رحيل المناضل العربي عبد المجيد الرافعي: «المغرب» تعيد نشر آخر حوار معه حول الوضع السوري .. المتغيرات في المنطقة وضرورة خلاصها بالوحدة والحوار السياسي

رحل امس المناضل العربي عبد المجيد الرافعي تاركا وراءه ارثا نضاليا كبيرا فهو كان اهم نصير للقضايا القومية العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية . هو من طينة الزعماء المناضلين ، اولئك الذين يقدمون كل شيء من اجل اوطانهم ....ابن طرابلس الشرق العاصمة الثانية للبنان.. وتنشر «المغرب» آخر حوار اجرته معه وسجل خلاله مواقفه مما يجري في العالم العربي ..

ليس من السهل اختصار مسيرة 88 سنة لرجل من ابرز القيادات القومية في لبنان والعالم العربي .هو الدكتور والنائب والسياسي اللبناني عبد المجيد الرافعي . شغل الرجل منصب عضو قيادة قومية لحزب البعث العربي الاشتراكي
ورئيس حزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي. دخل الى عالم السياسة مبكرا من خلال مشاركته في معركة التحرر من الانتداب الفرنسي على لبنان ..في مسيرة النضال من اجل المبادئ القومية والوطنية .. هاجر من لبنان قسرا عام 1983 اثر معركة إخراج ياسر عرفات من طرابلس التي قادتها القيادة السورية بالتنسيق مع بعض الاحزاب اللبنانية والتنظيمات الفلسطينية الموالية لسوريا واستقر في العراق في ظل نظام حزب البعث كونه امين سر حزب البعث (العراقي) - فرع لبنان وبقي في العراق إلى ان حدثت حرب 2003 وبعد الاطاحة بالنظام العراقي رجع إلى لبنان . في داره الواقعة على هضبة ابي سمرا في مدينة طرابلس شمال لبنان والمطلة على لازورد البحر المتوسط كان لقاؤنا معه ليفتح صندوق ذاكرته امام صفحات «المغرب» ..فتطرق في حديثه الى المتغيرات الاخيرة في المنطقة والى الصراعات الدائرة في الجوار السوري والى الوضع في لبنان. كما تحدث عن واقع الاحزاب القومية اليوم ..

• ما تقييمكم لما يحصل اليوم في العالم العربي في سوريا ، اليمن، العراق، تونس، ليبيا ؟
دون شك ليس هناك بلد في العالم العربي لا يحتاج الى اصلاحات كبيرة او جذرية قد تصل الى حد تغيير الحكام. نحن كمبدإ نتطلع الى هذا التغيير او الى الاصلاحات الجذرية من خلال النضال الشعبي السلمي وبشرط ان يحافظ على وحدة البلد ووحدة الكيان وعدم الانجرار الى صراعات داخلية لها طابع طائفي او مذهبي، وان لا يسمح ايضا بالتدخلات الخارجية وخاصة العسكرية منها . والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل حافظت هذه الحكومات التي انتفض فيها الشعب فيما سمي بـ « الربيع العربي» على سلمية التحرك او سمحت بسلمية التحرك الشعبي وهل بقي الشعب موحدا في مواجهة هذه الحكومات؟.
اعتقد ان التاريخ القريب يعطي امثلة متباينة بشان هذه الانتفاضات الشعبية. ففي تونس مثلا اندلعت الانتفاضة عقب حرق محمد البوعزيزي نفسه احتجاجا على تعامل السلطة معه، واستمرت بأقل خسائر في الأرواح وانسحب الحاكم من الصراع فاتخذت الحالة في تونس منحى ديمقراطيا أدى الى انتخابات عامة برلمانية ورئاسية بأقل قدر ممكن من الخسائر البشرية .
وفي مصر اتخذت طابعا مختلفا اذ كانت الانتفاضة الشعبية عارمة وأدت الى انهيار نظام حسني مبارك وإيداعه وأولاده والعديد من افراد حاشيته في السجن . واستفاد الاخوان المسلمون من هذه الحالة وسيطروا على الحكم. لكن لم يكن هذا الحكم نابعا من مبادئ الانتفاضة في ما يتعلق بالديمقراطية والحريات العامة والحقوق الاجتماعية فحصلت الانتفاضة المضادة لحكم الاخوان وبعدها تم انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيسا للجمهورية.
اما في الجوار السوري، فاذا اردنا ان ننظر الى المبادئ التي تكلمنا عنها فنرى ان الانتفاضة الشعبية في سوريا بدأت سلمية بكل معنى الكلمة ومطالبها مشابهة للعديد من الانتفاضات في الوطن العربي التي ذكرناها آنفا. ولكن استعمال السلاح ادى الى شيء من الانشقاق في الجيش فتشكل الجيش السوري الحر ولكن ادى ايضا الى تدخلات سواء من الخارج او الداخل اخترقت المعارضة والانتفاضة السلمية ، منها ذات طابع طائفي ومنها ذات طابع وطني، منها سياسي في الخارج و مسلح في الداخل واستمر الوضع هكذا حتى دخل تنظيمان ارهابيان على الخط هما جبهة النصرة وداعش . هنا يتحمل النظام مسؤولية لأنه بادر باستعمال السلاح حتى سمح بالاختراقات العديدة وعقد الامور وانحرفت الانتفاضات الشعبية الحقيقية واصبحت ذات توجه طائفي ومذهبي .

