الصحفي والكاتب والعراقي ثائر عبطان حسن لـ «المغرب»: الانتصار على «داعش» الإرهابي سيترك آثارهِ العميقة في رسم الوضع السياسي والأمني في العراق

قال الصحفي والكاتب العراقي ثائر عبطان حسن ان تحرير الموصل من داعش الارهابي ستكون له تأثيرات عميقة على المشهد العراقي ، لما لَهُ من إعتبارات عديدة ..واعتبر في حديثه لـ «المغرب» ان البلاد سائرة نحو وضع اكثر استقرارا وثباتا بعد أن توحدّت جميع الأحزاب السياسية على إختلاف مشاربها بالوقوف مع الجيش والقوات الأمنية والحشد الشعبي.. واشار الى

ان هذا المناخ سمح لرئيس الوزراء حيدر العبادي باتخاذ قرارات خطيرة وفِي غاية الصعوبة في ظل تجاذبات المنافسة الشرسة بين نفوذ كل من طهران وواشنطن في العراق.

• كيف هو الوضع اليوم في العراق بعد تحرير الموصل ؟
انتصار العراق الكبير في معركتهِ الشرسة مع داعش ، وإعلان ذلك من قبل رئيس الوزراء حيدر العبادي ، ومن نفس المكان الذي أعلن فيه ابو بكر البغدادي دولتهِ المزعومة في جامع النوري ، هذا الإنتصار سيترك آثارهِ العميقة في رسم الوضع السياسي والأمني على المدى القريب والمتوسط دون أدنى شك ، لما لَهُ من إعتبارات عديدة أهمها وأولها إعادة الهيبة للجيش العراقي ، تلك الهيبة التي فقدها منتصف عام 2014 أثناء غزو داعش للموصل دون مقاومة ، واستيلائهِ على كامل الأسلحة والمعدات العسكرية الثقيلة منها والمتوسطة مما أفقد العراقيين ثقتهم المعهودة بهذا الجيش الذي كان يُعد من أعظم الجيوش في منطقة الشرق الأوسط .
من الجانب السياسي ، فإن الوضع يبدو أكثر استقرارا وثباتا بعد أن توحدّت جميع الأحزاب السياسية على إختلاف مشاربها بالوقوف مع الجيش والقوات الأمنية والحشد الشعبي وانتهاج خطاب سياسي وطني موحّد مما ساهم في توفير المناخ اللازم والكافي لرئيس الوزراء حيدر العبادي في إتخاذ قرارات خطيرة وفِي غاية الصعوبة في ظل تجاذبات المنافسة الشرسة بين نفوذ كل من طهران ، المتمثل بثقل قاسم سليماني من جهة ، وواشنطن التي تمترست مع ثلاثين دولة من حليفاتها من جهة أخرى .

ومكمن الصعوبةِ بالنسبة للعبادي هنا هو التوفيق ما بين القوتين الكبيرتين في تواجدهما العسكري من حيث العدّة والعديد على أرض العراق فما تراه ايران صالحا في الحرب من حيث التوقيت والخطط وطرق تنفيذ المعركة وإداراتها ، تراه واشنطن مُخالفا لها ، وهذا ما ترك تأثيرهُ سلبا في تأخير تحرير قضاء « تلكيف « الكبير جنوب غرب الموصل الذي تصرّ ايران على تحريره بقوات الحشد الشعبي ، في الوقت الذي تقف واشنطن بكل ثقلها لمنع ذلك ، وهكذا هو الحال مع قضاء الحويجة وبعض مناطق غرب العراق على الحدود العراقية - السورية والحدود العراقية - الاردنية ، لكن العبادي على الأقل نجح في مسك العصا من الوسط بين رأسيها الأمريكي والإيراني وأنجز الجزء المهم والأكبر في تحرير أغلب الأراضي التي استولت عليها داعش وبإرادة عراقية وطنية خالصة
وهذا التحرير كان بجهود ودماء العراقيين دون مشاركة او وجود لآخرين غيرهم على الأرض .

• وما أبرز التحديات التي تواجه العراق؟
لا شك أنّ التركة الثقيلة التي تركتها «داعش» في احتلالها لثلث ارض العراق بمدنها الكبيرة وسكانها الملايين ، من حيث الدمار والخراب المروّع ، والذي لم يشهد مثيله في التاريخ مُذ حملة التتار والمغول على العراق عام ١٢٥٨ ، هَذِهِ التركة ، عدا عن تدميرها كل ماهو على الأرض من مبانٍ ومدارس وآثار وكنائس وجوامع ومقدسات، أحدثت شرخا عميقا في البنية المجتمعية والنسيجية للمجتمع الموصلي والأنباري والفلوجي وباقي من رزح تحت حكمهم ، وتعدى ذلك الشرخ خرابه بتدمير بُنى وأسس العائلة الواحدة أيضا بعد أن قام الأبن بجزّ رأس أبيه ، وذبح الأخ لأخيه المخالف له فكراً وتوجها ، علاوة على الكرامة التي تم امتهانها لوجهاء الناس وأخيارهم من كفاءات وعلماء وكبار السن ، ناهيك عن وجود «داعش» كفكر متطرف في عقول الصغار والصبيان والشباب ، وما زالت تغذيه ولحد الآن جوامع ومدارس وقنوات دينية متطرفة برعاية دول عربية وإقليمية ودولية .
هَذِهِ الشروخ المتغلغلة في النفس البشرية تحتاج لأكثر من جيل للتخلص من آثارها النفسية والإجتماعية .

