ما بعد الاستفتاء في كردستان العراق: العودة إلى طاولة الحوار ولكن بشروط جديدة

حنان زبيس:  صحفية متخصص في الشأن الكردي

أسبوع مر على إجراء الإستفتاء في إقليم كردستان ولم تُعلن الدولة الكردية المستقلة المرتقبة ولم تُفد تأكيدات مسعود بارزاني المتكررة أنه استفتاء غير ملزم لتوقف سيل الإجراءات العقابية ضد الإقليم من قبل حكومة بغداد ومن قبل الجيران المباشرين تركيا وإيران.
ويتساءل الجميع اليوم ماذا سيحصل بعد؟ هل ستبدأ إجراءات الإنفصال أم ستتوصل حكومتا أربيل وبغداد إلى حل حول جميع المسائل العالقة بينهما وسيتم إنقاذ العراق من التفتت؟

جذور الأزمة
لم يكن لجوء مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان، إلى إجراء الإستفتاء سواء رد قوي على تعثر المفاوضات مع الحكومة المركزية في العراق التي تتواصل دون جدوى منذ اكثر من ثلاث سنوات. وتتمحور أهم نقاط الإختلاف حول إعتراض بغداد على بيع إقليم كردستان نفطه مباشرة لتركيا ولبلدان اخرى عبر ميناء جيهان التركي دون الرجوع إلى الحكومة المركزية، مما دفع هذه الاخيرة إلى قطع حصة الإقليم من الميزانية والتي تمثل 17 %. وكان ذلك في عهد المالكي في مطلع 2014. وإنجرّ عن هذا القرار عدم تسديد رواتب قوات البيشمركة الكردية وتأثر موارد الإقليم.
لم يعتقد الأكراد في ذلك الوقت أنه ستكون لهذا القرار عواقب وخيمة على الوضع الإقتصادي للإقليم الذي كان في بداية 2014 في أوج ازدهاره. ولكن دخول داعش إلى العراق أدخل البلد كله في دوامة الحرب، مما أثر على سعر النفط الذي انخفض كثيرا (38 دولار للبرميل) فلم يعد الإقليم قادرا على تسديد نفقاته ورواتب مواطنيه، كما أن الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية وموجة النزوح من المناطق التي احتلها داعش نحو الإقليم استنزف بشكل كبير موارده.

وخلال كل هذه الفترة تواصلت المفاوضات بين الطرفين لتشمل مسائل النفط والميزانية وأجور البيشمركة، والمناطق المتنازع عليها وأهمها كركوك، وعرفت العلاقات بين بغداد وأربيل تحسنا في بعض الأحيان، خاصة مع الإتفاق على توحيد الجهود للقضاء على داعش وتحرير الموصل. إلا أن قرب نهاية الحرب على الإرهاب، خلق وضعا جديدا في العراق حاول كل طرف استغلاله لصالحه. فمن جهة، أحكم الأكراد السيطرة على المناطق التي حرروها في سهل نينوى والتي توجد خارج الإقليم وهم يرفضون حاليا الخروج منها وتسليمها لبغداد، ومن جهة أخرى، استفادت حكومة بغداد من نجاحاتها في التصدي للتنظيم عبر القوات النظامية وميليشيات الحشد الشعبي، وتستغل ذلك لإعادة فرض سيطرتها على كامل العراق وإحكام سلطتها المركزية.

يأتي إذا قرار البارزاني إجراء الإستفتاء على خلفية هذا الواقع الجديد الذي أفرزته نهاية الحرب على التنظيم وفي ظل واقع دولي متغير، مع تزايد دعوات الأكراد في سوريا وتركيا إلى الحكم الذاتي ورغبة الحكومة التركية من جهة ونظيرتها الإيرانية من جهة أخرى، في تعزيز نفوذهما في العراق وسوريا على اثر مشاركتهما النشيطة في هذه الحرب.
ولا يجب أن ننسى أيضا أن الوضع الداخلي المعقد للإقليم كان حافزا رئيسيا لبارزاني لاتخاذ قرار الإستتفاء، حيث لا يخفى أن البلد يعيش أزمة اقتصادية خانقة تُعاضدها أزمة سياسية خلقها وضع هجين يُمارس فيه مسعود بارزاني الحكم بشكل غير قانوني بعد انتهاء ولايته منذ أكثر من عامين، بالاضافة إلى توقف عمل البرلمان لنفس المدة بسبب الخلافات السياسية بين مختلف الاحزاب. هذا الوضع أضعف شعبيته بشكل كبير، فلم يجد أفضل من حل الهروب نحو الأمام واللعب على حبل الحلم الكردي بالإستقلال. لذلك بادر بإجراء الإستفتاء وأصر عليه وهو يدرك تماما أنه لا يمكن له أن يعلن الدولة الكردية من جهة واحدة ودون موافقة دولية.