• هناك من يعتبر ان كل ما شهدته المنطقة العربية يدخل في اطار « المؤامرة» من الخارج فماذا تقولون؟
هناك مخططات خارجية لا شك وهي معروفة على الاقل منذ اوائل السبعينيات. ومنها مشروع كيسنجر الذي خطط لتقسيم الوطن العربي لدويلات طائفية ومذهبية حدودها بحدود الطائفة والمذهب وغالبا ما تكون متصارعة مع بعضها بل ومتقاتلة حيث تضعف ويبقى الكيان الصهيوني هو الاقوى والمقرر للسياسة الامبريالية وخاصة الامريكية والصهيونية في منطقة تسودها الصراعات المذهبية والطائفية . هذا مخطط ولكن هل المخطط ينفذ من لا شيء؟ لا فالعديد من الاقطار التي انتفض فيها الشعب كانت ديكتاتورية او شبه ديكتاتورية عدا عن الظلم الاجتماعي . وقمع الحريات العامة والتفاوت الطبقي بكل المستويات . وهذا ما استغلته المخططات التي تكلمنا عنها . ولكن الشعب العربي - سواء في الدول التي ذكرناها او غيرها، كالعراق الذي استهدفه اقوى عدوان من اقوى دولة في العالم ، واليمن الذي بشكل مختلف من تكوينه الاجتماعي ايضا يصارع حالة تحكم استعمل فيها السلاح لفرض ارادة فريق مدعوم من الخارج الايراني، ورغم كل ذلك نحن مؤمنون بان الشعب العربي ولو طال الزمن سيحقق اهدافه في الحرية والديمقراطية والتقدم الاجتماعي . وهذا لا يأتي مصادفة بل على القيادات الواعية في الوطن العربي ان تتحد في مشروع وطني قومي اجتماعي لتحقيق هذه الاهداف .

• ما رأيكم في ما قيل بان هناك تحالفا بين حزب البعث العراقي المنحل وداعش ؟
عندما قاوم حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق العدوان الامريكي الامبريالي الصهيوني السافر على اراضيه واحتل بغداد عاصمة العباسيين والعرب انتفض الشعب في العراق بقيادة حزب البعث وقوى وطنية واسلامية . وبقيت هذه الانتفاضة مستمرة حتى قرر الرئيس الامريكي انسحاب القوى الامريكية في آخر عام 2011 . عندها لم تكن هناك لا داعش ولاغيرها واستمرت القوات الوطنية وعلى راسها قوات حزب البعث في مواجهة ضد من ورثوا دولة الاحتلال الامريكي بدعم من الايرانيين . ومع انخراط العراق في النضال ضد الدولة التي كان يرأس حكومتها المالكي والمدعومة جدا من ايران، دخلت داعش على الخط واجتاحت الموصل ومنطقتها وكانت هناك قوات من حزب البعث وحلفائه فتم اعتقال العديد من القياديين المدنيين ومن الضباط العسكريين من حزب البعث الذين كانوا يقاتلون الدولة، فاعتبر الحزب ان ما يحصل هو محاولة لالهائه عن مواجهة الحكومة التي يدعمها «الفرس» بإشراف امريكي. فان يقال ان حزب البعث يتعاون مع داعش فهذا محض هراء .

