عشية إحياء الذكرى الأولى للمحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا: متغيرات المشهد السياسي الداخلي وجهود التموقع الإقليمي والدولي

تحيي تركيا الجمعة الذكرى الأولى للمحاولة الانقلابية الفاشلة التي شهدتها البلاد يوم 15 جويلية 2016 للإطاحة بنظام الرئيس رجب طيب اردوغان ، وتأتي الذكرى الأولى للانقلاب الفاشل وسط اضطرابات سياسية داخلية ومتغيرات إقليمية ودولية حادة أثرت بشكل مباشر أو غير مباشر على سياسة أنقرة الداخلية والخارجية على حد سواء وشهدت تركيا آنذاك حملة اعتقالات

ومداهمات طالت عشرات الآلاف من الأتراك بين جامعيين وأمنيين واكاديمين وفنانين وطلبة وغيرهم وذلك في أوسع حملة اعتقالات شهدتها البلاد وخلفت انتقادات دولية ومحلية كبرى.

واثر إفشال الانقلاب استغلت حكومة اردوغان المشهد لشن هجمة شرسة على معارضيها من اتباع الداعية الإسلامي فتح الله غولن وأيضا معارضيها من الاكراد وغيرها من التيارات المناوئة لتوجهات حزب العدالة والتنمية الحاكم. واجمع مراقبون ان المحاولة الانقلابية كان لها دور كبير في مزيد إحكام اردوغان قبضته على المؤسسة الحاكمة في تركيا .وكان الاستفتاء الذي أجرته انقرة في افريل المنقضي -والذي نجح من خلاله الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في توسيع صلاحياته كرئيس للجمهورية - كان خطوة كبرى نحو مزيد فرض نظام الحاكم الواحد او السلطان الواحد وهو ما اعتبرته عدة دول غربية خطوة للوراء باتجاه مزيد تقييد الحريات وتشديد قبضة الحزب الحاكم على مفاصل الدولة .
المشهد الداخلي في تركيا لم يكن وحده المتأثر بالمحاولة الانقلابية بل أيضا السياسة الخارجية تجاه ملفات المنطقة والتي تؤثر بشكل مباشر على تموقعها في المشهد الإقليمي والدولي . أول الملفات المتأثرة كانت علاقة تركيا باوروبا مع العلم ان انقرة حشدت جهودها لسنوات طوال من اجل كسب جواز العبور إلى جانب دول الاتحاد الأوروبي .إلا ان المشهد الإنساني والوضع الحقوقي وأيضا حملة الاعتقالات الشرسة التي شنت منذ جويلية 2016 كانت احد اهم أسباب إجهاض مفاوضات الالتحاق بدول القلعة الأوروبية.زد على ذلك فقد شهدت علاقات تركيا مع عدد من الدول على غرار أمريكا وألمانيا خاصة توترا ملحوظا بسبب مواقف تركيا من القضايا الإقليمية (سوريا بصفة خاصة) والدعم الأمريكي للأكراد هناك وهو ماتعارضه حكومة اردوغان.

هزات داخلية
من جانبه قال الكاتب والمحلل السياسي السوري المختص في الشأن التركي سومر سلطان ان «تركيا شهدت هذا العام خضات لم تشهدها ربما منذ تأسيس الجمهورية الحديثة، في مطلع القرن العشرين؛ فهناك حالة الطوارئ التي أدت إلى إخراج مئات آلاف الموظفين المشكوك في ولائهم بالنسبة لحكومة حزب العدالة والتنمية، وهناك الاستفتاء الدستوري، الذي انتهى بقبول التحول إلى نظام رئاسي يحاكي النظام الأمريكي. وهناك كذلك عشرات حالات القمع غير المعهود، وكبت الحريات، إضافة إلى تحول تركيا لأول مرة كذلك إلى نمط امبراطوري، حيث أصبح لها قواعد عسكرية في كل من سورية والعراق وقطر، وهناك حديث أيضاً عن قواعد يتم التباحث بشأنها في الصومال، بل وربما في غزة، إن وافق كيان الاحتلال الصهيوني على ذلك»

واضاف سلطان ان الانقلاب أعطى لأردوغان فرصة لم يكن ليحلم بها، فقد تمكن عبر إعلان حالة الطوارئ من إجراء أكبر عملية تطهير في المؤسسات والدوائر الرسمية، كما تمكن من الحكم دون برلمان عبر صيغة ما يسمى بـ«قرار بحكم القانون»، وهي صيغة من القرارات التي تسمح حالة الطوارئ للحكومة باتخاذها من أجل ضمان الأمن القومي مشيرا إلى أن الحكومة الحالية توسعت في تعريف الأمن القومي ليشمل كل من يعارضها، وكل من لا يقدم فروض الطاعة لها.

