الحقبة الساخنة التي تنتظر الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون : مصطفى الطوسة كاتب سياسي مغربي

في الوقت الذي يقضي فيه ايمانويل ماكرون صحبة زوجته بريجيت عطلتهم الصيفية في مدينة مارسيليا جنوب البلاد المطلة على البحر الابيض ، المتوسط يتابع الرئيس الفرنسي الجديد تطورات وتقلبات الرأي العام الفرنسي اتجاهه. من زخم الانتخابات التي أسكنته برجا عاجيا استقطب عطف و اهتمام الفرنسيين الى انهيار قياسي في شعبيته. وربما في عزلته الليلية

يتساءل ايمانويل ماكرون عن الاسباب التي جعلت الفرنسيين ينفرون منه بهذه السرعة ويعبرون عن امتعاضهم من خيبة أملهم لدى معاهد استطلاعات الرأي.

هل هي عملية شد الحبال الاستعراضية التي جمعته وقائد المؤسسة العسكرية الجنرال دوفيلي حيت أرغم هذا الأخير على الاستقالة في سابقة تاريخية وظهر في ثنايا ذلك وجه سلطوي مفاجئ للرئيس ماكرون؟ هل هو قرار سحب دعم الدولة لمنح السكن التي كان تستفيد منه الطبقة السياسية المتوسطة و الضعيفة؟ هل بسبب قراره اقتراح قانون يسمح له بتبني إصلاحات قانون العمل عبر مرسوم دون المرور عبر نقاش مع أعضاء البرلمان و عبر التوصل الى تفاهمات مع الفرقاء الاجتماعيين ؟ هل هي سياساته التي أعطت الانطباع انها تسهر على ضمان هامش الربح للشركات الكبرى و للطبقات الغنية عبر سياسية ضريبة تفضيلية ؟

كل هذه العناصر مجتمعة تقف وراء هذا الانزلاق الخطير في شعبية ماكرون وهذا الانطباع ان شهر سبتمبر المقبل سيكون من أسخن وأخطر حقبة في بداية هذه الولاية. وانطلاقا من تصريحات المركزيات النقابية فإذا تأكدت ملامح الإصلاح الذي يريده ماكرون لقانون العمل والذي سيكشف عن مضمونه في الواحد و الثلاثين من هذا الشهر وذلك عبر منح أرباب المقاولات والشركات سهولة في تسريح الموظفين و العاملين وعبر اعادة النظر في نوعية التعاقد داخل الشركات والقطاع العام فان الأسابيع المقبلة ستكون ملتهبة اجتماعيا قد تساهم في انخفاضات قياسية في شعبية الرئيس الجديد وأداء حكومته.

من جهة اخرى ارتفعت أصوات تدافع عن ايمانويل ماكرون وتقول انه لا يجب الحسم في مصيره السياسي في مدة قصيرة و ان الرجل يتمتع بولاية كاملة لإظهار مهاراته السياسية وتنفيذ وعوده الانتخابية الهادفة الى اعادة إطلاق عجلة الاقتصاد الفرنسي و إنعاشه وخلق فرص للعمل جديدة ترفع الضغط على الواقع الاجتماعي الفرنسي المتأزم. ويضيف هؤلاء ان أيمانويل ماكرون يعيش حاليا في مشهد سياسي تقلص فيه دور المعارضة السياسية على المستوى البرلماني والسياسي. فما-روت يتمتع بأغلبية برلمانية مريحة تقيه اخطار سحب الثقة والمعارضة البرلمانية. بينما يواجه في الميدان أحزابا سياسية تعيش شرخا داخلية مثل حزب الجمهوريون المنقسم على حاله بين مؤيد لسياسة ماكرون و معارض شرس له بالإضافة الى الحزب الاشتراكي المهدد حاليا بالاندثار بسبب غياب إخفاقاته الانتخابية المتعددة وغياب مشروع سياسيا بقيادة فعالة.

تحديات المائة يوم
هذا وكثرت التعليقات السياسية في فرنسا حول قدرة الرئيس الفرنسي الجديد على تحقيق وعودة وإصلاحاته الجذرية خلال الفترة الرمزية لمرور مائة يوم وهي تقترب من نهايتها. التركيز على هذه الفترة ورمزيتها مصدره ان ايمانويل ماكرون كان تعهد خلال حملته الانتخابية بأنه سيستغل هذه المدة التي عادة ما يكون الرئيس يتمتع بثقة الفرنسيين القوية وزخم دعمهم له بعد ان أسكنوه قصر الاليزيه ومنحوه هامش مناورة لتطبيق برنامجه الانتخابي.

وعندما اتخذ إيمانويل ماكرون هذا الموقف كان يهدف أساسا الى التميز عن سلفه فرنسوا هولاند الذي وجهت له انتقادات انه لم يتخذ القرارات اللازمة في الوقت المناسب وانه فوت على نفسه فرصة المائة يوم التي كان بإمكانه أن يتمتّع بدعم الفرنسيين وتفهمهم. وانه انتظر الفترة الاخيرة من ولايته لإطلاق مسلسل الإصلاحات . ما جعل إمكانية تبنيها من طرف الفرنسيين اكثر تعقيدا.

في عهد ماكرون تقترب مدة المائة يوم من نهايتها ولا تلوح في الأفق اي مؤشرات على تحقيق مرتقب لوعوده عبر إنجاز ما يسميه المراقبون بصدمة الإصلاحات . بالعكس انهارت شعبيته في معاهد استطلاعات الرأي بسبب قرارات اتخذتها حكومته فهمت انها تهدف الى ممارسة ضغط إضافي على الطبقات المتوسطة والفقيرة مثل قرار خفض دعم الدولة للمساعدة التي تقدمها في مجال السكن او قراره تغيير قانون العمل عبر اللجوء إلى مراسيم حكومية عِوَض فتح نقاش برلماني وحوار مع مختلف الفرقاء الاجتماعيين . وجاءت ردود الفعل الغاضبة والمنتقدة لماكرون لتكشف ان القرارات المرتقب اتخاذها قد تصب النار على صراعات اجتماعية وتؤجج الحركات الاحتجاجية التي تعطي لشهر سبتمبر وأكتوبر المقبلين نكهة اجتماعية صاخبة.

ومن مفارقات عهد ايمانويل ماكرون انه بدأ ولايته بظهور ذكي في الحلبة الدولية عبر لقاءاته مع ابرز زعماء العالم كدونالد ترامب و فلاديمر بوتين حيث أكد قدرته على تقمص شخصية الرئيس. الا ان هذه الخطوات على الرغم أهميتها لم تكن كافية لكي تضمن له شعبية لدى الفرنسيين الذين بدأوا بالتعبير عن امتعاضهم و ربما خيبة أملهم من الإصلاحات التي ينوي ماكرون و حكومته اتخاذها. و من المفارقات ايضا ان هذا الانهيار في شعبيته يحصل في وقت لا تواجه ايمانويل ماكرون مع معارضة قوية في البرلمان حيث يتمتع باغلبية مريحة. و التحدي المطروح حاليا عليه كيف يمكن له ان يستعيد بريق انتخابه في وقت كان يجسد بالنسبة للفرنسيين آمال التجديد و القطيعة ما عالم مشلول بغياب إرادة قوية لإصلاح الاقتصاد والمجتمع واتخاذ الإجراءات الضرورية لتحرير الطاقات وإنعاش الاقتصاد وخلق فرص للعمل…الشرط الذي يعتبره المراقبون الوحيد القادر على ضمان عودة ثقة ودعم الفرنسيين لايمانويل ماكرون.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115