفترضة ، وهما تركيا وإيران» .

بارزاني و«صفر خيارات»
وبخصوص الوضع في الساعات القادمة اجاب الكاتب العراقي ثائر عبطان حسين ان تسلسل الأحداث الجارية في المنطقة في السنوات القليلة الماضية ، ودخول روسيا القوي على خط الأزمات ، والطلاق التاريخي لتركيا مع حليفتها الولايات المتحدة إثر انقلاب العام الماضي ، والذي دفع تركيا للارتقاء في علاقاتها مع روسيا الى مستويات لم يكن يتوقعها أحد ، وليس آخرها صفقة القرن المتمثّلة بصواريخ S400 ، أضف الى ذلك التقارب الإيراني - التركي الذي فاجأ العالم بأكملهِ حين وصل الى حد زيارات متبادلة لرئاسة أركان حرب الجيشين لأنقرة وطهران ، وكذلك قيام مناورات عسكرية إيرانية - تركية - عراقية مشتركة على حدود اقليم كردستان ، هي رسالة شديدة اللهجة من هذه الدول وتلويحها بالتدخل العسكري في حال نفاد الخيارات الحوارية مع بارزاني وفق تعبيره .واعتبر محدّثنا ان ما سيجري هو قيام الجيش العراقي باسترجاع كل المرافق الحيوية من منشئات نفطية ومصافي الغاز والمطار العسكري ، وكذلك المنافذ الحدودية لمدينة كركوك وقد تم ذلك بعد هرب محافظها نجم كركوكلي مع حمايته الى أربيل وتعيين معاونهِ محافظا بدلا عنه .
وأشار الكاتب العراقي الى ان «البرازاني لا يملك أي خيارات في الرد ، وتنتظره أيام تهدد مستقبلهُ السياسي في العراق ، بعد أن خسر كل الأوراق التي راهن بها على الاستفتاء ، وفِي هَذِهِ الساعة بالذات هنالك مقترح من حركة تغيير المشاركة سابقا في حكومة اقليم كردستان وترأس البرلمان الكردستاني الذي جمّدهُ بارزاني قبل شهورٍ عديدة ، المقترح يقضي بقيام حكومة طوارئ في الإقليم وانتخاب مجلس وزاري جديد يدير شؤون الإقليم . وهو اقتراح ليس بعيدا في واقعهِ عن مطالب الشعب الكردستاني التي عانت من تفرد البارازاني بالسلطة وتكديس ثروات الاقليم بيدهِ وبيد عائلتهِ» .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115