التحدي الآخر الذي يواجه العراق هو البنية التحتية المُدّمرة التي تركتها الحرب بعد ان سُويّت العديد من المدن مع الأرض مما يتطلب المئات وليس العشرات من مليارات الدولارات لإعادة بنائها وتأهيلها ، في ظل إعتماد العراق على النفط فقط في وارداته ،وهذه الواردات غالبا ما تتعرض للإنتكاس بسبب انخفاض أسعار النفط الى مستويات خطيرة جدا .
اما التحدي الثالث الذي يواجه العراق وينخر في بناء الدولة ، فهو الفساد المالي الذي يشكل الوجه القبيح الآخر للإرهاب وهو الأداة التي تتمّول بها جميع أحزاب السلطة الحالية ، وهي احزاب إسلامية بإمتياز ويغطي بعضها فساد البعض الآخر الى الدرجة التي وُضع فيها العراق على رأس الدول الفاسدة بضياع مئات ان لم تكن آلاف المليارات من الدولارات دون

محاسبة وزير او وكيل وزير
او مدير عام واحد منذ ثلاثة عشر عاما حد لحظة كتابة هَذِهِ السطور ، وفِي حال تقديم أحدهم متلبسا ومُدانا وبوجود الأدلّة والوثائق التي تثبت إدانته ، يكتفي القضاء بعد تدخل قادة الأحزاب الاسلامية طبعا «بإحالتهِ على التقاعد وضمان حصوله على كافة حقوقهِ وراتبا مُجزيا بآلاف الدولارات لما تبقى من عمره واحتفاظهِ بسيارات الدولة وجواز سفره الديبلوماسي مع كافة أفراد عائلتهِ ،فهل يوجد أسوء من هذا الفساد على الأرض !

• وما الذي ينتظر المنطقة بعد نهاية داعش؟
هذا السؤال صعب بعض الشيء كون إجابته تكمن في عقول أصحاب القرار من اللاعبين الإقليميين والدوليين والتجاذبات العسكرية والسياسية في منطقتنا ، وبالأخص إننا أمام رسم جديد لخارطة الشرق الأوسط بانت ملامح هذا الرسم واضحة بالتحالفات الإقليمية والدولية الجديدة والتي تُعد بمثابة انقلاب على التحالفات القديمة كما هو الحال في أزمة قطر والسعودية ، وفك شراكة تركيا مع ألمانيا وأمريكا ، والتقارب الروسي الإيراني حد انشاء قواعد عسكرية على الأراضي الإيرانية .. وحتى الخلافات الأمريكية - الاورپية ستلقي بظلالها على المشهد في حدود بلداننا ، ويبدو ذلك واضحا الآن في السباق المحموم بين أمريكا وأوربا في التنافس على الحصول وابتزاز الأموال الخليجية مُستغلة بذلك الأزمة التي إختلقها ترامب والغرض منها سلب أكبر ما يمكن سلبه من هَذِهِ الأموال ، وهنا بريطانيا لم تكتفِ بموقف المتفرج لتدخل على خط الأزمة ، التي أتوقع توسيع أمدها طويلا لآخر ريال سعودي قطري ، وتعقد هي الاخرى صفقات أسلحة مع السعودية بعشرات المليارات من الدولارات رغم اعتراض منظمات حقوقية وقانونية على هذه المبيعات ، ليصادق القضاء على شرعيتها صباح هذا الْيَوْمَ وهي واقعة غريبة بالنسبة للقضاء البريطاني لما هو معروف عنه في مواقفهِ النزيهة على مرّ تاريخه الطويل .

فرنسا وألمانيا لحقتا إختهما الكبرى بريطانيا في الدخول على خط الأزمة الخليجية وعقدتا صفقات توعدّية واحدة مؤيدة للسعودية لإقناع السعودية بدعم موقفها في تخلصها من نظام غريمتها «قطر» والأخرى داعمة لقطر في عدم السماح بقيام اَي عمل عسكري يستهدف رأس أميرها تميم ، وما بين هَذِهِ وتلك ، ولحين إفراغ الخزائن السعودية والقطرية ، لحظتها ستقوم الولايات المتحدة الأمريكية بإستدعاء ولي العهد السعودي وامير قطر ليعقدوا صُلحا تاريخياً واستثنائيا ، يتغنى فيه ترامب لأيامٍ بهية في تاريخ ولايته الاولى على تويتر ، ليتم التحضير بعدها للخطوة التالية في مطبخ البيت الأبيض ، وكفى المسلمين شرّ القتال.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115