منبر: الربيع العربي والقضية الفلسطينية

استهدف ما يسمى بـ»مشروع الربيع العربي» الأنظمة الجمهورية، التي مازالت في طور التشكل دونا عن الأنظمة الملكية، إما لأن القسط الثاني من المشروع سيشمل هذه الأخيرة برأي البعض، أو لأن هذه الملكيات العربية مطبعة بالكامل و استجابت لما طلب منها و لا توجد

حاجة ماسة لإحداث تغييرات فيها، برأي البعض الآخر. و قد أريد للبلدان التي شملها الربيع العربي اللحاق بركب كل من العراق و لبنان و الجزائر التي نالت حظها من «الفوضى الخلاقة» بصورة مبكرة. فالمغرب و الأردن و البحرين شهدت اضطرابات واحتجاجات شعبية مماثلة لما شهدته تونس و ليبيا و مصر وسوريا و اليمن، لكن سرعان ما تمكنت الأنظمة من تطويق هذه الإحتجاجات نظرا لغياب الرغبة وراء المحيط في إحداث تغيير في أنظمة هذه البلدان.

لقد أدرك أصحاب هذا المشروع الشرق أوسطي الكبير أن التدخل المباشر للإطاحة بالأنظمة، على غرار ما حصل في العراق، مكلف بشريا وماديا، فقد تسببت هذه الحرب وفقا لدراسة بريطانية نشرت في صحيفة الديلي تلغراف في هلاك ما يزيد عن 116 ألفا و 903 من المدنيين العراقيين و أربعة آلاف و 487 جنديا أمريكيا و 179 بريطانيا لقوا حتفهم إضافة إلى ما يزيد على 801 مليار دولار أو ثلاثة تريليونات من الدولارات بحسب دراسة أخرى. فكان من الضروري ابتداع طرق جديدة أقل كلفة على خزينة أصحاب المشروع وعلى شركائهم في القارة العجوز والبلاد العربية، تسبغ على هذا التدخل شرعية لدى الجماهير في البلاد العربية،

فتم تحين فرصة حصول احتجاج شعبي ذي مطالب مشروعة لتأجيجه من خلال قنص المتظاهرين وإراقة دمائهم من قبل مأجورين أجانب، و أيضا محليين ولاؤهم لأصحاب المشروع، ومن خلال الدفع بالمدونين الذين خضعوا لدورات تدريبية في الغرض للإنخراط في اللعبة، ثم الضغط على رأس النظام من الداخل والخارج للمغادرة وترك السلطة. وأخيرا الدفع بثلة تدين بالولاء لأجهزة خارجية تربت في أحضان المجتمع المدني الغربي، وفي أروقة استخباراته، لتسليمها السلطة، وذلك بعد أن أثبتت الدراسات والإحصائيات الخفية التي أجريت من قبل ثلة من المجندين والعملاء من أبناء جلدتنا ألفنا حضور بعضهم في اجتماعات الأحزاب والمنظمات والهيئات المهنية وغيرها في تونس قبل «الربيع»، تعطش الجماهير العربية للإسلام السياسي «المقموع»، وقدرة هذا التيار الذي يلعب على المشاعر والعواطف على اختراق صناديق الإقتراع وتحقيق النصر على بقية مكونات المشهد السياسي...

ومن بين أهداف الربيع العربي ضمان الهيمنة على ثروات المنطقة من خلال تمكين حكام جدد اكثر انبطاحا ممن سبق، من السلطة في بلدانهم، وفتح المجال للحريات كمتنفس للترويح عن الكبت الذي عانت منه شعوب المنطقة والذي اعتبره أصحاب المشروع من أسباب انتشار التطرف والإرهاب. وكذلك مساعدة إسرائيل على الإستمرار لعقود بعد إدخال المنطقة في فوضى عارمة لا تبقي ولا تذر تساهم في تدمير أقوى جيوش المنطقة وأعتاها و تضمن التفوق الصهيوني.

و الحقيقة أن عملية التدمير سابقة لـ«الربيع العربي» فقد كانت البداية بالجيش العراقي الذي أصر على حله الحاكم المدني للعراق بول بريمر منذ الأيام الأولى لاحتلال بلاد الرافدين، ثم جاء الدور على الجيش السوري الذي ينهك ويستنزف في حرب مع الكيان الصهيوني بالوكالة تخوضها التنظيمات التكفيرية. و هناك محاولات تحصل منذ انطلاق شرارة هذا الربيع العربي لاستنزاف الجيش المصري من قبل قوى التدمير و الإرهاب، وهي مازالت جارية و لم تتوقف سواء في سيناء أو في الشرق الليبي و ذلك بعد أن نعت الجيش الليبي إبان عملية الإطاحة بالقذافي بـ«الكتائب» في إطار هذا الإستهداف الممنهج.

ومن بين أهداف ما يسمى الربيع العربي أيضا، وهذا هو الأهم بالنسبة للصهيونية العالمية، التي تعتبر إسرائيل مجرد أداة توظفها لتحقيق مشروعها، هو الإجهاز نهائيا على القضية الفلسطينية ووضعها في رفوف النسيان عربيا و دوليا. فقد انصرف العرب للإهتمام بشؤونهم المحلية و بات كل قطر طاله «ربيع الخراب» قضية في حد ذاته، و لم يعد ما يحصل في فلسطين يحظى بالمتابعة الإعلامية اللازمة في هذه البلدان.

فمثلا لم تركز وسائل الإعلام المحلية في بلدان تونس و مصر و ليبيا و اليمن على ذهاب الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة لكسب التأييد الدولي اللازم لقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس. كما لوحظ في أزمة البوابات الإلكترونية للحرم القدسي وجود لامبالاة تثير الإستغراب من الشارع العربي الذي اعتاد على الخروح في مظاهرات عارمة تكتسح شوارع و ساحات العواصم العربية و كبرى مدنها احتجاجا على السياسات الإسرائيلية.

كما تسبب الربيع العربي في شبه قطيعة بين حماس و أنظمة الممانعة الداعمة لها وارتماء الحركة في أحضان الإخوان أهم وكلاء هذا المشروع الشرق أوسطي الكبير. وبقيت دار حماس على حالها و تبين أن ما يسمى «محور الممانعة» ليس الجهة التي كانت تمنع حماس من التصالح مع فتح و تضع العراقيل أمام الوحدة الوطنية الفلسطينية بل هناك أطراف أخرى أماط الربيع العربي لثامها و نزع عنها ورقة التوت.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115