• حزب البعث في العالم العربي تحت مسمياته المختلفة هل لديه موقف واحد مما يحصل في سوريا والعراق ؟
عندما كان حزب البعث يُقمع في اكثر من قطر عربي ولا يُسمح له بالنشاط رسميا باسمه في بعض الدول التي سمحت بالتنظيم الحزبي بشكل عام ، اتخذ المؤتمر القومي 12 المنعقد عام 1992 قرارا بان يعطي للاقطار الحرية باستخدام اسم آخر شريطة ان يوحي بالانتماء الى حزب البعث العربي الاشتراكي . خاصة في الدول التي تسمح حكوماتها بتشكيل تنظيم حزبي ولكن بغير اسم البعث الكامل العربي الاشتراكي-. وهذا ما حصل في اليمن الذي يسمى الحزب هناك «حزب البعث العربي الاشتراكي القومي». وفي الاردن يسمى «حزب البعث العربي الاشتراكي الاردني»، وفي تونس «حركة البعث» اما عندنا في لبنان فإن المرحوم كمال جنبلاط عندما كان وزيرا للداخلية قد اقر لنا تنظيم حزب سياسي سمي بـ «الحزب العربي الاشتراكي» واعطى لجماعة سوريا اسم تنظيم حزب البعث وعندما خرجنا مرغمين من لبنان وكان كثير من القيادة البعثية في السجون السورية ، قامت حكومة الحريري المسيطر عليها من النظام السوري انذاك بحل حزبنا واعطت الاسم لجماعة سوريا . وعندما عدنا في اوائل القرن الحالي ارتأينا ان نعيد التنظيم لكن تحت اسم آخر بما ان اسم حزبنا ذهب لغيرنا ، وبما ان الحزب قد بدا في اوائل الخمسينيات تحت اسم «شباب الطليعة العربية» فقد تم الاتفاق على تسمية الحزب في لبنان باسم «طليعة لبنان العربي الاشتراكي». ولكن هذا لا يمنع بان حزب البعث العربي الاشتراكي في قيادته القومية ظل قائما رغم استشهاد واعتقال عدد من اعضائه وعلى راسهم شهيد الاضحى المبارك الرئيس القائد صدام حسين. فهذه القيادة تقوم بواجباتها بشكل دوري ومنتظم وتقود جميع فروع الحزب بمختلف الاسماء التي اطلقت عليها اجباريا .

• بالنسبة للموقف من الازمة السورية ، اين تقفون اليوم وهل انتم تدعمون المعارضة ام النظام السوري؟
انطلقنا من المبادئ ..نعم لتغيير او حتى لإصلاحات جذرية شريطة ان تكون بأسلوب سلمي. ولكن بما ان ما حصل كان استعمال السلاح ، فاننا نصر على هذه المبادئ وان يبقى القطر السوري قطرا موحدا بحكومة واحدة ، وهذا لا يتأتى الا من خلال الحوار السياسي ووقف كل العمليات العسكرية . فنحن ضد الحروب الداخلية مهما كانت محقة الا في مواجهة العدو الصهيوني او استعمال السلاح من قبل السلطة.

• يرى البعض ان الاحزاب القومية العربية تراجعت اليوم في العالم العربي وتركت مكانها للأحزاب الاخوانية فما رأيكم؟
لا استطيع ان اقول ان الاحزاب القومية تراجعت لأنها موجودة رغم كل الذي حصل ولكن بعد كل ما تعرضت له القيادة القومية عقب ملاحقة مئات الآلاف واعتقال الآلاف في السجون لا يمكن ان يكون الوضع كما كان قبل عشر سنوات او اكثر . كذلك الامر هنا في لبنان كانت الاحزاب القومية العربية في طليعة القوى التي تواجه وتتصدى للاعتداءات الصهونية بل وانتقلت الى الهجوم. وكلنا يتذكر الشهداء الذين سقطوا على تخوم الاراضي المحتلة في فلسطين . وانا زرتهم في مغاورهم وفي مواقع متقدمة ووصلت حتى كفرشوبا والمناطق المحيطة بها وكان العديد من اللبنانيين ينامون في العراء ويتحينون الفرص لتشكيل مجموعات تدخل وتقوم بعمليات في عمق الاراضي المحتلة. ولم يكن ذلك من جانب البعثيين وجبهة التحرير العربية فقط ، فقد كان هناك ايضا الشيوعيون والقوميون السوريون والعديد من القوى القومية واتى بعدها بعض مناضلي امل وجمهور حزب الله في اوائل الثمانينيات. وبعد العدوان الصهيوني في سنة 82 19، خلقت حالة من النهوض الوطني والقومي موجهة نحو الانتهاء من العدوان الصهيوني . ولكن في لبنان لسوء الحظ اتت الوصاية السورية قبل وبعد الطائف وقمعت القوى الوطنية والقومية وقمعت الحريات . بحيث ضعفت الحالة القومية الى ابعد الحدود . وبعد خروج القوات السورية من لبنان عام 2005 - وكان المفروض ان تخرج بعد سنة واحدة من اتفاق الطائف 1989 - بعد هذا الخروج عادت القوى الوطنية تجمع صفوفها لكن ببطء وكان لتدخل ايران في العديد من القوى اثره لعدم توحيد القوى الوطنية والقومية. فكانت هناك اكثر من مبادرة وأكثر من تسمية ولكن لم تصل الى حدود الطموح في جبهة وطنية وقومية رائدة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115