الأسباب الرئيسية للأزمة الاقتصادية في ليبيا والنتائج المترتبة عنها (2)

عبيد احمد الرقيق
كاتب وباحث اقتصادي ليبي

ننشر الجزء الثاني والأخير من الدراسة التي قدمها الباحث والكاتب الليبي عبيد احمد الرقيق وتبين بالأرقام والبيانات الوضع المتردي مع بيان سبل وافق الحل.
لقد تباينت الآراء حول مسببات الازمة الاقتصادية في ليبيا وهناك من يخلط بين الأسباب والنتائج وهنا كان العجز واضحا من المسؤولين في القطاع الاقتصادي والمالي على مواجهة الواقع والافصاح عن حقيقة ما أصاب البلد من تدهور وتدني في مركزها المالي ووضعها الاقتصادي مما يثير الشكوك بأنهم غير آبهين بحجم المشكلة وغير مدركين لتداعياتها الحاضرة والمستقبلية على الشعب الليبي وعلى المركز المالي للدولة الليبية ومن خلال متابعة لمجريات الاحداث عن قرب ودراسة ما احتوته التقارير الاقتصادية والمالية المتعلقة بالوضع الليبي الصادرة عن وزارة المالية ومصرف ليبيا المركزي وديوان المحاسبة يمكن حوصلة أسباب الازمة المالية والاقتصادية وكذلك النتائج التي ترتبت عنها .

أسباب الازمة
بالنظر الى ان المصدر الأساسي الوحيد للدخل في ليبيا هو النفط, فإن تدني انتاج النفط الليبي وتصديره بشكل ملحوظ نتيجة العمليات العسكرية التي رافقت انتفاضة فيفري 2011 ، أثر مباشرة عن الوضع الاقتصادي حيث افقد الميزانية الليبية خلال سنة 2011 مقارنة بالسنة السابقة 2010 ما يقدر بحوالي (61-16=45) خمسة واربعون مليار دينار مع الاخذ في الاعتبار ان متوسط سعر البرميل خلال 2011 اعلى بقليل من متوسطه سنة 2010.

بالرغم من انتهاء العمليات العسكرية الفعلية مع نهاية العام 2011 الا ان الفوضى المسلحة أدت مع نهاية عام 2013 الى التعدي على الحقول والموانئ النفطية والتحكم فيها من قبل ميليشيات مسلحة ثم الى اقفال اغلبها نهائيا ومنع تصدير البترول وهو ما زاد من حدة الازمة الاقتصادية والمالية للبلد حيث تراجع مستوى الإنتاج والتصدير من ما يقارب 1.5 مليون برميل يوميا الى حوالي 300,000 برميل يوميا فقط أي بانخفاض وصل الى خمس الإنتاج الفعلي السابق!

ضعف وتدهور الأداء الحكومي ما بعد 2011 على مستوى صناعة القرار حيث توالت على البلد حكومات تفتقر لأبسط متطلبات الإدارة الرشيدة في التخطيط المالي والاقتصادي ما انتج جملة من الإجراءات والقرارات العبثية غير المدروسة والتي أثرت مباشرة في الوضع المالي والاقتصادي على المدى القريب والبعيد مثل قرارات التعيينات العشوائية الجديدة، والايفاد للخارج، والعلاج، والمنح، وكلها حمّلت الميزانية العامة للدولة أعباء إضافية كبيرة، زد على ذلك قرارات زيادة المرتبات لبعض القطاعات الحكومية بدون دراسة مثل أعضاء الجهات التشريعية والقضائية وديوان مجلس الوزراء والوزارات( وزراء-وكلاء- مستشارون) و الرقابة الادارية وديوان المحاسبة وغيرها
تدني أسعار النفط في الاسواق العالمية التي وصلت في عام 2012 حوالي 110 دولار للبرميل بينما انخفضت في الاعوام 2013 - 2014 – 2015 -2016 الى متوسط سعر حوالي 45 دولار للبرميل. علاوة على عمليات التهريب المستمرة والمتزايدة للسلع المدعومة مثل المحروقات وبعض المواد الغذائية الأساسية مما شكل استنزافا ظاهرا للثروة الليبية يقدر بملايين الدينارات يوميا وعلى مرأى ومسمع من الجميع سواء في المنافذ البحرية او البرية!