الكنفدرالية مقابل العدول عن الدولة المستقلة
ردة الفعل على إجراء الاستفتاء سواء على مستوى الداخل العراقي أو على المستوى الدولي جاءت قوية وقد وصفها الأكراد «بالمبالغ فيها»، خاصة وأن نتائج الإستفتاء لم تُسفر عن شيء ملموس، كما أن البارزاني نفسه أعلن أنه مستعد للإنتظار عامين قبل إعلان الدولة المستقلة وأن ذلك مرتبط بنتائج التفاوض مع بغداد.
ولكن الحكومة المركزية سارعت بإعلان رفضها للاستفتاء حتى قبل حصوله وإلى اعتباره «غير دستوري» كما قامت بإغلاق الأجواء ونشرت قواتها على المنافذ الحدودية مع الإقليم وطالبته بتسليمها هذه المنافذ بالاضافة إلى المطارات، إلى جانب الإتفاق مع إيران وتركيا حول تضييق الخناق على كردستان ومحاصرتها عسكريا واقتصاديا.
هذه الإجراءات لم تقبلها أربيل وسارع البرلمان الكردستاني برفضها. في نفس الوقت، أعلن البارزاني قبوله بمبادرة قدمها نائب رئيس الجمهورية، إياد علاوي حاول من خلالها تهدئة الأجواء بين الطرفين وإقتراح استئناف الحوار دون شروط مسبقة وبدعم من الأمم المتحدة، مع الإبتعاد عن أي صدام مسلح.
يمكن اعتبار هذا الموقف من قبل بارزاني مؤشرا على أن هدفه منذ البداية، لم يكن إعلان الانفصال وإنما إستعادة الحوار مع بغداد ولكن بتحسين شروط التفاوض للحصول على المزيد من المكاسب.

رئيس إقليم كردستان، حسب محللين أكراد، يرغب في إستعمال الإستفتاء كورقة ضغط على الحكومة المركزية في اتجاه الحصول على حكم كنفدرالي في العراق وهو ما رفضته في السابق بغداد ولكن بارزاني لن يرضى بديلا عن التخلي عن حلم الدولة المستقلة إلا بتأسيس كنفدرالية.
من جهة أخرى، فإن الولايات المتحدة تضغط حاليا على الطرفين لإستئناف الحوار وتنوي التدخل جديا لإيجاد حل يضمن عدم المواجهة بين الحكومتين، خاصة في هذا الظرف الذي لم تنته فيه تماما الحرب على داعش.

الحكومة الكردية مطمئنة
حكومة كردستان لا تبدو قلقة من الإجراءات التي اتخذتها ضدها بغداد ولا من تهديدات جارتيها تركيا وإيران. ففيما يخص الحظر الجوي، أبقت الحكومة العراقية على الرحلات الداخلية مع أربيل بحيث يمكن السفر إلى الإقليم والخروج منه بالمرور عبر بغداد. أما فيما يخص تهديدات تركيا التي تمر عبرها 60 % من مبادلات كردستان العراق، بالاضافة إلى أنها المنفذ الوحيد لعبور النفط، فإن الحكومة التركية لم تتخذ أي إجراء عقابي حقيقي ضد الإقليم ولم تقطع الطرق البرية التي تمر عبرها السلع لأن لا مصلحة لتركيا أن تغلق أمام سلعها سوقا من أهم الأسواق لإنعاش اقتصادها. وبالنسبة للنفط الكردي، فإن روسيا التي تستورده من كردستان اقترحت أن يمر عبر سوريا إذا ما قررت تركيا غلق منافذها.
وعدا عن ذلك كله، فإن مسؤولين أكرادا أعلنوا أن الإقليم اتخذ احتياطاته ووفر مخزونا من المواد الغذائية يكفيه لتحمل حصار يدوم لستة أشهر. كما أنهم لا يتوقعون أن تنخرط القوات العراقية المنشغلة حاليا بالحرب على داعش في الحويجة، في صراع مسلح مع كردستان.

ماهو متوقع أن يحصل الآن هو أن تبدأ جولة جديدة من المفاوضات بين بغداد وأربيل برعاية أمريكية ودولية، يدخُلها مسعود بارزاني بورقة ضغط تُحسّن موقفه في التفاوض، كما أنه سيدخلها معززا بساحة كردية داخلية موحدة، بعد أن كانت الأحزاب الكردية منقسمة حول توقيت إجراء الإستفتاء.
كلا الطرفين لهما مصلحة في التفاوض، فلا الأكراد قادرون على إعلان الدولة المستقلة من جانب واحد ولا حكومة بغداد سترضى بتقسيم العراق وخروج النفط الكردي من تحت يديها خاصة في المناطق المتنازع عليها مثل كركوك. بقي معرفة متى سيُجرى الحوار وعلى أية شروط جديدة للتفاوض..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115