تداعيات الاستفتاء
وعن المشهد الداخلي والاقليمي والدولي بعد استفتاء توسيع الصلاحيات ومايشاع عن تخلي اردوغان عن حلم الانضمام للاتحاد الأوروبي لصالح ترسيخ نظرية السلطان الواحد في تركيا اجاب محدّثنا انه «عام 1995، كان أردوغان وحزبه من أكبر معارضي مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوربي، وكانوا يستخدمون لغة تحريض ديني، فأردوغان مثلاً كان يطلق على الاتحاد لقب «النادي المسيحي الكاثوليكي»، أما عبد الله غول فكان يشبه بلاده بالحيوان الذي سيتم وضعه في كوخ في بستان القصر، حسب تعبيره». واضاف سلطان :››لكن عندما أتى هؤلاء إلى الحكم غيروا سياساتهم، وقدموا الكثير من التنازلات للاتحاد الأوربي، وآخرها مثلاً تسيير الدوريات الشرطية في بحر إيجه لمنع موجات الهجرة إلى أوروبا عبر الأراضي التركية. وقد وعد الاتحاد الأوربي الأتراك بمبالغ مالية، لم يقدم منها إلا أقل القليل، كما وعد بتسهيل دخول المواطنين الأتراك الى بلاده، ولم يف بوعده كذلك».

واشار المحلل السياسي السوري الى انه رغم هذا استمرت سياسة التنازل التركية، رغم الإشكالات الإعلامية مع بعض الحكومات، وعلى رأسها هولندا وألمانيا بسبب منعها بعض فعاليات الحزب الحاكم. مضيفا انيوم أمس أيضاً أعطى أردوغان إشارة تنازل جديد، رغم الرد القاسي من الاتحاد بتجميد مفاوضات الانضمام، حيث علق أردوغان بأن بلاده ستستمر بالعلاقات الحسنة مع الاتحاد لفترة من الزمن. واعتبر محدثنا ان هذا كله لا يتعارض مع الحلم السلطاني لأردوغان، فهو يعلم في قرارة نفسه حجمه، وبالتالي يحاول تطبيق أحلامه في مناطقنا الضعيفة والمتعبة، في الوطن العربي، أما اتجاه الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية فهو لا يزال ذلك الحاكم الضعيف الذي يتوسل الدعم من القوى العالمية ليستمر في الحكم وفق تعبيره

حرب التموقع
وبخصوص تموقع تركيا اليوم في المنطقة العربية ومدى تأثر سياستها تجاه أزمات المنطقة بعد الانقلاب وموقفها من أزمة الخليج قال سومر سلطان ان تركيا تحاول اليوم أن تحتفظ لنفسها بوجود دائم في سورية والعراق، وتحويل قواعدها إلى مناطق حكم ذاتي تحكمها قوانين تضعها حكومة أنقرة، ولا تمت بصلة لقوانين كل من دمشق وبغداد. ولهذا السبب تستمر بتقوية الميليشيات التابعة لها في كلا البلدين، وتقوم كذلك بإنشاء أجهزة أمنية موازية لهذه الميليشيات للقيام بالنشاط الاستخباراتي لصالح أنقرة على حد قوله واعتبر ان هذا كله استمر قبل الانقلاب وبعده، ولكن ما تغير في سورية مثلاً هو تغير مقاربة أنقرة للعلاقة مع روسيا، حيث باتت تقبل التفاوض معها. ويمكن القول إن الهجوم الساحق للجيش السوري بالتنسيق مع روسيا وبقية الحلفاء باتجاه المناطق المحتلة من مدينة حلب، وتحريرها بالكامل، هو أحد نتائج الاستغلال الجيد من قبل موسكو للانقلاب، وحاجة أردوغان إلى من يعطي الشرعية لحكمه.

وبخصوص أزمة الخليج، اجاب بالقول ان لدى حكومة «العدالة والتنمية» موقف مزدوج؛ فهي تدعم قطر أولاً، وأرسلت قوات عسكرية للوقوف في وجه اجتياح بري محتمل. وبنفس الوقت تحاول استيعاب السعودية، بسبب ما يملكه آل سعود من وزن مالي وقدرة على تحريك المواقف الدولية لصالحهم. لهذه الأسباب يريد اردوغان أن يدعم قطر دون إثارة عداء السعودية. وهذا هو سبب الموعد الذي يحاول أن يحصل عليه منذ فترة من الملك سلمان بن عبد العزيز ونجله ولي العهد محمد بن سلمان على حد قوله

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115