وكذلك استمرار الفوضى والانفلات الأمني وتغول بعض الميليشيات واستعمالها للقوة في الحصول على مطالبات مالية غير شرعية مما أربك المنظومة المالية والإدارية وخلق تشوهات اجبارية فيها . الانقسام السياسي ما بعد عام 2014 وما ترتب عنه من وجود أكثر من جهة تشريعية وحكومة واحدة في وقت واحد والى الآن ما أثر على الأداء المالي للمصرف المركزي وأربكه وأضعف كذلك من قدرات الأجهزة الرقابية والمالية

النتائج المترتبة
لقد ساهمت تلك الأسباب مجتمعة في التأثير على الوضع الاقتصادي والمالي للدولة الليبية سلبيا وترتب عن ذلك جملة من النتائج أهمها، عجز كبير في الميزانية العامة للدولة الليبية اعتبارا من سنة 2014 وحتى الآن وصل الى ما نسبته اكثر من 70% مما هو مقدر وفق ميزانية العام 2016 . وكذلك تضخم كبير في حجم ميزانية الباب الأول المتعلق بالمهايا والمرتبات حيث قفز الرقم من حوالي 11 مليار دينار ليبي مع نهاية عام 2011 الى حوالي 23 مليار دينار ليبي بين عامي 2012 و2013 وهذا التضاعف يعتبر خللا فاضحا ولا مبرر له وفقا للمؤشرات الدولية الاقتصادية والمالية!

علاوة على تدني حجم التدفقات النقدية في المصرف المركزي وعجز المصرف المركزي على التمويل المناسب في الوقت المناسب لتغطية متطلبات الميزانية العامة في بنودها المختلفة مما اضطره للجوء الى الدين العام وتقديمه لسلف مالية لغرض معالجة العجز الكبير.

الانقسام السياسي وعدم وجود آلية اتخاذ القرار الموحد على مستوى الدولة، جعل المصرف المركزي يقوم بدور كل الاجسام الأخرى التشريعية والتنفيذية العليا في الدولة، فيما يتعلق باتخاذ بعض القرارات السيادية والتي هي أصلا تخص وزارتي المالية والتخطيط، مثل إعادة تصوير الميزانية وفق المتاح لديه، وكذلك لجوء المصرف المركزي لتقديم سلفة مالية من الاحتياطي العام لديه لتغطية العجز في الميزانية العامة للدولة وهذا يخضع وفق القانون لموافقة السلطة التشريعية العليا التي هي منقسمة وغائبة !
تآكل الاحتياطي النقدي للدولة الليبية سواء من العملة المحلية أو الأجنبية بالنظر الى ان حجم الواردات اقل بكثير من حجم المصروفات وهو ما يشكل تشوها ملحوظا في بنية الاقتصاد الليبي خلال هذه السنوات.
منع توريد العملة بالنقد الأجنبي لدى المصرف المركزي منذ عام 2013 لاعتبارات منع تمويل الإرهاب التي اتخذها مجلس الأمن، جعل المصرف المركزي يعجز عن الوفاء بحاجة السوق الليبي من المواد المستوردة والتي كانت تصرف من خلال فتح اعتمادات للتجار، وهذا ما أدى الى نشوء حالة حادة من المضاربة وتدهورا كبيرا في قيمة الدينار أمام العملات الأخرى، حيث لجأ بعض التجار الى شراء العملة الصعبة من السوق الموازي لتلبية الطلب على السلع التي يوردونها

المعالجات المقترحة
امام هذا الوضع المتدهور للاقتصاد الليبي، واخذا في الاعتبار جملة الأسباب والنتائج سالفة الذكر، يمكن اقتراح بعض نقاط المعالجات . وتنقسم هذه المعالجات الى معالجات طارئة تبدأ فوريا خلال مدة لا تتجاوز 3 شهور، ومعالجات متوسطة وطويلة الأمد قد تستغرق سنوات ومن هذه المقترحات ،الغاء مرتبات النواب وأعضاء المؤتمر ولجنة الدستور والوزراء والوكلاء وما في حكمهم ومعاملتهم ماليا حسب درجاتهم الوظيفية فقط. إعادة المرتبات في القطاع العام الى ما كانت عليه في العام 2011 وتجميد كل الزيادات التي اقرت فيما بعد والتي شملت بالخصوص قطاعات معينة مثل الشركات العامة كالاتصالات والاستثمارات وديوان المحاسبة والرقابة الإدارية والهيئات القضائية وغيرها. اضافة الى
تقليص العاملين في السفارات والقنصليات الى الحد الأدنى ودمج أو الغاء بعض السفارات مؤقتا. وكذلك الشروع الفوري في استبدال الدعم للسلع الأساسية والوقود بالدعم النقدي ووضع آلية سريعة ومضمونة لانتفاع المواطن الليبي بالمبلغ المحدد لكل فرد عن طريق صرف بطاقات الكترونية تشحن كل ثلاثة أشهر بقيمة الدعم المحدد للفرد وتسلم لكل رب اسرة من خلال الرقم الوطني قبل سريان رفع الدعم بشهرين على الأقل

إعادة هيكلة القطاع العام وفق الإمكانيات المتاحة ومراعاة الاحتياج الفعلي من العناصر بما يتناسب مع حجم العمل ومستويات الاداء المطلوبة لإنجاز المهام المطلوبة . وكذلك انشاء صندوق خاص لدعم المشروعات الصغرى والمتوسطة لتشجيع القطاع الخاص وإيجاد فرص عمل جديدة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115