في ظل واقع إقليمي مضطرب : استفتاء انفصال إقليم كردستان عن العراق ورحلة البحث عن التنازلات

تمخّضت زيارة وفد رسمي كردي الى العراق أمس عن إعلان كُردستان رفضها الرّسمي المطالب العراقية والدولية التي دعتها الى تأجيل استفتاء استقلال الاقليم المزمع اجراؤه في الـ25 من شهر سبتمبر المقبل . ورغم إعلان الولايات المتحدة الامريكية وروسيا وألمانيا رفضها اجراء الاستفتاء وحرصها على وحدة الاراضي العراقية الا انّ سلطات الاقليم اكدت

تمسّكها بهذه الخطوة رغم تداعياتها وآثارها على الداخل العراقي والمشهد الاقليمي بصفة عامة.

وأكد رئيس الوفد الكردي، عقب جولة في بغداد، التقى خلالها رئيس الحكومة العراقية، حيدر العبادي، ومسؤولين آخرين، أنه تم إبلاغ المسؤولين بأن أربيل لا تثق بوعود بغداد. ويرى وفي وقت سابق، ردت رئاسة إقليم كردستان العراق على طلب واشنطن تأجيل استفتاء على استقلال الإقليم من المقرر إجراؤه في 25 سبتمبر، بالتأكيد أن الشعب الكردي متمسك بحق تقرير المصير.

ويرى متابعون ان استفتاء انفصال اقليم كردستان عن العراق يحمل في طياته ابعادا وتأثيرات كبيرة على كافة الاصعدة الداخلية الاقليمية والدولية . خاصة انّ العراق والمنطقة العربية برمتها تعيش مرحلة حساسة في حربها ضد الارهاب والتنظيمات الارهابية داعش وأخواتها ، مما يجعل التحدي الامني وإعادة بناء مؤسسات الدولة هي الهاجس الاول لإعادة ترتيب البيت العراقي الداخلي . وهو مايعتبره مراقبون مهدّدا في ظلّ دعوات الانفصال التي يتمسك بها اقليم كردستان العراق. وكانت وزارة الخارجية الأمريكية أعلنت في جوان الماضي وجددت يوم امس في بيان، أنها تخشى أن يصرف الاستفتاء الانتباه عن «أولويات أخرى أكثر إلحاحا» مثل هزيمة متشددي تنظيم «داعش».

من جهتها قالت تركيا انّ تمسك كردستان العراق بإجراء الاستفتاء في موعده قد يقود إلى «حرب أهلية و»لن يؤدي سوى الى تفاقم الوضع» . وتنادي اصوات دولية وإقليمية بضرورة احتواء الانقسام السياسي الحاد والجدل الدائر بين العراق وإقليم كردستان ، إلاّ انّ متابعين للشأن العربي أكدوا ان اربيل تحاول الضغط على الاطراف المقابلة للحصول على ضمانات والتزامات تهمها قبل ان تقبل بتأجيل موعد الاستفتاء.

صعوبات بالجملة
من جهته قال الكاتب والمحلل السياسي السوري سومر سلطان لـ«المغرب» ان استفتاء انفصال كردستان يحمل عدة مدلولات مضيفا انّه «من الناحية الداخلية، هناك ملاحظة صغيرة قد تكون ذات مدلول هام، وتتعلق برجل الأعمال الكردي شاهسوار عبد الواحد، الذي كشفت مصادر صحفية مؤخراً أنه خلال زيارته إلى واشنطن التقى بمسؤول وكالة الأمن القومي، وأن

هناك بحثاً عن إمكانية تأسيس حزب سياسي ينافس الحزبين التقليديين في كردستان العراق بقيادة البرزاني وطالباني».
وتابع محدثنا «عندما نتابع المجهود الإعلامي الذي يبذله الثري المذكور - وهو صاحب قنوات ومواقع إعلامية قوية في بيئته - نلاحظ عليه أنه يعارض الاستفتاء بشكل شرس، ذاكراً حجة واحدة فقط يبدو أنه سمعها في واشنطن، وهي عدم وجود دعم دولي كافي. أي أن الولايات المتحدة، وهي معروفة تاريخياً بأنها غير وفية لحلفائها، خذلت البرزاني من جهة، وبدأت

تتحضر لمرحلة يمكن فيها أن تبدأ بعملية إضعافه، سواء عبر الثري شاهسوار عبد الواحد، أو عبر كثير من الساسة الذين قد يخرجون في أي لحظة». وتابع سلطان انه رغم هذا يبدو البرزاني مصمماً على المضي في مشروعه، وهو حالياً يناور ليحصل عبر الاستفتاء على تنازلات من حكومة بغداد، تتعلق حالياً حسبما يبدو بتجارة النفط، الذي ترغب حكومة أربيل

بالحصول على حصة أكبر منه.

وتابع الكاتب السوري القول «ستكون هناك مرحلة طويلة فاصلة بين إعلان نتائج الاستفتاء وبين تطبيقها، وسيكون عنوان هذه المرحلة عض الأصابع بين أربيل وبغداد، وخاصة من أجل ملء الفراغ الناجم عن سحق تنظيم «داعش» الارهابي وطرد فلوله».

تحديات خارجية
ومن الناحية الخارجية، قال الكاتب السوري انّ البلدان الأربعة المعنية بالاستفتاء مباشرة، أي العراق وسوريا وإيران وتركيا، بدأت خطوات جدية لمواجهة هذا الاستحقاق. واضاف ‘’وربما هذا أهم اسباب زيارة رئيس هيئة الأركان الإيراني إلى أنقرة. ولعلي أكشف سراً إن قلت إن أنقرة حاولت عبر وسيط معين أن تحاول معرفة رد فعل دمشق فيما إذا قامت بتنفيذ ضربات على بعض المواقع التي تسيطر عليها القوات الكردية، شمال سوريا’’.

وتابع :’’بالطبع دمشق لم تقبل أن يضرب طرف خارجي مكوناً سورياً، ولكن ليس هذا موضوعنا، بل موضوعنا هو أن هذه الحكومات تستشعر خطراً على أمنها القومي، نتيجة هذا الحراك المتزايد للحركات الكردية بمختلف توجهاتها الإيديولوجية، وارتباطاتها العشائرية والمناطقية’’.
واعتبر محدّثنا أن «تركيا هي الحلقة الأضعف بين هذه الدول، ولن أستغرب مطلقاً فيما إذا تم الإعلان عن عقد أي تفاهم ما بينها وبين حكومة أربيل، شرط أن تحصل على منافع مالية معينة، مثل التفاهم القديم الذي عقدته للحصول على امتياز نقل نفط تستخرجه أربيل، ولكن بغداد تعتبره من حقها، إلى مرافئ تركية تمهيداً لتصديره إلى الخارج. وتبين فيما بعد أن مالك شبكة النقل لهذا النفط هو الملياردير برات ألبيرق صهر أردوغان، زوج ابنته، والذي تم تعيينه فيما بعد وزيراً للطاقة. ويجدر بالذكر أن هذه الشبكة هي التي نقلت فيما بعد النفط الذي اشتراه الأتراك من تنظيم داعش، ونقلوه إلى مرافئ التصدير مقدمين بذلك ثروات كبيرة للتنظيم الوحشي، مما سمح له بالتمدد والتوسع بهذا الشكل».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115